تتراوح أغلب الأبحاث الألسنية العربية الراهنة بين استنطاق المدوّنة التراثية على ضوء المقولات التي نضجت في علوم اللسان الغربية، وبين تبيئة هذه الأخيرة وتطبيقها على مدوّنات الضاد، ما يُلزِم بإنجاز جردةٍ عن الاشتغال العربي في هذا المجال.
افتتح المفكر العربي عزمي بشارة أعمال المؤتمر الثالث لـ"معجم الدوحة التاريخي" بمُداخلة منهجيّة، متناولاً القضايا التي أنجزها المعجم حتى الآن، وما ينتظره من رهانات على مدى الفترات اللّاحقة. من جهة ثانية، أعلن عن إطلاق نشرية "كلمات ودلالات" قريباً.
إن كان الالتفات إلى العلاقة بين الكتاب ولحظات ما قبل النوم غائباً لدى الباحثين والمشتغلين في صناعة الكتاب عربياً، فذلك لا يعني أن هذه الممارسة مجهولة في ثقافتنا، إذ ثمة العديد من الكُتب التي تنطبق عليها شروط ما يمكن تسميته بأدب الوسادة.
بعدعام على اغتيال لقمان سليم، تعيد "دار الجديد"، التي أسّسها الكاتب اللبناني قبل أن تتسلّم زمامها شقيقته رشا الأمير، إصدار مؤلّفاته من ضمنها تقديمه وتحقيقه لكتاب "نسوان من لبنان" لإسكندر رياشي، الذي كان لسليم الفضل في إعادة صاحيه إلى دائرة الضوء.
اختار الكاتب التونسي الذي غادر عالمنا قبل أيام ممارسة المعرفة الميسّرة والانحيازَ إلى التبسيط، تاركًا النّصوص تنطق بذاتها عما في خباياها بعد أن يستجلبَها من كنوز التراث، ويوفّرها للقارئ غير المتمكن حتى يحيطَ بموضوعه سريعًا.
المأمول أن يُنجَز معجم نقدي للمصطلح القانوني العربي، لا يقوم فقط على الكشف عن الجذور الأولى لهذه المفردات، بل على بيان تطوّراتها من دوائر الفقه التقليدي التي نشأت فيها نحو النصوص القانونية الوضعية، وأسباب هذا التوسّع المفهومي، ثم مظاهر توظيفها.
بدا إقرار منظّمة "الأمم المتّحدة" العربية لغةً رسمية فيها، عام 1973، اعترافاً بأن الضاد "أصبحت" لغةً عالمية، ومكافأةً لها على مضاهاتها مفاهيم العصر. لكنّ هذا "الاعتراف" يخفي تعالياً وقروناً من التأثير والعطاء والكونية التي طبعت مسيرة لغتنا.
خاض مستشرقون ومبشّرون في ما اعتبروه تناقُضاً في النصوص الدينية، منطلقين من التباساتها. مسألةٌ يخوض فيها اليوم بعض أنصاف المثقّفين. يتّخذ حضور هذه "الإشكالات" ذريعةً إلى نبذ التراث كلّيًّا واعتباره متناقضًا.
بينما كان العرب القدماء يولون أهمّية إلى "معاجم المعاني"، أي تلك الكتب الزاخرة بالشواهد والمختارات حول محورٍ معيّن، فإنّ هذا التوجّه يظلّ غائباً في العصر الحديث. بل إن آلية الاستشهاد تكاد تكون غائبة حتى عن المعاجم العامّة اليوم.
يمكن أن نلاحظ أن أدب الجريمة قد طوّر حتى في مهارات الكتابة، ومنها القدرة على التشويق ودفع القارئ إلى قلب الصفحة كلّما فرغ من صفحة، وهو ما تعجز عنه كثير من كلاسيكيات الأدب، إضافة إلى تطوير تقنيات الوصف والمحاكاة والعقَد السردية.