العلاقة الفرنسيّة ـ التركيّة: النفط أولاً

العلاقة الفرنسيّة ـ التركيّة: النفط أولاً

31 أكتوبر 2014
دعمت فرنسا تركيا بفكرة إقامة منطقة آمنة (Getty)
+ الخط -

ينوي الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وفق ما يكشفه مصدر دبلوماسي في الخارجية التركية، لـ"العربي الجديد"، التوجّه إلى العاصمة الفرنسيّة باريس، في الأيام المقبلة، لإجراء محادثات مع نظيره الفرنسي، فرانسوا هولاند، حالما تنتهي الترتيبات اللازمة لذلك.

وكان الطرفان قد اتفقا على الزيارة، بحسب المصدر ذاته، أثناء مكالمة هاتفية في الثامن من الشهر الحالي، أي عقب إعلان الرئيس الفرنسي دعمه خطة الحكومة التركية التي تقضي بإنشاء منطقة آمنة للاجئين السوريين وقوى المعارضة المسلّحة، بحماية منطقة حظر طيران ضمن الأراضي السورية على طول الحدود التركية. وفي حين لم يكن الجانب التركي قد تبلّغ أي موعد رسمي، لكنّ الجانب الفرنسي، وبحسب المصدر، أرسل إشارات إلى احتمال تحديد الموعد قريباً جداً.

وعلى الرغم من أنّ فرنسا وتركيا عضوان في التحالف الدولي الذي تقوده الإدارة الأميركية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، في سورية والعراق، لكنّ الاولى تشارك في البعد العسكري للتحالف، وتشن طائراتها ضربات جوية ضدّ قواعد التنظيم، في حين تضع أنقرة موضوع تدريب وتسليح المعارضة السورية على قمّة أجندتها، إضافة إلى الدعم الإنساني والاستخباري واللوجستي.

وتعتبر تركيا، وفق ما أكّده رئيس الوزراء التركي، أحمد داوود أوغلو، في مناسبات واطلالات عدّة، أنّ النظام السّوري، إضافة إلى "داعش"، يمثلان التهديد الأهم للجمهورية التركية، وللأمن والسلام في المنطقة. وعلّل أوغلو ذلك، انطلاقاً من أنّ "تعنت النظام السوري ضدّ شعبه وسياساته الطائفيّة، هي التي أدّت إلى تمكُّن التنظيم في المنطقة"، موضحاً أن "هذين التهديدين، يمثلان السبب الرئيس وراء فكرة إقامة المنطقة الآمنة"، وهو الأمر الذي لا تتشارك فيه أنقرة مع معظم دول التحالف. كما سبق لإيران وروسيا، اللتين تعتبران من أقوى حلفاء النظام السوري، أن حذّرتا أنقرة مراراً من القيام بأي خطوة فردية في هذا الخصوص، خارج إطار مجلس الامن.

انطلاقاً من هذه الأسباب مجتمعة، تبدو المساندة الفرنسية للأفكار التركيّة ذات قيمة عالية، الأمر الذي دفع بأردوغان إلى تذكّر صديقه الفرنسي مرة أخرى. ومع أنّ الدعم الفرنسي لن يفضي وحده، بطبيعة الحال، إلى إقرار خطة المنطقة الآمنة، لكنّه يساهم في كسر صورة عزلة أنقرة الغربيّة، في ما يخصّ الشأن السوري، والتي بدأ الحديث عنها أخيراً بكثافة في صفوف المعارضة التركيّة.

ولم تبدِ الحكومة التركية أيّ ردود فعل إزاء دعوات الرئيس الفرنسي لأنقرة إلى فتح حدودها المشتركة مع مدينة عين العرب السورية، لإيصال المساعدات إلى المعارضة السورية. واللافت أنه لو صدرت هذه التصريحات عن أي دولة أوروبية أخرى، أو عن فرنسا نفسها، في وقت آخر، لكانت لاقت ردود فعل عنيفة من قبل الحكومة التركية، إلا أنّه بعد مساندة هولاند لمشروع أنقرة، جرى التعامل مع مواقفه الأخيرة على أنّها "دعوات من صديق".

وتُعتبر فرنسا من الدول القياديّة في الاتحاد الأوروبي، الذي تسعى تركيا إلى الحصول على العضويّة الكاملة فيه منذ سنوات، ويبدو أن تركيا اليوم لن توفّر أي ورقة للحصول على المزيد من المكاسب من المجتمع الدولي، في ما يخص قضاياها الأساسية والتي يتربّع موضوع الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي على رأسها.

وجاءت الندوة، التي استضافت كلاً من وزير شؤون الاتحاد الأوروبي فولكان بوزكير، وعن الوفد الفرنسي النائب الاشتراكي ووزير الدولة المكلّف بشؤون البرلمان، جان ماري لو غوان، في معهد "البوسفور" في إسطنبول قبل أيام، بدعوة من مجلس الصناعيين والتجار الأتراك، للتأكيد على ذلك. إذ حملت الندوة عنوان انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. ودعا رئيس مجلس الصناعيين والتجار الأتراك، خالوق دينجر، فرنسا إلى المساهمة في فتح ملفات جديدة للتفاوض حول عضوية تركيا في الاتحاد، لكن احتمالات التعاون الجديدة بين الطرفين في ما يخص توليد الطاقة، كانت المحور الأبرز، خصوصاً أن فرنسا تتشارك واليابان في بناء المفاعل النووي التركي الثاني، بعد المفاعل النووي الأول الذي تعمل عليه روسيا، والذي من المقرر أن يبدأ بتوليد الطاقة في مئوية تأسيس الجمهورية عام 2023.

ويُعدّ إنشاء خط الأنابيب، الذي ينقل الغاز الأذربيجاني نحو أوروبا، مروراً بتركيا وجورجيا واليونان، مخرجاً آخر من كماشة الغاز الروسي، والذي لا يكفّ الرئيس فلاديمير بوتين عن التلويح به كلما تأزمت العلاقات بينه وبين الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى فكرة مستقبلية حول نقل النفط والغاز الكردي من إقليم كردستان العراق نحو أوروبا عبر تركيا أيضاً، لكن بعد الانتهاء من "داعش".

ويبدو واضحاً اليوم أنّ الدعم الفرنسي للمنطقة الآمنة، لم يكن مجانياً أو خوفاً من "داعش"، أو حرصاً على حياة السوريين بعربهم وأكرادهم. نجحت تركيا في الترويج لنفسها على أنّها محطة عبور لخطوط الغاز والنفط من مصادرها، سواء في الخليج العربي أو بحر قزوين، نحو المستهلكين النهمين من الأصدقاء في الاتحاد الأوروبي، إذ تتحول أنقرة في ظلّ النمو الاقتصادي من عبء لم يكن من الممكن التخلّص منه بسبب قواعد حلف شمال الأطلسي "الناتو"، إلى شريك لا بد من توثيق التعاون معه لكن لأجل الطاقة هذه المرة.

المساهمون