60 ألف سعودي.. يطلبون العلاج وراء الحدود

60 ألف سعودي.. يطلبون العلاج وراء الحدود

12 نوفمبر 2014
+ الخط -
 

على أحد كراسي الإنتظار، في أحد مستشفيات العاصمة الأردنية عمّان، جلس السعودي ربيع الشراري، في انتظار دخول ابنته، التي لم تتجاوز العاشرة من عمرها، إلى الطبيب في موعدها اليومي، لم يجد الشراري حلاً للحصول على العلاج المناسب سوى الذهاب بها إلى مستشفى أردني خاص، بعد أن يأس من الحصول على أمر بنقلها إلى إحدى المستشفيات المتخصصة في العاصمة الرياض.

منذ عشرة أيام وابنته الصغيرة تخضع لعلاج يكلفه 1000 ريال يومياً (267 دولار أمريكي)، "لكنه أفضل أفضل بكثير من الانتظار لشهرين إضافيين في انتظار أمر النقل الذي لم يصل بعد" يقول الشراري لـ"العربي الجديد".

تعاني ريم الصغيرة من فقر الدم المنجلي، وهو مرض يحتاج إلى عناية طبية مستمرة، ولكن مستشفى "القريات" العام الذي يقع في أقصى شمال السعودية (القريات تبعد 1600 كيلومتر عن العاصمة السعودية الرياض، وأقل من 90 كيلومتراً عن قلب عمّان) لا يوفر العلاج اللازم ولا يوجد به طبيب مختص بالحالة، ولأنه لا يستطيع السفر للرياض دون أن يُقبل ملفها هناك لم يكن أمامه سوى الذهاب بها إلى عمان.

يؤكد الشراري بنبرة متوترة لـ"العربي الجديد" أن أي مبلغ يدفعه لا يقارن بنظرة الألم على وجه إبنته، ويكشف الأب متوسط الدخل، أنه منذ شهرين تراجعت حالة ريم بينما طلب تحويلها إلى مستشفى متخصص عبر وزارة الصحة السعودية، لكن لم يصله الرد لأكثر من شهرين" خلال هذه المدة ساءت حالتها كثيراً ولم أجد حلاً سوى الذهاب إلى مستشفى خاص في الأردن" هكذا يختتم الشراري حديثه المؤلم.

الشراري ليس الوحيد الذي اتخذ خيار عبور الحدود بحثاً عن العلاج، ففي المستشفى ذاته، وعلى كرسي الانتظار ذاته، جلس متعب الشمري الذي يعالج من ضعف في العين، خضع إثره لعدة عمليات في عينه اليسرى.

الشمري أحد سكان رفحاء (تبعد 750  كيلومتراً عن الرياض و800 كيلومتر عن عمّان) يشدد في حديثه لـ"العربي الجديد" على أن "ضعف الإمكانيات الصحية في  منطقة الحدود الشمالية (مدن طريق وعرعر والقريات ورفحاء) وطول المواعيد في المراكز الطبية المتخصصة في الرياض والدمام، أجبراه على قطع مسافة أكثر من 1500 كيلومتر (ذهابًا وإيابًا) من أجل العلاج في الأردن".

يعاني الشمري من لحمية واضحة في عينه اليمنى، لمدة تزيد عن العامين، راجع مشفى رفحاء المركزي. رفض المشفى خلال هذه الفترة تحويله إلى مستشفيات العيون المتقدمة في السعودية، واكتفى بكتابة التقارير الطبية فقط عن حالته، يضيف الشمري: "مستشفى رفحاء لا يملك المقومات الكافية، والإمكانيات اللازمة لإجراء العملية، مما اضطرني إلى السفر للعلاج في الأردن".

60 ألف مريض سنوياً

"الظاهرة ليست فردية" هكذا لخص الوضع، رئيس جمعية المستشفيات الخاصة بالأردن، الدكتور عوني البشير، قائلاً لـ"العربي الجديد"، نسبة دخول السعوديين المستشفيات الخاصة الأردنية ترتفع من عام إلى آخر، بنسبة تتجاوز الـ15%، ليصل حالياً إلى أكثر من 60 ألف مريض سنويًا، يضخون مبالغ تصل إلى أكثر من مليار ونصف المليار ريال (400 مليون دولار)".

ويؤكد نائب رئيس جمعية أطباء العيون الأردنية، الدكتور موسى بيضون، إن مستشفى العيون التخصصي في عمّان وحده يشهد يوميًا إجراء 5 عمليات جراحية لمرضى سعوديين، بمعدل 1800 عملية جراحية سنويًا في العيون. ويضيف "يصل عداد المرضى السعوديين المراجعين لإجراء الفحوصات الطبية ما بين 20 إلى 30 مراجعاً يوميًا وهم في ازدياد"، وبحسب الدكتور بيضون يتوافد السعوديون للعلاج في الأردن على مدار العام، قاصدين أكثر من 60 مركزًا طبيًا في القطاع الخاص.



بحسب دراسة قامت بها "العربي الجديد"، يأتي هؤلاء المرضى من عدة مدن شمالية في السعودية، أغلبهم من القريات التي تقع على الحدود السعودية الأردنية، ومن رفحاء، وأيضاً من تبوك التي تبعد 1800 كيلومتر عن الرياض، و100 كيلومتر فقط عن عمان، ومن طريف التي تبعد 1450 كيلومتراً عن الرياض، و300 كيلومتر عن عمان، ومن الجوف (سكاكا) التي تبعد 1400 كيلومتر عن الرياض، و350 كيلومتراً عن عمان، ومن عرعر التي تبعد 1250 كيلومتراً عن الرياض وأقل من 500 كيلومتر عن عمان، وبسبب هذا الإقبال الكبير من السعودية للعلاج هناك تحولت منطقة جبل عمّان (في ضواحي العاصمة الأردنية) وكأنها قطعة من السعودية، إذ يعتمد اقتصاد المنطقة بشكل كبير على المرضى السعوديين الذين باتت مشاهدتهم بكثرة أمراً طبيعياً.

حسناً، ليس المرضى فقط من يسافر للعلاج هناك، فقبل أيام كشفت الأميرة، سميرة بنت عبدالله الفيصل الفرحان آل سعود، رئيسة مركز والدة الأمير فيصل بن فهد للتوحّد، في تصريحات صحافية، أن 420 طفلاً توحدياً سعودياً يتعالجون حالياً في الأردن، لعدم وجود مراكز علاج جيدة في السعودية، فيما قال استشاري النمو والسلوك بمستشفى الملك فيصل التخصصي، ومركز أبحاث التوحد، الدكتور حسين الشمراني، في تصريحات صحافية: إن "ما يزيد على 800 طفل سعودي يتلقون العلاج في مراكز لذوي الاحتياجات الخاصة في الأردن، تبلغ تكلفة علاج الواحد منهم قرابة الـ 100 ألف ريال سنوياً (26700 دولار)، تتحملها وزارة التعليم العالي، ويعاملون كطلبة مبتعثين".

معاناة مستمرة منذ سنوات

يؤكد الكاتب الصحافي في جريدة الوطن، صالح الشيحي والذي يقطن رفحاء، وله عدة تجارب شخصية مع العلاج في الأردن لـ"العربي الجديد"، على أن معاناة سكان المناطق غير الرئيسة، مع توافر العلاج مستمرة منذ سنوات طويلة وبلا حلول، كاشفاً أن أهالي المناطق الشمالية يضطرون للسفر إلى الأردن، بحثاً عن العلاج الغير متوافر في مناطقهم، ويقول "الوضع الصحيّ خارج المدن الرئيسية مايزال يحبو، ولم يطرأ عليه أي تحسن حقيقي".

ويضيف، "نعم هناك مستشفيات، وبدأت الوزارة في بناء منشآت، لكن المنشآت لا تعالج مريضاً وحدها بدون توافر خدمة صحية، والأخطاء الطبية والمشاكل الصحية فيها كثيرة"، ويتابع بتحدي :"أي منطقة ليست ضمن المناطق الرئيسية الثلاث (الرياض وجدة والدمام)  ثق أن الخدمات الطبية فيها هي دون المستوى، وأهلها يبحثون عن العلاج في الخارج، سواء في الرياض، أو خارج الحدود في الأردن، ولهذا تجد كثيراً من المستشفيات الأردنية قائمة على المرضى القادمين من السعودية الذين يمثلون العمود الفقري لهذه المشافي.

وتابع "وزارة الصحة السعودية قامت بتوفير المباني فقط، ولم توفر الكفاءات الصحية اللازمة لتشغليها، فلا يوجد استشاريين متخصصين".

ويرى الشيحي، الذي تلقى مقالاته الاجتماعية اهتماماً كبيراً في جريدتي، الوطن السعودية والعرب القطرية، أن مايحدث في منطقة الحدود الشمالية وفي الجوف يتكرر في أغلب المناطق، ويقول: "تتوافر المباني الصحية لكن بلا كفاءات طبية"، ويتابع: "مشكلة وزارة الصحة مع المناطق غير الرئيسية، أنها اعتقدت أن توفير المنشآت الصحية سيحد من تردي الخدمة الصحية، وللأسف هذا أمر غير حقيقي"، ويشدد على أن هناك خللاً في وزارة الصحة، ويقول :"تم صرف عشرات المليارات، ومازلنا لا نجد أسرة ولا أطباء".

ظاهرة تنحصر

يعترف مدير عام الشؤون الصحية بمنطقة الحدود الشمالية، محمد الهبدان، بالظاهرة لكنه يشدد في حديثه لـ"العربي الجديد" أنها بدأت تقل، ملقياً باللائمة على طبيعة المنطقة وقلة رحلات الطيران من وإلى المدن الرئيسية، مما يصعّب عملية التداوي فيها، وبالتالي يفضل المرضى التوجه إلى الأردن الأقرب إليهم".

ويضيف الهبدان: "بدأت هذه الظاهرة بالانحسار". ويتابع، عندما حضرت للمنطقة قبل أربعة أعوام، لم يكن هناك ثقة بالأطباء، ولم يكن هناك (بروتوكول) للمستشفيات، وكان الأطباء يستخدمون أسلوب الطب الدفاعي، فيحولون الحالات الصعبة على غيرهم كي لا تكون من مسؤوليتهم، ولكن في السنوات الثلاث الماضية، استطعنا تقليل ذلك وفي اليومين الماضيين حصل مستشفى رفحاء على تقييم جيد جداً، في الجودة بنسبة 89%، والآن مستشفيات عرعر وطريف كلها مصنفة من المجلس الوطني لاعتماد المنشآت الصحية".

ويشدد على أنهم باتوا يعلمون أين يقع  الخلل ويعملون على علاجه، محملاً الخطوط الجوية السعودية جزءاً كبيراً من المسؤولية قائلًا: "أغلب من يتجه إلى الأردن للعلاج يكون بسبب أنه لا يستطيع السفر إلى الرياض لعدم وجود رحلات جوية، فيكون السفر للأردن أفضل له"، ويضيف: "رحلات الطيران قليلة جداً من المناطق الشمالية للرياض وجدة، فالرحلات من طريف للرياض خمس فقط في الأسبوع، ولجدة رحلتان في الاسبوع، ومن رفحاء لا يوجد رحلات إلى جدة، وأما من عرعر التي هي العاصمة الإدارية، فلا يوجد في رحلة جدة سوى 66 مقعداً فقط، إذ تتم عبر طائرة صغيرة محجوزة لمدة عام كامل، سواء للجيش أو طلاب الجامعة، وبالتالي المريض لا يستطيع السفر للعلاج".

ويتهم الهبدان الخطوط السعودية بعدم التعاون معهم، على الرغم من كثرة المخاطبات بينهم، ويضيف: "لا توفر الرحلات المطلوبة، كما أن حجم الطائرات صار أصغر، بدلاً من 136 كرسياً أصبحت الطائرة تحتوي على 129 كرسياً في الرحلة الواحدة خلال اليوم. هم يزعمون أنهم رفعوا العدد وهذا غير صحيح".

ويتابع: "لدينا 7500 متعاقد (موظف) في المنطقة، وهذا يعني أن 25% من طائرات الشمال يفترض أن تخصص لمنسوبي الصحة فقط، طوال العام حتى تكفيهم لرحلة واحدة فقط في السنة، ولكن الجيش وحرس الحدود يستحوذان على العدد الأكبر من المقاعد في تلك الرحلات".

جانب آخر من المشكلة يعترف به مدير عام الشؤون الصحية بمنطقة الحدود الشمالية، قائلاً إن الأطباء المميزين لا يرغبون في العمل لديهم، لعدم وجود أماكن ترفيه ولا رحلات طيران. مؤكداً على أن المنطقة: "طاردة للكوادر الطبية"، ويسترسل: "العملية تكاملية وليست مرتبطة فقط بالخدمات الطبية، بل بمجموعة متكاملة من الخدمات يجب أن تكون متوافرة".

المشكلة مازالت قائمة

يرد الكاتب صالح الشيحي على تأكيدات الهبدان، بأن الظاهرة بدأت تنحصر بأنه طالما الأسباب مازالت قائمة فهي مستمرة، ويقول: "قد تكون الأمور تحسنت نوعاً ما ولكن المشكلة مازالت قائمة وبلا حلول"، ويضيف: "ماتزال أسباب المشكلة قائمة، وطالما أن المناطق الشمالية بحاجة للمركز والمرضى بحاجة للواسطة لتلقي العلاج في الرياض فسيظل التوجه للأردن هو الخيار الأفضل لهم خاصة وأنه يتم بتكلفة أقل".

ويشدد الشحي، على أنه لا أحد يريد أن يذهب ضحية لمواعيد تمتد لأشهر. ويضيف "أصل المشكلة هو صعوبة الحصول على العلاج المناسب في المنطقة وندرة بعض التخصصات في الأطراف الشمالية، فلا يمكن أن يحضر استشاري مميز للعمل هناك، إضافة لصعوبة الحصول على مواعيد في المستشفيات التخصصية في الرياض وجدة، وطالما أن العلاج في الأردن غير مكلف، ومتيسر، فهم سيستمرون في التوجه إلى هناك لتلقي العلاج، الآن أهالي الشمال يعرفون أسماء وتخصصات الأطباء الأردنين أكثر من السعوديين".

وبحسب الشيحي "في الوقت الذي يكّلف العلاج في أحد المستشفيات الخاصة في الرياض أو جدة، مبالغ تتجاوز الـ5 ألاف ريال، بما فيها الأشعة والفحوصات، لا تكلف زيارة أكبر استشاري في الأدرن 150 ريالاً". ويضيف "من جهتى أفضل السفر إلى الأردن بدلاً من التوسل لأحد في الرياض". ويتابع "أعتقد أن الأفضل لوزارة الصحة أنه طالما غير قادرة على توفير العلاج للمرضى في الرياض أن توفر لهم العلاج في الأردن، فهناك من يموت وهو ينتظر سريراً".

تخوف الشيحي حدث حرفياً، مع عواد البقمي من عرعر، الذي انتظر أكثر من أربعة أشهر للحصول على سرير، في مجمع الملك فهد الطبي في الرياض، لوالدته المريضة بالقلب، ولم تصله الموافقة إلا بعد وفاتها بأسبوعين، يتذكر البقمي ماحدث بحزن بالغ، ويقول: "لست وحيداً، كثيرون عانوا مثلي وكنت أتمنى لو أنني ذهبت بأمي للأردن، ولكن كانت لا تريد السفر وتريد أن تموت في وطنها، وهذا ماحدث لها".