6 شهور من الفشل العسكري العراقي... بانتظار "المنقذ"

6 شهور من الفشل العسكري العراقي... بانتظار "المنقذ"

22 ديسمبر 2014
أصوات عراقية تطالب بتدخل جيوش أجنبية (مارك ويلسون/getty)
+ الخط -
على الرغم من مرور نحو أربعة أشهر على بدء قوات التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة عملياتها الجوية في العراق ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وتقديمها دعماً عسكرياً ولوجستياً مفتوحاً للقوات العراقية، غير أن التقارير العسكرية الصادرة أخيراً تشير إلى أن القوات العراقية والمليشيات، وأبناء العشائر المدعومة بغطاء جوي غربي متواصل، لم تتمكن لغاية التاسع من الشهر الجاري من تحرير أكثر من 200 كيلومتر من مجموع المساحة التي يسيطر عليها التنظيم، والبالغة نحو 150 ألف كيلومتر من أصل 473 ألف كيلومتر مساحة العراق الإجمالية.


ولا يتوقف الإخفاق عند تحرير الأرض، وإنما أيضاً في الخسائر البشرية في صفوف تلك القوات، والتي تقدّر بأكثر من 60 ألف قتيل وجريح، فضلاً عن الخسائر المالية، بشكل أدخل العراق بأكبر أزمة مالية يشهدها منذ 12 عاماً، بالتزامن مع الانخفاض المفاجئ لأسعار النفط العالمية، خصوصاً في ظل اعتماد الدخل القومي للبلاد على قطاع النفط بنسبة 98 في المائة.
أمام هذه المعطيات، تعلو صيحات الشكاوى من الشارع العراقي والقيادات السياسية من جدوى استمرار الاعتراض على أي تدخل بري أميركي أو غربي في العراق، إذ علت خلال الأسبوع الجاري، أصوات تطالب رئيس الوزراء حيدر العبادي، بدخول الجيش الأميركي المتواجد في الكويت حالياً، والبالغ قوامه نحو 7 آلاف جندي إلى العراق، معتبرين أن "ذريعة الاحتلال والسيادة العراقية باتت لا تنطلي على أحد، وسط احتلال داعش ثلث البلاد ورفع علمه على مدنه، فيما ينتشر الآلاف من عناصر الحرس الثوري الإيراني على رقعة واسعة من مناطق النزاع وسط وشرق البلاد".

وبحسب مسؤول عسكري عراقي رفيع المستوى، فإنّ التقديرات العراقية لا توحي بقرب حسم المعركة مع "داعش" قريباً، إذا ما استمر الاعتماد على القوات العراقية والمليشيات، مع الإسناد الجوي الغربي والدعم بالسلاح والذخيرة المتواصل؛ وهي مدة كفيلة في الوقت نفسه بحرق البلاد وإزهاق أرواح عشرات الآلاف من العراقيين المدنيين والعسكريين، أو قد تدخله في مرحلة حرب أهلية تهدد كل دول الجوار.

ويقول القائد العسكري في الجيش العراقي العميد الركن مصطفى عبد السلام، لـ"العربي الجديد": "لدينا نفس طويل وصبر على المعركة، لكن الخسائر والثمن العام سيكون باهظاً جداً على البلد وساكنيه، ومثل هذه الحرب يجب أن نضحي بالكثير للحصول على النصر، من بينها الاعتراف بحاجتنا لتدخل بري من جيوش صديقة للعراق، وضمن اتفاقيات دولية مسبقة، فداعش يمتلك عوامل عدة لا تتوفر لدى قواتنا النظامية".

 
ورقة النازحين الضاغطة

يشكل نحو مليونين ونصف مليون مهجر ونازح عراقي، غالبيتهم العظمى من العرب السنة، ورقة الضغط الأبرز على حكومة العبادي و"ديوان الخليفة أبو بكر البغدادي"، كما يصفه العراقيون "تهكماً"، إذ تتصاعد مطالبات العودة إلى منازلهم من خلال فتح الطرق وإيقاف القصف العشوائي بالبراميل المتفجرة. بينما يؤيد العبادي ذلك مقابل خروج التنظيم من داخل مدنهم وتشكيل قوات محلية سنية لإدارتها، وهو ما يرفضه "داعش". هكذا، يجد سكان تلك المدن أنفسهم بين خيار "الرباط والموت"، أو البقاء في مخيمات ومعسكرات إيواء متهالكة خارج المدن الخاضعة لسيطرة الدولة العراقية.

خارطة سيطرة "داعش"

من خلال مراجعة أبرز المدن التي سيطرت عليها القوات العراقية والمليشيات المرافقة لها، بدعم جوي غربي، يُلاحظ مساحتها المتواضعة وانخفاض أهميتها الجغرافية أو العسكرية لتنظيم "داعش"، فضلاً عن استمرار المخاوف من فقدانها مرة أخرى.

وأهم تلك المدن جرف الصخر شمال محافظة بابل، والهاشمية والمعتصم والإخاء و بيجي جنوب وشرق محافظة صلاح الدين، والصقلاوية شمال الفلوجة، والسعدية وجلولاء والصدر والعظيم شرق محافظة ديالى، إضافة إلى سنجار وزمار وسد الموصل غرب وشمال غرب الموصل، فضلاً عن 18 قرية وبلدة صغيرة في مناطق غرب وشمال العراق.

في المقابل، لا تزال المدن الرئيسة الكبرى إلى الجانب الشمالي والغربي من البلاد تحت سيطرة "داعش"، وهي تخلو من أي سلطة عراقية حكومية. وهذه المدن هي الموصل والشرقاط وبعشيقة، وربيعة والجزيرة والبادية وتكريت، والعلم والدور والعوجة وذراع دجلة والثرثار شمالاً، فيما تأتي الفلوجة امتداداً لمحيط بغداد الغربي، حيث مدينة أبو غريب والرضوانية وعقرقوف التي تبعد 20 كيلومتراً غرب بغداد، إضافة الى الجزء الجنوبي والغربي من الرمادي، ومدن أعالي الفرات المتمثلة بهيت والقائم وراوه وكبيس والرطبة وعنة، وصولاً إلى الشريط الحدودي العراقي بين الأردن وسورية، تتخللها سيطرة شبه كاملة على مدينة النخيب الحدودية مع السعودية.

استجداء تدخل أجنبي

يعلق المحلل السياسي العراقي طه عبد الغني الجواد، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، في حديث لـ"العربي الجديد"، على إخفاقات الجيش العراقي والقوات المساندة له، ويقول إن "الحديث عن قدرة القوات العراقية على تحقيق نصر سريع أو بطيء على "داعش" يجب أن يقترن بالحديث عن مدى إمكانية تلك القوات على الاحتفاظ بالأرض، حيث شهدنا هجمات مضادة لتنظيم "داعش" أخيراً استهدفت مدناً خسرها بالسابق، ونجحت في استعادتها مرة أخرى مثل بيجي بصلاح الدين، وبلدة صنيديج بمحافظة بابل". ويضيف الجواد: "الجميع يعلم أن بقاء القوات العراقية على وضعها الحالي لن يحقق الغاية ولا الهدف بالسرعة التي يتمناها الجميع؛ فالشارع منقسم طائفياً، وهناك تغذية للتطرف من المليشيات التي ترتكب جرائم وانتهاكات لحقوق الإنسان، وتمثل عامل كسب ودعاية مجانية للتنظيم في المناطق السنية، وقد تجرنا كل تلك الأحداث إلى حرب طويلة ومملة يخسر بها العراق كثيراً؛ لذا، لا بد من التفكير جدياً باستقدام قوات أجنبية للبلاد، تختصر وقت المعركة مهما بلغت كلفتها المادية".

بدوره، يقول القيادي في مجلس محافظة الأنبار مزهر الملا، إن "الوضع سيطول وعلينا التفكير بجيوش غربية أو حتى استقدام مرتزقة من خلال شركات أمنية تتعاقد معهم نحفظ من خلالها دماء العراقيين التي هي أقدس من النفط وعائداته". ويضيف الملا أن "هناك مشاكل ومعوقات تعترض عمل قوات الجيش والبقاء على هذا المنوال لن يحقق ما نصبوا إليه مطلقاً".
وهكذا، فإن بقاء عامل المبادرة بيد تنظيم "داعش" في المعارك وغزو المدن، واستمرار تدفق المقاتلين الأجانب والعرب، والذين يقدرون حالياً بأكثر من 12 ألف شخص، قد تدفع بالحكومة العراقية إلى المطالبة رسمياً بقوات برية غربية، لا تنحصر بالأميركيين فقط، لكن هذا لن يكون أمراً حتمياً، إلا إذا تقدمت طلائع تنظيم الدولة إلى قلب بغداد، من خلال جيوب وتجمعات موجودة منذ أشهر بمحيط العاصمة، وعلى نحو 20 كيلومتراً منها في أقرب نقاط التماس مع بغداد.

من جهة ثانية، فإن البرودة الأميركية في التعاطي مع التطورات الميدانية، وعدم شنّ غارات مجدية ضدّ التنظيم، يفسّرها البعض بأنه محاولة لإجبار العراق على طلب التدخل البري رسمياً. لكن في كل الأحوال، لن يرى العراقيون طلائع القوات الأميركية تدخل ميناء أم قصر بالبصرة آتية من الكويت، إلا بعد اهتراء العباءة العسكرية التي تلف بغداد.