55 قانوناً عنصرياً ضدّ منكوبي الداخل المحتل

15 مايو 2014
اعتداء شرطة الاحتلال على متظاهرين ضد مشروع برافر (GETTY)
+ الخط -
من أبرز ملامح الذكرى السادسة والستين للنكبة هذا العام بالنسبة لفلسطينيي عام 1948، العودة القوية لجهاز الأمن الداخلي في إسرائيل "الشاباك"، وازدياد عدد ونوعية القوانين العنصرية التمييزية ضد أصحاب الأرض، وتجدُّد أساليب قمعهم من المؤسسة الإسرائيلية بغطاء "قانوني"، حسب ما يؤكده مراقبون وحقوقيون لـ"العربي الجديد".

ويتضح من معطيات نشرها مركز "عدالة" الحقوقي في حيفا، أن هناك أكثر من 55 قانوناً عنصريّاً في إسرائيل ضد عرب 48، تسلبهم حريتهم، وتقيّد مشاركتهم السياسية وتحرمهم من حقوق أساسية على صعيد المواطنة، والحق في التخطيط والبناء، والحقوق المدنية والسياسية، وحرية التنظّم، والحقوق الاقتصادية والثقافية، والتعليم، والحقوق الدينية وغيرها، عدا عن التمييز ضدهم في قوانين الاجراء الجنائي، ومحاولة تجنيدهم للخدمة الالزامية، أو تدفيعهم ثمناً لعدم تأديتها.

منذ احتلالها فلسطين، تسعى المؤسسة الإسرائيلية الى إخضاع أصحاب الأرض وتدجينهم بكل وسيلة متاحة، مع التركيز على مصادرة أراضيهم وضربهم اقتصادياً.

وسنت لذلك قوانين "الارض الموات" و"أملاك الغائبين" وقوانين أخرى تساعدها في سلب الأرض، كما عملت ولا تزال بأنظمة الطوارئ. وفي مراحل لاحقة، أضافت إلى سلة قوانينها العنصرية، نصوصاً تمييزية في مجالات المنح الدراسية، وأماكن العمل والاعفاءات الضريبية والالتحاق بالجامعات، وصولاً إلى "قانون الولاء" الذي يحتم الاعتراف بدولة الاحتلال كـ"دولة يهودية ديمقراطية". حتى أن القوانين الهستيرية في السنوات الأخيرة، طالت النوايا.

وتوضح المحامية عبير بكر، من مركز "عدالة"، والمحاضرة في جامعة حيفا، في حديثها لـ"العربي الجديد"، نهب أراضي فلسطينيي الداخل، أن "السنوات الأولى لقيام إسرائيل ركّزت على وضع آليات وغطاء قانوني لسلب الارض من الفلسطينيين بذريعة الأمر المؤقت، ثم أصبح المؤقت دائماً، وسنت قوانين تجعلها تستولي على الاراضي بشكل كامل".

قوانين إقصاء للعرب


وتشير المحامية عبير بكر، إلى أن التمييز في موضوع الأرض والمسكن، الذي يطال قطاعات كثيرة، هو قضية جوهرية. وتشدد على أنه "عدا عن كون الأراضي باتت في يد إسرائيل، فإنها سنت خلال العشر سنوات الأخيرة قوانين تمنع العربي من المشاركة حتى في سكن بعض الأراضي". من الأمثلة على ذلك، وضع شروط وقوانين لا تسمح للعرب بالسكن في القرى التعاونية والجماهيرية من خلال ما يسمى "لجان القبول" التي تتذرع بحجج واهية لرفض سكن العرب فيها.

لكن الأمر لا يتعلق بالقوانين والشروط التي تضعها المؤسسة الإسرائيلية في قضايا الأرض والمسكن فحسب، بل تظهر العنصرية الواضحة "حتى من الإسرائيليين على الصعيد العام"، حسب ما تقول المحامية، عبير بكر.

فشل التدجين ولّد القوانين

ترى بكر، أنه لو توفرت النية لدى مسؤولي دولة الاحتلال، لوضعوا أولويات وأفضليات وامتيازات للعرب لتحسين ظروفهم، كونهم الشريحة الأضعف اقتصادياً واجتماعياً، مثلما يحدث في أي دولة، "لكن في ظل التمييز والعنصرية، فإن إسرائيل تسعى الى اختلاق واختراع قوانين تحول دون ذلك".

وتلفت مثلاً إلى اقتراح قانون ظهر قبل أيام في الدولة العبرية، يعطي إعفاءات ضريبية للشباب الساعين الى شراء شقق سكنية، لكنه يعطي أفضلية لمن أدّوا الخدمة العسكرية أو ما يسمى "الخدمة المدنية"، التي تحاول الحكومة تدريجياً إلزام الشبان العرب بها كبديل عن الخدمة الاجبارية التي يؤديها اليهود.

وتستعيد المحامية فترة الانتفاضة الثانية عام 2000، مؤكدة بأنها كانت نقطة تحول، فـ"بعد تلك الأحداث، بدأ خطابنا حول مفهوم المواطنة يتغير، وقد تحدّينا السياسات الإسرائيلية، وخضنا معارك ضارية في المحاكم، وكانت الكثير منها تنتهي لصالح العرب، مستغلّين غياب قوانين تخدم تلك السياسات". وتذكّر أن هذا الأمر "دفع الكنيست الى تشريع الكثير من القوانين العنصرية التي لا تدع للمحاكم مجالاً للتصرف، وكان مفاجئاً لكثيرين أن قوانين تمييزية كثيرة مرت بسهولة وتم إقرارها".

وتوضح بكر، أن "المحكمة العليا مثلاً امتنعت عن التدخل في قانون النكبة الذي صادق عليه الكنيست في مارس/آذار 2011، على الرغم من أنه يمنع المواطنين العرب من التظاهر أو استخدام بعض المصطلحات، خصوصاً ممن يعملون في أجهزة مثل التربية والتعليم أو مؤسسات أخرى مرتبطة بالمؤسسة الرسمية الاسرائيلية".

ويعطي "قانون النكبة" أيضاً صلاحيات لوزير المالية بتقليص التمويل الحكومي أو الدعم للمؤسسة التي تقوم بنشاط يعارض تعريف دولة اسرائيل كـ"دولة يهودية وديمقراطية"، ويعاقب من يحيي يوم "استقلال" الدولة، حسب التعريف الإسرائيلي للنكبة، على أنه يوم حزن وحداد.

عنصرية في العمل وقيود في الجامعات

وتفصّل بكر، الحديث عن التضييق على حيّز الحريات في الجامعات عندما يتعلق الأمر بنشاطات وطنية للجامعيين العرب. فالجامعات الإسرائيلية، ومنها جامعة حيفا التي كانت تتغنى أمام الممولين بالتعايش بين العرب واليهود، وقعت تحت ضغط جهات يمينية ومتطرفة منها منظمة "إم ترتسو" الفاشية المناهضة لنشاطات الطلاب العرب، كما وقعت تحت ضغوط الممولين الذين يرون في تلك النشاطات المناهضة للسياسات الإسرائيلية، على أنها متطرفة".

إضعاف اقتصادي للَجم النضال

ويشرح مدير "الائتلاف لمناهضة العنصرية"، عضو "مركز مساواة الحقوقي" في حيفا، المحامي نضال عثمان، لـ"العربي الجديد"، الواقع من خلال العودة إلى أصل الحكاية، بما أن كل شيء يتعلق أساساً بالأرض ومن ثم بالاقتصاد، كما يقول.

ويلفت عثمان، إلى أن إسرائيل "نقلت ملكية الاراضي لهذه الجهات لكي تحمي نفسها أمام القانون الدولي الذي يرفض وجود قوانين مميزة، وهذا أيضاً لا يترك مجالاً أمام المهجّرين العرب لرفع قضايا ضد إسرائيل للمطالبة بأراضيهم، لأنها لم تعد مسجلة على اسم الدولة، وهو ما يوصلنا الى وضع آخر نعيشه اليوم، وهو أن الصندوق القومي لإسرائيل الذي يسيطر على مساحات كبيرة من الأراضي المصادرة، يمنع أصلاً بيع أراضٍ للعرب، ويحصر حق تملك هذه الأراضي في اليهود فقط.

وتطرق عثمان إلى "قانون لجان القبول" التي تحدد هوية الساكنين بالبلدات التعاونية والجماهيرية، واصفاً إياه بأنه "عنصري بشكل صارخ، كونه يتيح لمجموعة معيّنة، الحصول على أرض بملكية الدولة ويمنع آخرين، ويجسّد بشكل قانوني ممارسات سياسة كانت متبعة منذ قيام اسرائيل، ولكن أصبحت منذ عام 2011 محمية أمام المحاكم والرأي العام العالمي بتشريع من الكنيست، على حد تعبيره.

ويعتبر عثمان، أن القضية الاهم اليوم، بعد الاستيلاء على الأرض، هو إضعاف المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل اقتصادياً، وهذا ما تحرص عليه الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، ذلك أنّ تحسين الأوضاع الاقتصادية للعرب يعزز ويقوّي صمودهم وتطور أدوات نضالهم، في حين أن المؤسسة الإسرائيلية تحاول إلهاءهم بلقمة العيش".

محاولات تجنيد ومضايقات

تلاحق المؤسسة الإسرائيلية العرب، وعلى وجه الخصوص الشباب الفاعلين في نشاطات وأطر وطنية مختلفة وتستدعيهم الى تحقيقات. وأعلنت مؤسسات حقوقية عن تسجيل حالات عدة هذا العام، مؤكدين بأن الظاهرة ازدادت في السنوات الأخيرة.

ويؤكد عثمان، "وجود توجهات كثيرة من شبان عرب للمؤسسات الحقوقية الفاعلة في المجتمع العربي، مشتكين من ملاحقة أجهزة الشرطة الإسرائيلية والشاباك والتحقيق معهم والضغط عليهم، في محاولة ثنيّهم عن المشاركة في النشاطات والفعاليات الوطنية. وفي حالات أخرى تحاول الاجهزة الإسرائيلية تجنيدهم ليكونوا مصدر معلومات لها".

ويتوقف عثمان، عند خطورة "العودة القوية الى العمل الاستخباري بعد فترة من الخفوت النسبي لهذه الظاهرة على مدار سنوات، خصوصاً في ظل محاولات التسوية السياسية". ويكشف أنه تم التحقيق معه في السابق، بداعي تنظيم تظاهرة لمناهضة الحصار على غزة.

"عنصرية عادية"

بدوره، يعرب المسؤول السابق في "جمعية مكافحة العنصرية"، بكر عواودة، عن العنصرية المتصاعدة في الشارع الإسرائيلي في السنة الأخيرة والغطاء الرسمي الذي تحصل عليه، مشيراً إلى ضلوع المؤسسة الإسرائيلية في العنف المستشري في المجتمع العربي.

ويقول عواودة لـ"العربي الجديد": إنّه منذ عام 2000 وانطلاق الانتفاضة الثانية، يُلاحظ أن هناك تغذية رجعية من الشارع اليهودي بازدراء العرب وتحقيرهم من خلال مقالات وتفوهات عنصرية، وإقصاء من أماكن العمل وحتى استهداف مكانة اللغة العربية.

ويضيف أنه "عقب المواجهات في عام 2000، أصبح الشارع اليهودي يطلب ممارسة العنصرية ضد الفلسطينيين في الداخل، وعليه باتت القوانين العنصرية مقبولة وأصبحت شرعية جداً، حتى أن مصطلح "ترانسفير" الذي كانوا يخجلون به قبل نحو عقدين من الزمن، أصبح اليوم عادياً".

ويخلص عواودة، إلى أن "الوضع الاجتماعي يسوء يوماً بعد يوم في المجتمع العربي في الداخل، ومن مظاهر ذلك الاحباط تفشي البطالة والعنف المستشري، وهي أمور ناجمة في جزء كبير منها عن ممارسات المؤسسة الاسرائيلية ضد العرب والتضييق عليهم في مختلف نواحي الحياة، وعرقلتها، إضافة إلى توسيع مناطق نفوذ البلدات العبرية والمصادقة على الخرائط الهيكلية".

دلالات

المساهمون