47 عاماً و"آثار العدوان" تتمدّد

47 عاماً و"آثار العدوان" تتمدّد

05 يونيو 2014
غيّرت الحرب موازين العرب وسياساتهم (دافيد بويموفيتش/فرانس برس/getty)
+ الخط -

خلافاً لاسمها، وهو "إزالة آثار العدوان"، فإنّ حرب الخامس من يونيو/حزيران 1967، كرّست العدوان كله، ومنحته كل فلسطين، بما فيها أولى القبلتين وثالث الحرمين، وبقاع أخرى من الوطن العربي لا يزال قسم منها محتلاً (هضبة الجولان)، بينما استعادت مصر "أرضها المحتلة في سيناء"، في مقابل خروجها من دائرة الصراع كلياً ونهائياً.

خرجت إسرائيل من الحرب، وقد تمدّدت مساحتها وعلا شأنها، تكنولوجياً وعسكرياً وعلمياً، وبحث العرب في قاموسهم ومعاجم اللغة عن مصطلح يضيفونه إلى ذلك الذي سبق واعتمدوه ليخفف من وطأة هزيمتهم الأولى في فلسطين عام 1948. جاءت النكسة لتخفف من وطأة هزيمة ثلاث دول عربية أمام دولة "ناشئة"، لتعد ملايين العرب بأن كل ما حدث هو نكسة سنتعافى منها، ونخرج منها منتصرين، وسيهنأ "سمك البحر" في نهاية المطاف. لكن البحر امتد واتسع الى زوارق وبارجات إسرائيل تمخر عباب البحر، وقنواته العربية وبواباته من الخليج إلى المحيط.

مع كل ذلك، وجد زعماء العرب ما يقولونه في قمة الخرطوم في عام "النكسة"، فقرروا "أنّ إزاﻟﺔ آﺛﺎر اﻟﻌﺪوان ﻣﻦ اﻷراﺿﻲ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻫﻲ ﻣﺴﺆوﻟﻴﺔ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺪول اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ وتحتّم ﺗﻌﺒﺌﺔ اﻟﻄﺎﻗﺎت اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، ﻣﻊ إﻳﻤﺎﻧﻬﻢ اﻟﺘﺎم ﺑﺄن ﻫﺬه اﻟﻄﺎﻗﺎت ﻛﻔﻴﻠﺔ ﺑﺈزاﻟﺔ آﺛﺎر اﻟﻌﺪوان، وﺑﺄن اﻟﻨﻜﺴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺮﺿﺖ ﻟﻬﺎ اﻟﺸﻌﻮب اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻳﺠﺐ أن ﺗﻜﻮن ﺣﺎﻓﺰاً ﻗﻮﻳﺎً ﻟﻮﺣﺪة اﻟﺼﻒ ودﻋﻢ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﻌﺮﺑﻲ المشترك" (قرارات مؤتمر قمة الخرطوم في 1\9\67 من "الوثائق العربية لعام 1967، إصدار مؤسسة الدراسات الفلسطينية ــ بيروت 1969).

واعترف العرب هذه المرة، وخلافاً للنكبة، بضرورة "أن نضع في حسابنا نقطتين أساسيتين عندما نتعرض لموضوع العمل السياسي لإزالة آثار العدوان، وهما الإعداد العسكري، والصمود الاقتصادي. ولا شك أن القرار الذي اتخذ في الجلسة السابقة، والخاص بالدعم الاقتصادي، سيساعدنا كثيراً على الصمود"، وفق العبارات التي قالها الرئيس جمال عبد الناصر، في المؤتمر المذكور.

لكن حرب الخامس من يونيو، وبالتسمية الإسرائيلية التي لم تخلُ من دلالات النشوة بالانتصار "حرب الأيام الستة"، غيّرت كل موازين العرب وسياساتهم. لم يعد التحرير الكامل هدفاً، وصار مجرد شعار وأداة في الحروب العربية الداخلية على الهيمنة في الساحة العربية، خصوصاً بعدما كسرت نتائج حرب تشرين بعد ست سنوات، "الحاجز النفسي"، كما سماه أنور السادات، لتخرج مصر من دائرة الصراع، وتقفل الباب كلياً أمام المؤتمر الدولي في جنيف، وأمام وحدة الموقف العربي ووحدة الهدف العربي.

إسرائيلياً، كرّست الحرب مكان ومكانة دولة الاحتلال في المنظومة الأميركية، وفي المعسكر الغربي ككل، كطرف يُعتدّ به، ويُركن إليه في الحرب الباردة، وكبوابة أخرى من بوابات مواجهة الزحف السوفياتي. وانهالت الاستثمارات المالية والدعم الدولي (الغربي) على إسرائيل، بينما تصرفت تل أبيب داخلياً بنشوة مَن لم يصدق قدرته، لدرجة الغرور، وهو ما جعلها تقع ضحية هذا الخطأ في أول مواجهة ميدانية في "معركة الكرامة"، إلى أن فاجأها العرب في "يوم الغفران".

استغلت إسرائيل سيطرتها وانتصارها في حرب الـ1967، التي لم تغير "حرب تشرين" التحريرية نتائجها على الأرض، لمطالبة العالم العربي بالاعتراف بها من دون أن تحدد ما الثمن الذي تقبل دفعه في مقابل هذا الاعتراف، بعدما أقرت قانون ضم القدس و"توحيد شطري المدينة" في مدينة واحدة "عاصمة أبدية" لإسرائيل.

وعلى الرغم من "اجتهاد" رجال المؤسسة العسكرية في إسرائيل في طرح "حلول" وتصورات إسرائيلية للحل المرتقب ولمصير الأراضي المحتلة، بدءاً من خطة يغئال ألون، وخطط موشيه ديان، وأبا إيبن، إلا أنها راهنت، ولغاية الانتفاضة الأولى عام 1987، وفك الارتباط بين الأردن والضفة الغربية، على "الحل الأردني" والتقاسم الوظيفي مع الأردن، وهي مراهنة وضع لها حداً الملك الأدرني الراحل بعد فك الارتباط، وإفشال شمير، لاتفاق بيريز ــ الملك حسين في لندن.

وظلّت تداعيات "النكسة" تتفاعل مع إطلاق إسرائيل، منذ أوساط سبعينات القرن الماضي، مشروع الاستيطان داخل الضفة الغربية، وليس في القدس ومحيطها فحسب، ليرتفع عدد مستوطنيها في الأراضي المحتلة من 150 ألف مستوطن عند اتفاق أوسلو عام 1993، إلى أكثر من 500 ألف مستوطن اليوم، من دون احتساب المستوطنين في القدس.

ومع أن إسرائيل خاضت، بعد حرب يونيو 1967، ثلاث حروب على الأقل ضد دول الجوار العربي، وهي "حرب تشرين" في 1973، والحربان الأولى الثانية على لبنان، وحرب "الرصاص المصبوب"، إلا أنّ هذه الحروب كلها كانت ولا تزال نتيجة غير مباشرة لنتائج "النكسة"؛ وكانت "حرب الغفران" محاولة عربية للانتقام لهزيمة الدول العربية أمام إسرائيل. والحرب الأولى على لبنان، وغزو لبنان جاءا لطرد المقاومة الفلسطينية من لبنان. أما العدوان الثاني على لبنان وحرب يوليو/تموز 2006، كانت نتيجة متأخرة لغزو لبنان عام 1982، وظهور المقاومة اللبنانية، بعد خروج منظمة التحرير، وبقاء الاحتلال في الشريط الجنوبي المحتل، ورفض إسرائيل للمبادرة العربية في بيروت عام 2002.

حرب 1967، هي التي حددت بنتائجها على الأرض، مسيرة المنطقة ومسيرة الصراع، وإن كان بعض العرب قد انتقلوا من السعي إلى "إزالة آثار العدوان"، إلى طلب ودّ دولة هذا العدوان.

المساهمون