3 سيناريوهات لتراجع "داعش" في العراق

23 أكتوبر 2015
تستعدّ الحكومة والمليشيات لمهاجمة الحويجة والشرقاط (إدريس أوكودوشو/الأناضول)
+ الخط -
يثير التراجع الأخير لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في مناطق عدة من شمال العراق وغربه، واستعادة القوات العراقية مناطق واسعة بمساندة المليشيات ومقاتلي العشائر، تساؤلات كثيرة داخل الشارع العراقي وخارجه، حول سبب ارتخاء قبضة التنظيم في المدن التي يسيطر عليها، مع طرح إمكانية عودة الأوضاع إلى البلاد، إلى ما كانت عليه قبل يونيو/ حزيران 2014، تاريخ بدء توسّع "داعش" في العراق وسورية.

وتمكّنت قوات عراقية مشتركة من استعادة مناطق بيجي والصينية ومناطق جنوب وشمال تكريت، بالإضافة إلى أجزاء واسعة من مدينة الرمادي. ويأتي هذا في وقتٍ علمت فيه "العربي الجديد" من مصادر عسكرية عراقية رفيعة، أن "قوات برية قوامها نحو 20 ألف عسكري، تخطط لمهاجمة مدينتي الحويجة والشرقاط بمحافظتي كركوك ونينوى، بالطريقة عينها التي تمّت فيها مهاجمة التنظيم في بيجي والصينية والرمادي".

في حين تؤكد مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، أن "مقاتلي التنظيم انسحبوا من مواقع عدة من دون قتال، وأن دبابات الجيش ومليشيات الحشد دخلت بسرعة 40 كيلومتراً بالساعة، من دون أن يتم اعتراضها. وهو ما زاد اللبس الحاصل حالياً بالشارع العراقي، الذي بات رهينة للإعلام المحلي المضطرب بين ولاءات حزبية وطائفية ومناطقية وحتى عشائرية".

ولوحظ أن التنظيم لم يتقدّم عسكرياً بعد خمسة أشهر من سيطرته على الرمادي، عاصمة الأنبار، لسبب يعزوه مراقبون إلى نجاح الخطة الأميركية التي أُعلن عن بعض تفاصيلها، ومنها إشغاله بالأنبار ومنعه من التفكير في مهاجمة بغداد أو سامّراء. كما لوحظ أن سيناريو تكريت تكرّر مرة أخرى، من خلال خسارة التنظيم مناطق بيجي والصينية بمحافظة صلاح الدين، واستعادة العشائر والجيش أجزاء غير قليلة من الرمادي.

اقرأ أيضاً: اتفاق عراقي–أميركي: تكثيف ضربات التحالف مقابل منع التدخل الروسي

ووفقاً لسيناريو الحكومة والمليشيات، فإن التقدّم الأخير لها على حساب التنظيم، يأتي بسبب ما تُسمّيه "استبسال الجيش والمليشيات والعشائر وإصرارهم على تحرير أراضيهم، فضلاً عن الخطط العسكرية والغطاء الجوي". إلا أن هذا السيناريو الذي تصرّ الحكومة والمليشيات على تسويقه، لم يبدُ مقنعاً للشارع العراقي، الذي اعتاد على مشاهد فرار الجنود ومليشيات الحشد من ساحات المعركة، أو التخلّي عن أسلحتهم وقواعدهم لصالح "داعش"، كغنائم تستخدمها لتنفيذ عملياتها الإرهابية في كل مكان بالعراق بواسطتها.

وقد أصدرت رئاسة الوزراء وقيادة العمليات المشتركة ومليشيات الحشد الشعبي بيانات متتالية، عقب الإعلان عن تحرير بيجي ومصفاتها النفطية وبلدة الصينية المجاورة، أعادت فيه الانتصارات المُحققة إلى "بسالة الجيش ومليشيات الحشد التي تحطّمت عليها أحلام داعش".

وهو ما دفع السفارة الأميركية للردّ على تلك البيانات، التي أغفلت دور الأميركيين بشكل يُمكن فهمه بأنه متعمّد من الخلية الإعلامية، التي تتولّى إصدار البيانات العسكرية للقوات المشتركة، الممسوكة من عناصر في مليشيات "الحشد الشعبي"، تلقّت بدورها دورات في طهران أخيراً حول الحرب النفسية والإعلام الحربي، وفقا لما أعلنته تلك المليشيات في وقت سابق.

وتُفيد السفارة الأميركية في بغداد، بأن "قواتها نفذت أكثر من 130 ضربة جوية وأكثر من 2500 ساعة من الطلعات الجوية الخاصة بالاستطلاع والمراقبة، دعماً للعمليات العسكرية في بيجي وحولها". ويؤكد الأميركيون بأنهم "دمّروا عجلات مفخخة وأبنية يسيطر عليها داعش ومخابئ ومخازن أسلحة وعجلات ومعدات ومواقع قتالية ومناطق تجمّع وانطلاق داعش". ويضيف البيان أن "تقديم التحالف لكل من التدريب على الاختراق والمعدات، كان أمراً حاسماً للعمليات التي تقوم بها القوات الأمنية العراقية في بيجي".

ويرى البعض أن التحرير، أو استعادة السيطرة على تلك المدن، تمّ بإرادة أميركية، وبناءً على اتفاقٍ بين واشنطن وبغداد، لمنع التدخّل الروسي الجوي بالعراق، في مقابل زيادة الزخم والمساعدة على تحرير المدن. وحول ذلك يؤكد عميد ركن بالجيش العراقي ضمن الفرقة العاشرة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المقاتلات الأميركية استخدمت قنابل ارتجاجية من زنة نصف طن، وصواريخ فراغية تمكنت من تدمير حقول الألغام والأجسام المتفجرة حول بيجي والصينية، ما مكّن المليشيات والجيش من التقدم من دون أي خطر". ويضيف أن "الأميركيين استخدموا القنابل الصوتية بين الأحياء والأزقّة الضيّقة، ويمكن القول إن كل شيء كان جاهزاً، وقسم كبير من مقاتلي داعش انسحبوا بإرادتهم، عندما أدركوا أن بقاءهم لا يجدي نفعاً". ويتابع العميد العراقي قائلاً إن "الأميركيين حرروا المدينة بنسبة 80 في المائة، إن لم يكن أكثر، وهو أمر معروف، وإلا لكنا حتى الآن نراوح مكاننا خلف حقول الألغام التي زرعها داعش حول بيجي وبلدات مجاورة".

وحول ذلك، يكشف مسؤول عراقي بارز بالحكومة لـ"العربي الجديد"، بأن "اتفاقاً حصل بين واشنطن وبغداد، يقضي بإبعاد الروس عن العراق مقابل زيادة واشنطن دعمها له". ويلفت المسؤول إلى أن "الأميركيين ساهموا بتحرير بيجي وما حولها، كعربون ثقة أو مبادرة حسن نية للاتفاق، وهو ما يُفسّر سبب حصول 130 ضربة جوية أميركية على مدينة صغيرة مثل بيجي، في ثلاثة أيام فقط".

ويبيّن أنّ "العبادي تعّهد بعدم تقديم أي طلب لتدخل روسي جوي أو إيراني، مقابل تكثيف ضربات التحالف الدولي في العراق، وتحقيق نتائج ملموسة، يُمكن أن يقنع بها الجناح المتطرف بالتحالف الوطني الذي يضغط على (رئيس الحكومة حيدر) العبادي لطلب تدخل روسي وإيراني". وما يؤكد ذلك، إعلان واشنطن، يوم الأربعاء، عن إرسالها 12 طائرة هجومية إلى قاعدة أنجرليك التركية، لتعزيز حملتها العسكريّة ضد "داعش" في العراق وسورية.

وتبرز نظرية أخرى في موضوع تحرير تلك المناطق العراقية، تُفيد بـ"تعذّر قدرة داعش على إرسال إمدادات بشرية من مقاتلين وأسلحة لقواته بالعراق من سورية، بسبب التطورات الحاصلة هناك والتدخل الروسي". إلا أن هذا السيناريو لا يبدو مطابقاً للواقع، فانسحاب المسلّحين وعجز الحكومة والمليشيات عن إظهار جثث عناصر التنظيم عند دخولهم بيجي، يثبت ذلك.

اقرأ أيضاً: بنك معلومات جوّي من روسيا إلى العراق