٣٠ يوما بلا سكّر .. تجربة أسرة

٣٠ يوما بلا سكّر .. تجربة أسرة

22 مارس 2014
+ الخط -
السكريات قنبلة نووية داخل جسمك
 زجاجة المياه الغازية تحتوي 9 ملاعق من السكر

هل من السهل استبعاد السكر من نظامنا الغذائي من أجل صحة افضل؟

المعلومات فيضان يغرق ويربك الأم العادية التي تهتم بصحة أبنائها، وربما يصعب عليها أن ترسم طريقاً قويماً للتعامل مع السكريات واضافتها إلى الطعام، هذا ما دفع محررة في صحيفة الجارديان البريطانية إلى أن تخوض تجربة، ومعها أسرتها كلها، للعيش بدون سكر على مدى شهر كامل لترى هل تتحسن صحتهم؟ وما حجم السكر الخفي في ما تقدمه لأطفالها من طعام؟ والى أي مدى يتحملون الحياة بدون سكر؟!

تحكي لويز كاربنتر تجربتها مع الحياة بلا سكر فتقول: "بصفتي أماً لأربعة أطفال لست متأكدة مما يفترض أن يكون شعوري تجاه السكر. إذا ما صدَقت اللوبي الصحي المضاد للسكر فعليّ اعتباره تبغ العصر الحديث. فالسكر لا الدهون هو المسؤول عن تزايد معدلات السمنة".

صحيح أن السكر ليس مدمناً مثل التبغ، كما يشرح البروفسور جراهام ماكجريجور رئيس الحملة ضد السكر "لكنه يسبب أذى أكبر بطرق أخرى، فهو مصدر سعرات حرارية زائدة وسبب رئيسي في السمنة وأمراضها، ومضاعفات مثل السكري وغيره من الأمراض التي قد تؤدي إلى الوفاة.

ربما اصبح من المعروف الآن أن السكر الذي نتناوله في طعامنا وشرابنا يحوله الجسم إلى دهون يخزنها. لكن الجديد هو ما يكتشف من معلومات حول السكر المخبوء في ما نتناوله بنحو غير مباشر، ليس فقط في المشروبات الغازية والكعك والفطائر، بل وفي الصلصات وحبوب الفطور وعمائر الفاكهة وفي الفواكه نفسها.. حتى أن المسؤولة الأولى عن الصحة في بريطانيا سالي ديفيز قالت "قد يكون علينا أن نفرض ضريبة على السكر للحد من كميات السكر التي يستخدمها المصنعون في منتجاتهم الغذائية".

الأسبوع الأول

الشعور العام في أول أيامنا بلا سكر هو نوع من الاضطراب والارتباك.

قرأت كثيراً من كتاب مايكل موس الذي كان ضمن قائمة أعلى المبيعات "ملح، سكر، دهون"، و"كيف تقلع عن السكر"، وحتى مختلف مواقع الإنترنت ذات الصلة.. كما شاهدت محاضرة مسجلة للدكتور روبرت لوستيج بعنوان: السكرالحقيقة المرة، على اليوتيوب.

وهذا ما تخلصنا منه كبداية: زبادي الفواكه، وصلصة الطماطم، وصلصة المعكرونة بالطماطم، والبيتزا، والمربى، والعسل، وباختصار كل ما كان الأطفال يحبون طعمه!

ما احترت بشأنه بصراحة هي الفاكهة ومفهوم الاعتدال فيها.. فالفواكه غنية بسكر الفركتوز. فإذا كان الفركتوز، كما يقول لوستيج، سمّاً قاتلاً فماذا يعني الاعتدال؟ المشروبات والعصائر بحسب بعض الابحاث تحتوي على كميات كبيرة من السكريات، فمثلا زجاجة الكولا تحتوي على  ٣٥ غراما من السكريات - اي نحو ٩ ملاعق سكر في كل زجاجة. وماذا عن الفاكهة؟ هل ألغي بند الفاكهة في حقيبة الطعام المدرسية لأطفالي؟ إنهم يأخذون حبتي فاكهة يومياً، لكن موزة واحدة تحتوي على ٧ ملاعق سكر، والبطيخ ١٢ ملعقة، والعنب ملعقة ونصف الملعقة - وهذه هي الأصناف المفضلة لديهم.

العصائر، لاسيما تلك المطروحة في الأسواق، هي الأسوأ إذا ما قارنّاها بالفاكهة نفسها التي تحتوي على الألياف إلى جانب السكريات.

هنا اتخذت قراري بأن تبقى الفاكهة في حقيبة المدرسة - ماعدا الموز- أما بالنسبة إليّ فلا  حاجة لي بالفاكهة. استبدلت الموز بالكيوي للأطفال وفاكهة أخرى منخفضة الفركتوز مثل الفراولة والتوت.. إلى جانب خضروات طازجة مثل الفلفل، كما أبقيت على الخبز البني والمعكرونة البنية. فالأطفال أصغر من أجرب فيهم ما أفعله مع نفسي.

هنالك بعض التذمر حول حبوب الفطور "الكورن فليكس" (٢٠ جراما من السكر- أي ٥ ملاعق- لكل ١٠٠ جرام منها)، سألني ابني ذو الثماني سنوات "لماذا يكتبون على العلبة أنها صحية إذن؟" ولكن عندما أقدمت على إخفاء بسكويت الشوكولاتة الذي كانوا يحصلون على قطعتين منه يومياً (في كل واحدة ملعقة سكر كاملة) واجهت تمرداً كاد يفسد الخطة.

أما عن نفسي، فقد كان التغيير جذرياً في نظامي الغذائي إذ كان علي أن أتخلى عن كل الكربوهيدرات التي أتناولها والتي تتحول إلى سكريات في النهاية.

مع اليوم الثاني صرت بلا طاقة تقريباً. كان علي أن آوي إلى الفراش في الثامنة والنصف بعد الأطفال مباشرة. أما رياضة الجري التي بدأت المواظبة عليها منذ بضعة اشهر، والتي كانت تجعلني في حالة من الصفاء الذهني وفقدان الوزن السريع، فلم أعد قادرة على ممارستها. أشعرني هذا بالغضب والإحباط.

وجدت نفسي أعيش غالباً على البيض المسلوق، اللوز، رقائق جوز الهند، والبروتين بمختلف صوره، والافوكادو.

الفطور كان مشكلتي الأساسية. فرقائق وحبوب الجرانولا الصحية باهظة الثمن. وكذا باقي الأغذية الصحية التي لا يقدر على تكلفتها ربما إلا نجوم هوليوود، كما أن تجهيز كوكتيل صحي من بذور الشيا والافوكادو واللوز من دون مربية ومع وجود أطفال أمر غير ممكن عملياً

لذا كانت هذه هي الصورة التي تركها الأسبوع الأول:

عازمة على عمل الكوكتيل الصحي ولكن ليس لدي الماكينة اللازمة لذلك، أتبع وصفة فألقي بالفراولة المجمدة (منخفضة السكر) إلى الخلاط ومعها بذور الشيا وماء جوز الهند واللفت.. فتفور كلها وتنسكب على الأرض.. يهرع كلبي ليتشممها قبل أن يبتعد وقد بدا عليه الاشمئزاز! وطفلي الأصغر يخبط المائدة بالملعقة ويغني (ممنوع السكر ممنوع ممنوع..) وأنا اشعر بألم شديد في البطن اتضح في ما بعد انه بسبب الإمساك.

ولكن مع نهاية اليوم السابع كان الجميع يتناولون زبادي كامل الدسم محلّى بالتوت والفراولة قليلة السكريات وفوقه البندق واللوز عالية البروتين.

الأسبوع الثاني

ألم البطن يتحسن، ابتكرت للعشاء طبقاً من السلمون المدخن أو الدجاج بالبهار مع "صوص" الليمون أو الأعشاب. زوجي بدأ يتضور جوعاً حتى انه تناول وجبتي غداء ساخنتين في العمل في يوم واحد.

هيئة الصحة القومية توصي بأن نلتزم بحد أقصى من السكّر مقداره ١٠ ملاعق يومياً، وهو ما يساوي ٤٠ جراماً، لكن بعض الأبحاث تقول إن الأفضل ٦ ملاعق فقط للنساء و ٨ للرجال. أما منظمة الصحة العالمية فتوصي بـ ٦ ملاعق فقط للبالغين عموماً، أي ٢٥ جراماً.

في السوبر ماركت أشعر بأني حزينة.. أرمق علب الطعام وأقرأ جيداً لأتبين ما تحويه من كربوهيدرات (وهناك تطبيق خاص في الهواتف الذكية الآن تستطيع من خلاله مسح العلامات على علب الطعام لنحسب الدهون الكلية والدهون المشبعة والسكر والملح - بل وتقدم اقتراحات ببدائل صحية أكثر)!

على أي حال، تقدر هيئة الصحة القومية الطعام مرتفع السكر بأنه الذي يحتوي على أكثر من ٢٢.٥ جراماً من السكريات الكاملة لكل ١٠٠ جرام، أما الطعام منخفض السكر فهو ذلك الذي يحتوي على ٥ جرامات فقط او اقل لكل ١٠٠ جرام. وهناك العديد من الأطعمة التي تبدو بريئة تماماً لكنها من الأطعمة التي تندرج تحت قائمة مرتفعة السكر.

عليّ أن ألتزم بمعدل ملعقة واحدة في اليوم، وأدرك الآن أن معظم السكريات في وجباتي اليومية كان مصدرها غالباً الخبز والأرز.

التقدم في هذا الأسبوع تأثر كثيراً بزيارة قمت بها للدكتور جون بريفا مؤلف كتاب "الهروب من فخ الريجيم" والذي شرح لي سر شعوري بانعدام الطاقة بأنها محاولة جسمي التأقلم مع معدل عملية الأيض الجديد بحيث يحول نظامه من الحصول على الطاقة من الكربوهيدرات إلى الحصول عليها من الدهون والبروتينات. وطمأنني إلى أنني سرعان ما سأشعر بتحسن.

أما نصيحته لي فقد كانت: "تناولي الدهون للتعويض. لقد كان تركيزنا تاريخياً على الدهون لكن اتضح أن الدهون ليست مسؤولة بالدرجة الأولى عن السمنة! بل يلعب الإنسولين دوراً كبيراً في تخزين الدهون وكلما زاد معدل إفراز الإنسولين أصبحت الدهون أكثرمقاومة له". وهكذا فالقاعدة هي: إذا تناولت المزيد من السكر فسيزداد وزنك أكثر.

شعوري بالحاجة إلى إجابات واضحة بدا مزعجاً لبريفا. أردته أن يخبرني ماذا علي أن أطعم الصغار بالتحديد.

"إذا ما كنت تعنين بالصغار الذين يتمتعون بوزن طبيعي بالنسبة لأعمارهم وليست لديهم مشكلة سمنة ولا تاريخ عائلي مع مرض السكر، فلا مشكلة كبيرة في تناولهم الفاكهة.. أما إذا جئتني بطفل يعاني السمنة فعليك حينئذ أن تتخلي عن الفاكهة في حقيبة المدرسة.

لكن لا يمكنني أبداً أن أقول لك أن البسكويت صحي بين الوجبات، كما انه بلا قيمة غذائية على الإطلاق.

في يوم عيد الأم يهدي إلي ابني الصغير قالب حلوى مخبوءة ومغطاة بالسكر الملوّن فأتناولها على الفور!

الأسبوع الثالث

أخبرني شخصان أنني أبدو مشرقة ومنتعشة، أنتبه إلى أنني لم أكن مشرقة ومنتعشة منذ سنوات. أستيقظ من النوم منتعشة.. هذا ما تمنيته طوال عشر سنوات مضت. بريفا تنبأ بهذا: لقد استقر معدّل السكر في الدم.

يبدو أن الأطفال نسوا أمر حبوب الفطور وعصير الفاكهة. وقد صرنا نخبز البيتزا بالعجينة البنية كل نهاية أسبوع.

استسلمنا في النهاية لفطور مكوّن من البيض المسلوق والزبادي والخبز البني.

لكني قررت أن اسمح للصغار بالبسكويت باعتدال شديد. فلا أحب فكرة أن يشعر الأطفال بالحرمان المتعلق بالطعام.

أقاوم رغبة في الوقوف على الميزان وأذكّر نفسي أن هذا ليس "ريجيم" بغرض فقد الوزن! وأسترجع مقولة بريفا أن "السكر هو قنبلة نووية تنفجر في جسمك كله".

المعادلة السحرية هي أن تملأ جسمك بالدهون الجيدة والبروتينات وتجعل مستوى السكر في الدم مستقراً. لذا استمر في تناول الطعام ذي الدهون الجيدة مثل البندق واللوز والافوكادو وقليل من الجبن.

أشعر بأنني أكثر ارتياحاً الآن، لكن نهاية هذا الأسبوع شهدت جريمة إذ تهورت ذات عشاء وتناولت عصير فاكهة مع البطاطس. لقد انتهى بي الأمر إلى حالة الشعور بالغثيان والقيء. اشعر وكأنني أصبت بالتسمم

الأسبوع الرابع

اتفقنا أنا والصغار على التقاط صور لنا في البيت مع كل الطعام والمشروبات التي أقلعنا عنها. وضعنا أكواماً منها على الطاولة، فانقضّ أبنائي على السكريات كلها من البسكويت للحلوى واحتضنوها إلى صدورهم وهم يتصايحون مطالبين بالعصير والشوكولاته وحلوى "الجيلو".. تلك الاشياء التي افترضت أنهم نسوا أمرها تماماً!

أجدهم خارج السيطرة وهذا يزعجني. هذا ما يحدث عندما نمنع الطعام. أخرج من مأزق فكرة التفسير النفسي للطعام الممنوع بإقناعهم بأنني سأغيّر السياسة الغذائية إلى الاتجاه المضاد الأسبوع المقبل

مع نهاية الأسبوع، أشعر بارتياح كمذنب ينتظر على بوابات السجن يوم الخروج. مع اليوم الواحد والثلاثين، استيقظت لأجد البنات يقدمن لي كعكة الشوكولاته وقد صنعنها سراً للاحتفال بانتهاء شهر المرارة! آكل إحداها لأن ابنتي الكبرى تلح علي. أخرج إلى الصالة فأجد علبة من الشوكولاتة البلجيكية. أتذوق إحداها. وكانت المفاجأة أنها لم تعد تعجبني!

بعد حوالى أسبوعين من الشهر الذي أمضيته بدون سكر، واصلت النظام الغذائي كما هو دون أن أعود إلى سابق عهدي. كنت أظنني قد تحررت. لكن يبدو أن جسمي قد تدرب جيداً. الآن أجد الخبز ثقيلاً جداً. ولا أرغب في الأرز أو الشوكولاته أو الباستا. البروتينات تشبعني تماماً. لم أعد أشتري العصير أو الكوكتيلات زو الزبادي ذا السكر، أو الحلوى للأطفال. وأواصل وضع الفاكهة الطازجة واللوز والبندق في حقيبة المدرسة، ليس لأنني سأتحول إلى ناشطة ضد السكر، بل لم أعد أستطيع أن أسمح لهم بعلبة كولا مثلا..

ومع هذا حافظ الأولاد على حقهم في شراء بسكويت الشكولاته في المدرسة إلى جانب حلوى خاصة يوم السبت أو بيتزا أو "فشار". لكن المسألة صارت في أضيق الحدود وأصبحت أراقب الجرعة اليومية من السكر لكي لا تزيد عن الحد.

 

المساهمون