وضع مأساوي للمهاجرين الجزائريين... ولا مبالاة حكومية

27 ابريل 2015
عشرات الجزائريين يموتون في البحر سنوياً (فرانس برس)
+ الخط -

يواجه الشباب الجزائريون الذين يهاجرون بطرق غير شرعية، خطرَين كبيرين، الموت في البحر، أو التعرض للاعتقال في دول أوروبية يصلون إليها.

ولفت تقرير أصدرته "الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان" إلى وضع وظروف الشباب من المهاجرين الجزائريين المحتجزين في سجون عدد من الدول الأوروبية بسبب الهجرة غير الشرعية، وانتقدت رفض السلطات الجزائرية التعامل مع ملف جثث المهاجرين التي تقبع في مصالح حفظ الجثث في عدد من المستشفيات الأوروبية.

وطالبت "الرابطة" السلطات الجزائرية بالتحرك ورفع العراقيل البيروقراطية، من أجل مساعدة الشباب الجزائريين المحتجزين في سجون فرنسا وإسبانيا وبلجيكا وإيطاليا واليونان وغيرها، بعد اعتقالهم بسبب محاولتهم الهجرة السرية إلى هذه البلدان. ولفت تقرير الرابطة إلى مشكلة جثث المهاجرين السريين الجزائريين العالقة في هذه الدول، مطالبة الحكومة بالعمل على نقل الجثث المتحللة للجزائريين في مصالح حفظ الجثث، مذكرة أن عدداً من رجال أعمال جزائريين، وجمعيات خيرية، كانوا قد أعربوا عن رغبتهم في تقديم المساعدة، إلا أنهم في الوقت نفسه أكدوا صعوبة حصولهم على الترخيص من أجل القيام بذلك.

وأكد التقرير "أنه يتم كل سنة تسجيل وفاة العشرات من المهاجرين غير الشرعيين من جنسية جزائرية في عرض البحر، ففي مدة تقل عن السنة، استقبلت الرابطة أكثر من 180 عائلة بصدد البحث عن أبنائها، منهم مفقودون منذ العام 2008". وكشف أن "العشرات من جثث الجزائريين متواجدة في مصالح حفظ الجثث الإسبانية، في ألميريا، واليكانت، وعدة مدن أخرى في إيطاليا. ففي مدينة ألميريا الإسبانية، تقبع بعض الجثث لمدة تزيد على ستة أشهر وأخرى على السنة، وهي في حالة متقدمة من التحلل. هذه المعطيات لم تلاقِ أي موقف من قبل السلطات الجزائرية، فيما باتت هذه الظاهرة تشكّل مصدر قلق للمسؤولين في الاتحاد الأوروبي المكلفين بهذا الملف".

ولا تشكّل الصور التي تداولتها وسائل الإعلام، سوى نسبة ضئيلة من واقع الهجرة غير الشرعية، فعدد كبير من المهاجرين السريين الذين تمكّنوا من الوصول إلى أوروبا، يتواجدون حالياً في السجون لفترات غير محددة، فبعض الدول تعتمد السجن كحل لهذه المشكلة، فيما تفرض دول أخرى غرامات مالية على تواجد مهاجرين غير شرعيين على ترابها، ويصل الأمر إلى فرض إجراءات عقابية على كل من يقدّم يد المساعدة إلى أولئك المهاجرين السريين، بحسب التقرير، الذي لفت إلى أن "الاتحاد الأوروبي مخطئ في توجّهاته؛ لأن أغلب الأموال صُرفت في تعزيز الإجراءات الأمنية بدل توجيهها إلى أولئك الشباب العاطلين عن العمل".

وعلى الرغم من سياسة الردع والعقاب التي تنتهجها الجزائر ضد الشباب الذين يحاولون الهجرة بشكل سري، إلا أن الرابطة الحقوقية تعتقد أن هذه السياسة باتت غير مجدية، إذ يعاقب القانون الجزائري كل شخص يحاول مغادرة التراب الوطني بطريقة غير شرعية بالسجن من شهرين إلى ستة أشهر وفرض غرامة مالية، ولم تؤدِ هذه العقوبات إلى أي نتائج إيجابية للتقليل من هذه الظاهرة.

اقرأ أيضاً: أوروبا تعدّل "نظام اللجوء" وتؤجّل الحسم

وسجل تقرير "الرابطة" الحقوقية أن المهاجرين السريين، أو ما يُعرف في الجزائر بـ "الحراقة"، لا يتراجعون عن قرارهم ولو على حساب فقدان حياتهم، فحتى الموت لا يثنيهم عن محاولة الوصول إلى الضفة الأخرى، وهو الثمن الذي يدفعونه مقابل الحلم بحياة أفضل في الجهة المقابلة، ما يدفعهم إلى التحدي ومواجهة الأمواج المتلاطمة في قوارب الموت.

ولفت التقرير إلى أن كل سياسة ردعية في هذا المجال لا تحمل أي طابع إنساني وتضر بجماعات من الأشخاص، بحاجة إلى حلول ملموسة وبرامج تنموية يفتقدون إليها يومياً في بلدانهم. فغياب آفاق مستقبلية، وعدم الاستقرار، إضافة إلى البطالة والفقر، كلها عوامل تدفع فئات كثيرة إلى محاولة الهجرة، كما أن التشدد في منح التأشيرات إلى البلدان الأوروبية يقمع آمالهم في الوصول إلى أوروبا بطريقة شرعية، والشروط الخطيرة التي يتوجّه فيها هؤلاء المهاجرون إلى قطع البحر المتوسط لن تشهد تحسناً، إلا إذا تم اتخاذ إجراءات عاجلة.

وفي هذا السياق، قال المكلف بالملفات الخاصة في "الرابطة" الحقوقية الجزائرية هواري قدور، إن الهيئة الحقوقية "تابعت باهتمام قضية احتجاز 14 شاباً جزائرياً من السلطات المالطية في مراكز الاعتقال، على الرغم من أن هؤلاء الرعايا وصلوا صبيحة 23 أبريل/نيسان الحالي إلى مالطا في رحلة سياحية، باعتبار أنهم دخلوا البلاد بصفة قانونية، قاموا بشراء التذكرة واقتناء التأشيرة بطريقة قانونية، لكن لدى وصولهم إلى المطار تم اعتقالهم من دون سابق إنذار، وجرى وضعهم في السجن".

ولفت إلى أنه "بسبب المعاملة بطريقة تعسفية، شرع الرعايا الجزائريون المعتقلون في مالطا، في إضراب مفتوح عن الطعام منذ الجمعة الماضي، وناشدوا السلطات الجزائرية التدخل العاجل، باعتبار أنهم دخلوا البلاد بصفة قانونية".

وكشف هواري قدور أن البلدان الأوروبية تقوم بالترحيل القسري لأكثر من خمسة آلاف جزائري سنوياً إلى الجزائر لأسباب مختلفة، مذكّراً دول الاتحاد الأوروبي بأهمية احترام حرية التنقل التي تتعلق أساساً باحترام الأعراف والاتفاقيات الدولية التي تنصّ على حرية التنقل.

واتهمت "الرابطة" الجزائرية، الاتحاد الأوروبي بتحويل البحر المتوسط إلى "مقبرة كبيرة"، معتبرة أن دعم الاتحاد للأنظمة الفاسدة واستنزاف ثروات القارة الأفريقية ودول الجنوب، هو السبب الكامن وراء الدفع بالآلاف من المهاجرين إلى قوارب الموت في المتوسط. ورأت أن ظاهرة الهجرة غير الشرعية عبر البحر المتوسط، لن تجد أي حل جذري من دون فتح أبواب الحوار بالشراكة الاقتصادية العادلة بين دول الضفتين "شمال جنوب"، والتي تستدعي أيضاً اتخاذ خطوة جادة وقرار حاسم من أجل محاربة الأسباب الحقيقية التي تقود إلى الهجرة غير الشرعية، وعدم التركيز فقط على الجانب الأمني والردعي فحسب.

وخلصت "الرابطة" في تقريرها إلى مطالبة دول ضفتي البحر المتوسط والسياسيين من الجانبين، لمعالجة ظاهرة الهجرة غير الشرعية، داعية الاتحاد الأوروبي والحكومة الجزائرية لاعتماد استراتيجية واضحة المعالم، حتى لا يكون الأشخاص الذين يحاولون التنقل عرضة لانتهاكات حقوق الإنسان بسبب وضعيتهم غير الشرعية في الهجرة، كما أن الذين تعرضوا إلى التضييق من حقهم التوجه إلى العدالة.

اقرأ أيضاً: تجارة الموت في مقبرة المتوسط

المساهمون