وصول المهاجرين إلى جزيرة ليسفوس.. حكايات حزينة

وصول المهاجرين إلى جزيرة ليسفوس.. حكايات حزينة

23 يناير 2016
قوارب المهاجرين المطاطية (العربي الجديد)
+ الخط -

تبعد جزيرة ليسفوس مسافة خمسة كيلومترات عن الحدود التركية، ويبلغ عدد سكانها 87 ألف نسمة وتبلغ مساحتها 1631 كيلومتراً مربعاً، بحيث يفصل بينهما بحر إيجة، ولطالما كانت إحدى أهم مقاصد اللاجئين والمهاجرين إلى أوروبا.

لكن الأعداد ارتفعت بشكل هائل في السنوات الأخيرة، إذ مرّ أكثر من 466 ألف شخص من الجزيرة في عام 2015 مقارنةً بـ43.500 في العام الماضي، حيث المعدل اليومي للمرور حاليا 4500 شخص عبر ليسفوس وغيرها من الجزر اليونانية.

يأتي المهاجرون بقوارب مطاطية وبقوارب خشبية مهلهلة، ويتعرضون لخطر الغرق، وأخيراً خطر الموت نتيجة انخفاض درجة حرارة الجسد بسبب المياه الباردة إلى حد مفزع، ويصلون إلى الشاطئ حيث لا توجد مراكز استقبال ملائمة وحيث أُنهكت البنى التحتية المحلية.

غالبية اللاجئين الذين يصلون هم سوريون وعراقيون وأفغان، بالإضافة إلى غيرهم من الباكستانيين والجزائريين واللبنانيين والمغاربة والإيرانيين وغيرهم، بحسب منظمة أطباء بلا حدود.

ويحكي يزن السعدي، الذي يعمل حالياً كمسؤول تواصل إقليمي لفريق أطباء بلا حدود في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، عن مشاهداته في ليسفوس التي تعتبر منطقة انتقالية إلى أوروبا، حيث يرصد قصصا لمهاجرين ولاجئين شاهدهم أو تعامل معهم.

وقال السعدي: "لفترة ساعة من الزمن شاهدتُ ثلاثة قوارب ترسو على الشواطئ بالقرب من بلدة سكالا سيكامينيياس المجاورة للبحر، والتي تقع على الجزء الشمالي الشرقي من جزيرة ليسفوس. كنتُ هناك بالصدفة لتسهيل زيارة إعلامية إلى المكان. كانت القوارب الثلاثة مليئة بالناس إلى قمّتها، سوريون وعراقيون وأفغان وبعض الإيرانيين والباكستانيين، بينهم الكثير من الأطفال".
ويضيف: "التقيت بالكثير من المتطوعين من اليونانيين والأجانب يتضافرون لتقديم المساعدة، ولفتني وجود امرأة يونانية كبيرة في السن تساعد حارس الشاطئ. تقف في تأهب دائم على الشاطئ، يمتد جسدها ذهاباً وإياباً، لابسةً بذلة غطس لونها أسود فاحم تحميها من برودة المياه. عيناها عاقدتا العزم تحدّقان مباشرةً إلى أحد القوارب المطاطية الذي يرسو على الشاطئ. هي تعلم تماماً ما تفعل، وكأنها قد كرّرت هذا الأمر لمرات لا تعدّ ولا تحصى من قبل".

وحول قارب آخر يروي  السعدي "كان يوماً كثير الرياح، بالفعل كثير الرياح، والبحر كثير الأمواج، وكثير ممن كانوا على متن القارب ذاك اليوم أخبروني أن المهربين أجبروهم على ركوب القارب رغم رفضهم القيام بالرحلة في هذا اليوم. أنقذهم رجل سوري يتقن فن الإبحار. التقيت به حين رسا القارب على الشاطئ بين إفثالو وسكالا سيكامينيياس".

وحكى عن أحد المهاجرين الذين تحدث معهم "كان متعباً من الرحلة لكن لم يملك أي خيار سوى المتابعة. رجل في الثالثة والستين من العمر، عراقي مسيحي سافر وحده، لا أسرة، لا أصدقاء، سافر وحده إلى أوروبا. قال لي: تمضي حياتك بأكملها لتجمّع مبلغاً من المال، وفجأة، وفي لمح البصر، يذهب كل ما جمعته سدى. كان كل ما يطلبه، سيجارة. لم أدخّن منذ صباح الأمس. فضحكت وأعطيته أربع سجائر".

اقرأ أيضا:المفوضية الأوروبية تخطط لتقاسم المهاجرين غير الشرعيين


كانت سترات النجاة مبعثرة حول الجزيرة، غالباً في أماكن غريبة، معظمها برتقالية اللون، بعضها مرميّ على طول الشاطئ، أو ملتصق بإحدى الشجرات، وبعضها الآخر معلق بطرف جبل شاهق، أو حتى مندمج في طريق موحلة وكأنه من جذورها. حتى أنه يمكنك أن تلعب لعبة محاولة اكتشافها حين تتعرف على الجزيرة.
وفجأة، تكتشف بالصدفة مزبلة في سهل صغير يبعد مسافة 5 دقائق في السيارة من ميناء ميلفوس في شمال الجزيرة. ولا بدّ أن هناك الكثير منها في الجزيرة. تجد فيها المئات والمئات أو حتى الآلاف من سترات النجاة. إنه مشهد سريالي! قمم برتقالية، مزبلة ممتلئة بسترات النجاة.
تقع المزبلة بالقرب من مزرعة، تسمع فيها أصداء أصوات الأغنام والكلاب، وتسمع أيضاً صفير الهواء في الخلف. وإذا بشاحنة تصل إلى المكان، وهي الثانية في فترة 10 دقائق، فيُرمى المزيد من سترات النجاة. البعض منها جيد النوعية، والبعض الآخر محشو بالقش، فبعد دقائق قليلة ستغرق وكأنك حجر صغير. ستصبح الجزيرة مغمورة بسترات النجاة قريبا.


ويروي قصة أخرى عن رضيع صادفه في ميناء ميتيليني، كان الطفل يبكي، سألت والدته، وهي كردية سورية من الحسكة: "هل هو على ما يرام؟"، أجابتني بهدوء: "لقد فقد لهّايته حين وصلنا ليلة أمس". أجبتها بسرعة: "سأسأل ما إذا كان لدينا لهّايات في العيادة". ويا لحسن حظي! نعم لدينا لهّايات! أعطيتها للطفل فهدأ وتبسّم على الفور.

وفي قصة أخرى من الجزيرة، يروي يزن السعدي: "أتت إلينا مجموعة من الرجال. كان منتصف النهار وكانت الشمس ساطعة. شعرت بالحيرة، فحين يكون الطقس جميلاً فهذا يعني أن الكثيرين سيحاولون القيام بالرحلة عبر البحار. وحين يكون الطقس سيئاً سيأتون أيضاً، فيزيد الخطر ساعتها. لذلك فأنا حائر".
وقفنا خارج مخيم موريا حيث تتم عمليات تسجيل اللاجئين والمهاجرين قبل أن يغادروا الجزيرة، بطاقة بيضاء سحرية تسمح لهم بالمغادرة.
تقدّم إلينا عشرة رجال، معظمهم من المغرب، وثلاثة منهم من الجزائر.
قال لي أحدهم: "وصلنا منذ قليل. لا يمكننا الذهاب إلى أي مكان. نحن عالقون هنا".
سألته: "لماذا غادرت المغرب؟"، فأجابني: "لماذا؟ لأنك في المغرب تشهد مرارة الحياة، تلك المرارة التي تحتلّ منطقتنا بأسرها، سواء كان سببها الحرب أو أي شيء آخر. ليس أمامنا أي مستقبل. أحبّ المغرب وأحبّ شعبه لكن لا يمكنني البقاء فيه".
"هل تشعر بالندم لمغادرتك؟".
"لست أعلم. أنا هنا الآن، وسنرى ماذا سيحدث، أي مكان سيكون جيداً، ربما قد أعود، لست أعلم. لكننا الآن هنا، جميعنا هنا، لبنانيون وصوماليون وسوريون وأفغان، جميعنا نركض، وجميعنا عالقون معاً، كأسرة واحدة".


اقرأ أيضا:موسم الغرق في المتوسط