وساطة صينيّة لاحتواء الأزمة الأفغانيّة

وساطة صينيّة لاحتواء الأزمة الأفغانيّة

15 يناير 2015
ترحّب الحكومة الأفغانية بطموحات الصين الاقتصادية (Getty)
+ الخط -

"المصالحة الوطنية الأفغانية أمامها طريق طويل ومعقد، ولكنها ستنجح لا محالة. وليعلم الجميع أن أعداء المصالحة هم أعداء أفغانستان، إذ إنها الحل الوحيد لحلحلة الأزمة الأمنيّة". بهذه العبارات، استهلّ الرئيس الأفغاني، أشرف غني أحمدزاي، كلمته التي ألقاها أخيراً أمام جمع من المسؤولين والساسة في العاصمة كابول، لمناسبة تولّي الجيش الأفغاني كامل المسؤوليات الأمنيّة في البلاد. ولم يغفل أحمدزاي تعهّده أمام الشعب، بالعمل لتحقيق المصالحة مع حركة "طالبان أفغانستان" والجماعات المسلحة التي تنشط حالياً ضدّ الجيش الأفغاني والقوات الدوليّة، واصفاً إياها، أكثر من مرة، بـ"المعارضة السياسيّة".

وعلى الرغم من تأكيدات الرئيس الأفغاني المتكررة، أنّ المصالحة مع "طالبان" هي من أولويّات حكومته، التي لن تألو جهداً لتقديم كل ما يخدمها، لكنّ الجميع ظنّ بعد التوقيع على الاتفاقيتين الأمنيتين مع واشنطن والأطلسي، أنّ المصالحة الوطنيّة قد دُفنت، ولا سبيل إلى نجاحها، وخصوصاً أنّ "طالبان" قد وصفت الاتفاقيتين، باتفاقيتي "بيع أفغانستان"، رافضة أي نوع من التفاوض مع الحكومة الأفغانية، التي وصفتها، وما زالت تصفها بـ"العميلة".

ومع ذلك كلّه، بقيت الحكومة الأفغانيّة تعمل على عقد المفاوضات مع "طالبان"، حتّى إنّ الرئيس التنفيذي عبد الله عبد الله، الذي كان يُعدّ من أبرز المناهضين للمفاوضات مع "طالبان"، أكّد مراراً أنّه لدى الحكومة خطة متكاملة لإنجاح المصالحة الوطنيّة، في وقت يستخدم فيه الرئيس الأفغاني، كافة السبل والوسائل لإرضاء "طالبان" تمهيداً للعودة إلى طاولة المفاوضات. وكان ملف الحوار مع "طالبان" على رأس أجندة زياراته الأخيرة إلى الرياض وبكين وإسلام اباد.
ومن خلال تلك الزيارات، تمكن الرئيس الأفغاني من الحصول على دعم الدول الثلاث في هذا الشأن، كما استطاع أثناء زيارته إلى بكين أن يقنع القيادة الصينيّة بالقيام بدور الوساطة بين الحكومة الأفغانية و"طالبان".

ولم تتأخر بكين، في ممارسة ضغوط على إٍسلام آباد، للتعاون مع كابول بهذا الشأن، انطلاقاً من رغبة الصين في القضاء على الجماعات المسلّحة في المنطقة، التي قد تشكّل خطراً لأمنها في المستقبل، ولأن لها مصالح تجاريّة واقتصادية جمّة في أفغانستان التي تربطها بدول آسيا الوسطى. ولم تتردّد بكين في ابداء استعدادها للقيام بدور الوساطة بين "طالبان" والحكومة الأفغانية، لحلّ الأزمة الأمنيّة التي عاشتها أفغانستان على مدى العقود الماضية.

وتوالت الاتصالات بين كابول وبكين، فشكّلت الحكومة الصينية وفداً خاصاً للوساطة، سافر خلال الأيام القليلة الماضية إلى كابول، والتقى مسؤولين في الحكومة الأفغانية، وذلك بعد أن زار وفد من "طالبان"، بقيادة قاري دين محمد، بكين مرتين خلال الشهر الماضي. وقدّمت "طالبان"، وفق المعلومات المتاحة، ثلاثة شروط للمضيّ قدماً في التفاوض مع الحكومة الأفغانية، وهي "إجراء تعديلات في دستور أفغانستان، وإعطاؤها بعض المناصب والوزارات، فضلاً عن شطب أسماء جميع قيادات طالبان من القائمة السوداء". ووافقت الحكومة الأفغانية، وفق معلومات أوليّة، على أن يتوّلى بعض قياديي "طالبان" الذين عاشوا في سجون أميركيّة أو أفغانية، وأُفرج عنهم أخيراً، كسفير طالبان لدى باكستان الملا عبد السلام ضعيف، ووزير خارجية طالبان الملا عبد الوكيل متوكل، بعض الوزارات في الحكومة. كما وافقت على أن تعيّن حركة طالبان حكّام بعض الأقاليم الجنوبية، كقندهار وهلمند.
ويربط بعض المحللين تأخير ولادة الحكومة بالتفاوض مع طالبان بشأن الوزارات، علماً أنّ الحكومة الأفغانيّة ترفض رسمياً منح طالبان بعض الوزارات، لكنّ مسؤولين فيها أكدوا أنّ الحوار مع طالبان مستمر، وسيأتي بنتائج إيجابيّة.

ومن شأن تعاون اسلام أباد ووساطة الصين لتحقيق المصالحة الأفغانيّة، أن ينعكس إيجاباً على الوضع في أفغانستان، نظراً لامتلاك الصين القدرة والمصداقية، نتيجة سياساتها بعدم التدخل، وكونها بعيدة عن الصراعات والحروب التي شهدتها أفغانستان على مدى الأعوام الماضية. ويشير خبراء إلى أنّه لا تطلعات لدى الصين للهيمنة الإقليمية والاستراتيجية، بعكس الدول الغربية وبعض الدول الإقليمية، لكن لديها طموحات اقتصادية وتجارية، تلقى ترحيب الحكومة والشعب الأفغاني.
بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي دور الصين إلى القضاء على الخلافات بين أفغانستان وباكستان، وتحسين العلاقات بين الجارتين، وهو ما حصل فعلاً خلال الأسابيع الأخيرة وبعد زيارة الرئيس الأفغاني أخيراً إلى بكين وإسلام اباد.

وثمّة حقيقة أخرى وهي أن الولايات المتحدة الأميركية التي قادت الحرب ضد "طالبان" والجماعات المسلحة في أفغانستان في السنوات الثلاث عشرة الماضية، تبدو مستاءة بسبب التطورات الإقليمية الأخيرة، لا سيما التعاون بين إسلام آباد وكابول للقضاء على الجماعات المسلحة، وبسبب دور الصين في مستقبل أفغانستان، وهو ما توضحه تصريحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري الأخيرة، والتي قال فيها إنّ "الولايات المتحدة الأميركية لن تستهدف قيادة طالبان، ما لم تشكل هي تهديداً مباشرا للمصالح الأميركية".
وتثير تصريحات كيري العديد من التساؤلات، إذ يرى الخبراء أنّ واشنطن تحاول بناء علاقات جديدة مع "طالبان" والجماعات المسلّحة، نظراً للتغيرات التي تشهدها المنطقة، كما يتهم بعض الأفغان واشنطن بدعم بعض الجماعات المسلّحة في أفغانستان، لإيجاد مبرر للبقاء.

وكان الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي قد أكد مراراً أنّ السبب الرئيس في استمرار دوامة الحرب، هو عدم رغبة واشنطن في إحلال الأمن في هذه البلاد. واشترط كرزاي لتوقيع الاتفاقية الأمنيّة مع واشنطن، إنجاح المصالحة الوطنيّة الأفغانيّة، قائلاً إنّ مفاتيح أمن أفغانستان بيد واشنطن وإسلام آباد.
من هنا، يبدو واضحاً أنّ الولايات المتحدة، التي أنفقت أموالاً طائلة في أفغانستان، وخسرت فيها الكثير من جنودها للحفاظ على مصالحها، لن ترغب في دور الصين المستقبلي في أفغانستان، كما أنّها لن ترضى بنجاح أيّة مبادرة تقودها الصين، أو أي دولة أخرى، وتناهض مصالح أميركية في المنطقة.