واشنطن وطهران تجمعهما مصلحة مشتركة بانتظار تعاون علني

واشنطن وطهران تجمعهما مصلحة مشتركة بانتظار تعاون علني

07 سبتمبر 2014
إيران لن تشارك بتحرك علني مع "الشيطان الأكبر"(فطيمة باهرامي/Getty)
+ الخط -

تكهنات وتوقعات كثيرة تجعل المتابعين للأوضاع في المنطقة يترقبون توافقاً علنياً بين طهران وواشنطن بين لحظة وأخرى، على خلفية الجهود الدولية لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية، وهو التوافق الذي ينتظره عديدون منذ تولي الرئيس المعتدل حسن روحاني لسدة الرئاسة في إيران.

ومنذ الاتصال الهاتفي بين الأخير والرئيس الأميركي باراك أوباما، على هامش اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة في مثل هذا الوقت من العام الماضي، لم يحدث أي تماس بين الطرفين يختلف جذرياً عما حملته العلاقات الثنائية من برود وجمود خلال الأعوام الماضية، باستثناء طاولات حوار بين الوفدين المفاوضين للبلدين حول البرنامج الإيراني النووي، وهو إجراء اعتيادي لا يمكن اعتباره ترميماً للعلاقات الثنائية.

طاولة الحوار الأخيرة بين واشنطن وطهران عقدت في جنيف خلال يومي الخميس والجمعة، خلف أبواب مغلقة ولم تخرج بنتائج مفصلية، إلا أن نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي اعتبرها محادثات بنّاءة، مع إشارته إلى أن الملفات العالقة بين البلدين حول النووي تحتاج للمزيد من الوقت لتقليصها.

وتزامن ذلك مع صدور أنباء عن منح المرشد الأعلى علي خامنئي، الضوء الأخضر للتحرك باتجاه تعاون معلن مع واشنطن لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وهو ما يجعل طهران جزءاً من التحالفات الإقليمية والدولية في محاربة "الإرهاب".

سارعت المتحدثتان باسم خارجيتي إيران والولايات المتحدة، مرضية أفخم وماري هارف، لنفي هذه الأخبار، وصبّت تصريحاتهما في سياق واضح: لا اتفاق على تعاون بين طهران وواشنطن.

فالمحددات التي تعترض الإعلان عن الاتفاق خلال هذه المرحلة كثيرة، رغم أن القدر بات يسوق البلدين ليوضع اسمهما جنباً إلى جنب بعيداً عن سيناريوهات التعاون تلك. وهبوط الطائرة التابعة لشركة فلاي دبي التي كانت تحمل على متنها مئة أميركي قادمين من أفغانستان من قاعدة باغرام العسكرية في مطار بندر عباس جنوبي إيران ليل الجمعة كان سابقة بالفعل أقلقت المسؤولين الإيرانيين قبل معرفة ملابسات ما حدث.

وعلى الرغم من تأكيدهم الخبر لاحقاً، إلا أنهم تمهلوا في الإعلان عن أي تصريحات قبل أن تخرج من الأميركيين أولاً، فالأمر كله كان يعود لأسباب فنية تتعلق بضرورة التزود بالوقود، فهبطت الطائرة إرادياً من دون أن تجبرها مقاتلات إيرانية على الهبوط بسبب عبورها للأراضي الإيرانية من دون علم طهران كما أشيع، فما حدث كان التباساً فقط كما قالت الخارجية الأميركية، صباح السبت.

لكن السياسة على الضفة العراقية تضع بصماتها بوضوح على هذا الملف، فالبلدان يتقاطعان في ضرورة محاربة "داعش" الذي يهدد مصلحتهما كليهما في المنطقة، بل ويهدد الأمن القومي الإيراني على وجه الخصوص كون عناصر التنظيم يبعدون كيلومترات معدودة عن الحدود الإيرانية.

لكن طهران لا تستطيع أن تبادر وتمد يدها أمام الجميع لواشنطن حالياً، وإن كانت تبحث عن دور في التحالفات الإقليمية والدولية في محاربة "داعش"، فما يُقرأ في طيات تصريحات المسؤولين الإيرانيين رغبة في تأدية دور مؤثر وتجاوز عقدة النووي والعزلة الدولية، التي فرضت على بلادهم خلال السنوات الماضية، لتعود طهران كقوة مؤثرة في المنطقة برضا وبرغبة الجميع، فإيران تعرف حالياً أن الجميع بات بحاجة لدورها، ولكنها لا تستطيع التقدم بخطوات سريعة وملحوظة كونها محكومة بالعديد من المحددات الداخلية والخارجية.

على الجبهة الداخلية، يتولى خامنئي أمر منح الضوء الأخضر لأي تحرك علني مع الإدارة الأميركية، لكنه نفى إمكان حصول ذلك بتصريحاته التي تتحدث عن عدم الثقة بالطرف الأميركي ولا بحسن نواياه تجاه إيران. وأكد روحاني، في مؤتمره الصحافي الأخير، أنه لا خطط لتعاون بين طهران وواشنطن.

ومن جهة ثانية، فإن صقور الداخل من المحافظين المتشددين يتربصون بأي تحرك دبلوماسي للحكومة نحو واشنطن، وما إن تكررت الأنباء عن حوار إيراني ـ أميركي، حتى بدأ هؤلاء بالهجوم على الحكومة الإيرانية على خلفية رفضهم المبدئي للحوار مع الغرب وتقديم التنازلات له، فكيف بتحرك مشترك وعلني مع "الشيطان الأكبر"!

أما المحددات الخارجية، فإيران وإن كانت تبحث عن لعب دور علني ومشروع في العراق بطلب من القوى المؤثرة إقليمياً ودولياً، وهو ما سيعطيها وزناً في المنطقة، ولكنها ليست مستعدة لتقديم تنازلات علنية خلال هذه المرحلة دون مقابل واضح.

ففي الوقت الذي يقترب فيه الجميع من انتهاء مهلة التفاوض في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، والذي من المفترض أن تصل فيها إيران مع دول 5+1 إلى اتفاق نهائي، استمرت الولايات المتحدة بسياسة فرض العقوبات على إيران، حتى بعد تعليقها بموجب اتفاق جنيف الموقع بينها وبين السداسية العام الماضي، مبررة الأمر بأنها ليست عقوبات جديدة، وإنما توسيع للعقوبات المفروضة سابقاً على أفراد وشركات يستحقونها بسبب التفافهم على الحظر.

وهو الأمر الذي رفضته طهران، ما جعل المحافظين يعتبرون أن واشنطن هي السبب في فشل سياسة الحوار والتفاوض، وهو ما جاء أيضاً في تصريح لرئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، علاء الدين بروغردي، أمس الجمعة.

ومن الطبيعي ألا تقوم طهران بتقديم ما اعتبرته تنازلات طوال سنوات إلا في مقابل واضح؛ اعتراف الجميع بدور إيراني في المنطقة، وهو أمر يحتاج إلى مقدمة توفرها بوابة التوافق على النووي الإيراني. والجولة الأوروبية الأخيرة لوزير الخارجية محمد جواد ظريف، جاءت لتبحث في هذا السياق، إذ قال بعد لقائه في روما بوزيرة الخارجية الإيطالية، فيدريكا موغريني التي ستشغل منصب وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي بعد كاثرين آشتون، إن إيران تستطيع تقديم الدعم لمحاربة التطرف والإرهاب في العراق.

وهذا يعني أن الأيام المقبلة قد تحمل تعاوناً إيرانياً مع التحالفات الدولية والإقليمية ضد "داعش" وهو ما تبحث عنه الجمهورية الإسلامية، لكن التوقيع علناً على تعاون مع الولايات المتحدة يحتاج لتحقيق العديد من الشروط، في وقت تقدم فيه طهران استشاراتها لبغداد، فيما توفر واشنطن الغطاء والدعم العسكري لإقليم كردستان في محاربة "داعش".
 البلدان يتحركان ويدعمان بعضهما البعض بطريقة غير مباشرة كونهما يحققان مصلحة مشتركة، وهو ما وضعه مستشار المرشد علي ولايتي، في وقت سابق، تحت مسمى "إيران وأميركا ليسا شريكين متعاونين وإنما لديهما مصلحة مشتركة"، وثمن التعاون العلني مرهون بتقديم تنازلات من قبل الطرفين ولو خلف الكواليس.

المساهمون