هَرَبوا من معارك عرسال واختفوا

هَرَبوا من معارك عرسال واختفوا

18 اغسطس 2014
دُمّر مخيّم الربيع في عرسال كلياً(شيرين قباني)
+ الخط -
مع إعلان السفير السوري في لبنان، علي عبد الكريم علي، معالجة أوضاع السوريين العالقين في منطقة المصنع اللبنانية الحدودية مع سورية، وإيجاد مقار ملائمة لهم داخل الأراضي السورية، بعدما فرّوا من المعارك التي شهدتها منطقة عرسال البقاعية الأسبوع الماضي، ظنّ هؤلاء أن أزمتهم قد حلّت.

ومع أن معظمهم عادوا الى بلادهم، غير أن أخبارهم انقطعت تماماً عن ذويهم في لبنان. فيما مكثت حوالي عشر عائلات، مُنعت من دخول سورية، في مخيّم مجدل عنجر، المحاذي لمنطقة المصنع لبضعة أيام، قبل أن تعود إلى عرسال.

تقول إحدى اللاجئات فاطمة (12 عاماً)، التي تعمل متسوّلة عند نقطة المصنع، إن "وضع العائلات السورية النازحة من عرسال كان كارثياً". اشترت فاطمة لصديقتها حنان، زجاجة مياه، وشوكولا. وتتحدث بثقة "في أحد الأيام، كسبت 7 آلاف ليرة (حوالى 5 دولارات). أعطيت حنان ألف ليرة لأنها كانت جائعة ولم تأكل منذ يومين. بعدها دخلت سورية ولم أرها منذ ذلك الوقت".

من جهته، لا يزال أبو زينب ينتظر وصول عائلته إلى بلدتهم قارة (سورية) بعد خمسة أيام على نزوحهم من عرسال، هرباً من القذائف والصواريخ التي انهالت على مخيّم الربيع، حيث كانوا يقطنون، ودمرته بالكامل. كانت هذه العائلة قد نزحت من قارة بعد سيطرة قوات النظام السوري على أحيائها بشكل كامل.

يقول أبو زينب لـ"العربي الجديد"، إن "الحرب في عرسال كانت شبيهة بتلك التي شهدناها في سورية. استهدف القصف مخيمات المدنيين بشكل عشوائي. حالة الأطفال النفسية لم تترك لنا خياراً إلا المغادرة في ظل غياب الملاجئ". ويضيف: "قررت إرسالهم مع النازحين الذين تركوا عرسال، وتوجهوا إلى سورية برعاية رئيسة دير مار يعقوب في القلمون بريف دمشق، الأم أغنيس، لأحميهم وأحافظ على أرواحهم". يصرخ أبو زينب. يلوم نفسه. "ما كان يجب إرسالهم إلى سورية. ماذا لو تم الاعتداء على أطفاله؟". علماً أنه شارك في بداية الحرب في القتال إلى جانب الثوار.

"عالسكين يا بطيخ"

يؤكد أبو زينب: "اسمي موجود لدى جميع الحواجز، ويُعرف عني ولائي للثورة السورية ضد نظام بشار القاتل". ويشير الى أن "أوراقنا الثبوتية رسمية وغير مزورة. أطفالي أيضاً لديهم هويات". يتقاسم أبو زينب مشاعر القلق والخوف مع شقيقه محمد، سائق الأجرة على خط بيروت ــ دمشق. يلفت محمد في تصريحات لـ "العربي الجديد"، الى أن "كل من دخل إلى سورية، ولديه قريب ينتمي إلى المعارضة السورية، سيُنادى عليه كما ينادي البائع: عالسكين يا بطيخ".

من جهتها، تروي عائلة رقية المعاناة التي عاشتها في المصنع قبل عودتها إلى عرسال. هي التي مُنعت من دخول سورية بحجة عدم وجود أوراق ثبوتيّة. تقول لـ"العربي الجديد"، "نمنا على الطرقات لمدة أربعة أيام. كنا نأكل من بقايا النفايات، لنحافظ على وعينا ونحمي أولادنا. ولولا مساعدة المسافرين على الحدود، وإعطاؤنا بعض المال ومدّنا بالطعام، لما تمكنّا من الصمود يوماً واحداً". وتتساءل: "احترق منزلي ودمر خلال الحرب، فكيف أجلب أوراقاً ثبوتية؟".

عادت رقية وعائلتها إلى عرسال لتجد أن خيمتها قد احترقت تماماً. توجهت مع أولادها وزوجها المُقعد إلى جرود القلمون المحاذية لجرود عرسال، واحتمت بأشجار الكرز، من رصاص الاشتباكات بين المسلحين الثوار وقوات النظام هناك، على حد قولها. تضيف بحرقة: "حفرت حُفَراً لأطفالي وخبأتهم فيها لأحميهم. كنا نتقاسم بقايا الخبز الذي ينقله لنا شباب مخيم وادي الحصن، في بلدة عرسال تحت القصف والمعارك".

تتابع: "جئنا إلى عرسال تاركين قصورنا في سورية لنحمي أطفالنا من مشاهد الجثث المقطعة والممددة على أرصفة شوارع سورية، ونجنبهم سماع أصوات القذائف التي كانت ترعبهم. لكن المعاناة لحقت بنا".

تُقاطعها امرأة مسنّة كانت ترتدي الأسود حداداً على صهرها، الذي تقول إنه توفي أثناء تواجده في مسجد وادي الحصن في البلدة، للاحتماء من القذائف. إلا أنه لم يكن يدرك أنه "حتى المقامات الدينية لم يعد لها قيمة لدى أصحاب الأسلحة المدمرة". تردّ على الأم أغنيس التي دعت إلى ضرورة عودة النازحين السوريين جميعاً إلى ديارهم "لعدم تكرار مأساة اللجوء الفلسطيني إلى لبنان". تقول: "العودة إلى سورية تعني نهايتنا. فكل من خرج من البلاد لا يعود إليها إلا إذا قرر وضع حد لحياته".

تنهي حديثها بغضب وغصة قائلة: "لا نأخذ من الرؤساء سوى الكلام. فليتركونا بسلام". ولا يزال من بقي في لبنان يُحاول عبثاً معرفة مصير حوالى 1800 سوري قرروا العودة إلى بلادهم.