هيئة الأمر بالمعروف.. جدل متواصل في السعودية

02 فبراير 2015
سعودي يعبر عن فرحه بإقالة آل الشيخ (العربي الجديد)
+ الخط -


لمس السعوديون، بشكل سريع، التحسينات التي قام بها الرئيس الأسبق لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الشيخ عبداللطيف آل الشيخ، والذي تمت إقالته من منصبه ضمن حزمة من القرارات الملكية صدرت الخميس الماضي.

ويتخوف سعوديون من أن يعود الرئيس الجديد، الدكتور عبدالرحمن السند، بالجهاز إلى وضعه السابق، لجهة مداهمة البيوت من دون تيقن، وطرد الشباب من الأسواق، وتفتيش الهواتف الخاصة بلا مسوِّغ نظامي.

وما يثير قلق السعوديين أكثر أن التطوير الذي أدخله الرئيس السابق على الجهاز، الذي يضم أكثر من 13 ألف عضو، لم تكن تحظى برضى الكثيرين، ما دفع بعضهم إلى الاحتفال بشكل علني بعد إقالته.

ففي الدمام (شرق السعودية)، أوقفت الجهات الأمنية صاحب مقهى وضع لافتة احتفالاً بإبعاد آل الشيخ، ووزع المشروبات الساخنة مجاناً. فيما نقل رئيس تحرير جريدة الشرق السابق، قينان الغامدي، عن أمير المدينة المنورة (غرب السعودية) طلب الأخير إيقاف حفل عشاء أقامه عدد من أعضاء الهيئة ابتهاجاً بإعفاء آل الشيخ، وحوّلهم إلى التحقيق والمحاسبة.

كما أظهرت صورة تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي عدداً من رجال الهيئة وهم يسجدون لله شاكرين على إعفاء رئيسهم، كما أظهرت صورة أخرى ثلاثة أشخاص زعم أنهم من الهيئة وهم يقطعون قالبا من الكيك فرحاً بهذا الخبر، ووضحت لغة التشفي والفرح في حديث كثير من المنتسبين للجهاز والمهتمين به.

وكان آل الشيخ قد تعرض منذ تعيينه لحملات هجومية، نتيجة الإصلاحات الجذرية التي أحدثها في هيكل الجهاز. ونشطت تلك الحملات قبل أشهر، وتم تداول مقطع فيديو لمواطن يقول: "فرحنا يوم إقالتك"، أتبعه بسلسلة من الإساءات اللفظية، فيما اقتصر رد آل الشيخ عليه بقوله: "فرحتم لأنكم دواعش".

ويؤكد الناشط الحقوقي، مبارك البيشي، على أن مثل هذه الأخبار مسيئة للعاملين في الجهاز، وتعكس أنهم كانوا يرغبون في بقاء الأمور فوضوية وبلا رقيب، ويرى أن كل ما فعله آل الشيخ أنه وضع قواعد صارمة للعمل وعاقب المخطئ، وهي أمور يجب ألا تغضب من يعمل وفق النظام.

وأضاف لـ"العربي الجديد" أن "بعض العاملين في الهيئة كانوا يريدون أن يعملوا بلا ضوابط ويرتكبوا الأخطاء ولا يعاقبون، من منطلق أن رجل الهيئة لا يحاسب، وهو ما قام آل الشيخ بإيقافه. لهذا نجد أن هناك من كان يرفض وجوده ويصفه بأبشع الصفات، لأنه بكل بساطة وضع حداً للتجاوزات الخاطئة التي أدمن عليها البعض".

وتابع "أتمنى من الدكتور عبدالرحمن السند أن يستمر على ذات النهج الإصلاحي، وألا يعيد الأمور إلى ما كانت عليه في السابق".

تغييرات كبيرة

عُين آل الشيخ رئيساً لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن للمنكر في يناير 2012، وعمل على وضع حد لتجاوزات الكثير من الأعضاء. وكانت أولى قراراته التي حازت التأييد الشعبي إلغاءه وظائف (المتعاونين الميدانيين)، إذ كان يعتبرهم المسؤولين عن تشويه صورة الجهاز، بعد أن تردد من سبقه بالرئاسة في اتخاذ أي إجراء ضدهم أو محاولة لتخفيف تجاوزاتهم. وكان آل الشيخ قد قال في أحد الاجتماعات: "علينا أن نغلّب جانب الستر، ولا نسمح لأي أحد من منسوبي الهيئة بالتعسف أو التقصّد لإيذاء الآخرين".

ومنذ عام 2012، بدأ جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في تخفيف ملاحقته للمواطنين في الأسواق، مركزاً على القضايا الكبرى، وباتت مصانع الخمور هي الهدف الأول للرئيس، وهو ما مكّن رجاله من إغلاق 700 مصنع في مختلف المناطق.
وكان الهدف الثاني القضاء على ابتزاز الرجال للنساء، بعد ازدياد حالات التحرش. أما الهدف الثالث فهو محاربة الجرائم الإلكترونية، عبر الإطاحة بممارسي التجارة الجنسية عبر مواقع التواصل الاجتماعي. فقد أعلن مصدر مقرب من الهيئة أنه تم إغلاق أكثر من تسعة آلاف حساب إباحي على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر".

وانتقد الرئيس الأسبق في أكثر من مناسبة علنية الغلظة التي كان بعض الأعضاء يبدونها تجاه المواطنين، وسعى إلى الحد منها، لكي لا "تتسبب في تنفير الناس وتخويفهم"، مشدداً على أن "الهيئة لا تعارض الحراك الاجتماعي المتوافق مع الدين والعادات، ولكن هناك أصحاب الأفكار الخبيثة، وهم نتاج بذرة خبيثة زرعت في السعودية في زمن من الأزمان، ولا مكان لها".

الاستمرار على النهج

لم تعجب أفكار آل الشيخ وقراراته، مثل منع المطاردات في الشوارع، بعض العاملين في الجهاز، ما دفع بعضهم إلى الانتفاض ضده في أكثر من مناسبة. وكشف آل الشيخ أنه تم رصد 25 شخصاً داخل الهيئة وصفهم بـ"المشاغبين" لا يريدون أن تمضي "قافلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفق منهج نبوي"، متهما إياهم بأنهم يعملون وفق أجندة لتضليل الناس. ووصلت الأمور إلى حدّ محاولة اغتياله أثناء توجهه إلى الصلاة. ومع أن المتحدث الرسمي للهيئة نفى أن يكون الحادث محاولة اغتيال، إلا أن الخبر الذي نشرته صحيفة الوطن في أكتوبر 2014 أثار موجة من السخط ضد أعضاء الهيئة الرافضين لقرارات آل الشيخ، التي تسببت في إدانة أكثر من 26 عضواً في قضايا مختلفة، ومعاقبتهم بالكفّ عن العمل أو النقل التأديبي، وبعضهم ينتظر محاكمته، بعد أن تسبب في مقتل بعض المواطنين.

ويؤكد الداعية وإمام جامع السليم في الرياض، الشيخ أحمد السيف، أن الخطوات التطويرية التي قام بها آل الشيخ كانت ضرورية ومهمة، مطالباً الرئيس الجديد، الشيخ عبدالرحمن السند، بالاستمرار عليها. وقال لـ"العربي الجديد" لقد "طور آل الشيخ الجهاز بشكل كبير، وقام بجهد وعمل يشكر عليهما، ولم يكن تنصيبه رئيسا للهيئة إلا لأنه يستحق".

ويعتبر الشيخ السيف الرئيس الجديد "الدكتور السند من الشيوخ الفضلاء وهو اختيار موفق"، مشدداً على أن "الهيئة جهاز حساس يحتك بالمجتمع، والرئيس الجديد يملك الخبرة، وهو قادر على إكمال مسيرة هذا الجهاز".

داعش والقاعدة والنصرة

يتوقع مقربون من داخل الهيئة أن يسير الدكتور السند، الذي تولى عمادة التعليم عن بعد في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لمدة خمس سنوات، على نهج الاعتدال، فقد عُرف عنه الوسطية والاعتدال، ورفضه العلني للأفكار المتشددة التي تتبناها الجماعات التكفيرية.
وتداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي خطبة سابقة للرئيس الجديد يؤكد فيها: "أصبح بعض شباب المسلمين ألعوبة في أيدي دعاة الفتنة والضلال والجماعات المنحرفة الضالة المضلة، سواء الجماعات الكفرية كداعش والقاعدة وجبهة النصرة أو من أحزاب ولدت منها هذه الجماعات كجماعة الإخوان المسلمين التي بينت وزارة الداخلية خطورتها وخطورة الانتماء إليها".

من جهته، توقع المستشار القانوني، أحمد السعيدان، أن يواصل الدكتور السند رحلة التطوير، وقال: "الشيخ عبداللطيف آل الشيخ كان أول رئيس للهيئة يعاقب بعض المخطئين ويتعامل مع الجهاز كأي دائرة حكومية بلا قدسية، ولكن هذا لم يكن يعجب البعض، لهذا نجد حملة تشفّ كبيرة فيه وبلا منطق"، وأضاف "ما شاهدناه من صور وقرأناه من تغريدات مخيب للآمال، وظالم بحق رجل عمل بكل إخلاص لحماية أعراض الناس من الاتهامات الجائرة والأخذ بالظنون".

دلالات