هل يعيد "داعش" القوات البرية الأميركية إلى العراق؟

12 اغسطس 2014
تحوّلات الميدان قد تجبر أوباما على التخلي عن "الانكفاء"(Getty)
+ الخط -

بعد نحو 5 أيام على بدء المقاتلات الأميركية تنفيذ ضربات جوية ضد مواقع لتنظيم "الدولة الإسلامية"، في العراق، أعيد طرح إمكانية عودة القوات البرية الأميركية إلى أراضي بلاد الرافدين. وفي السياق نفسه، أكد مسؤول في قيادة المنطقة العسكرية المركزية في تامبا، لـ"العربي الجديد"، وجود خطط أميركية جاهزة لعودة ما يكفي من القوات البرية إلى العراق، في حال اتخذ قرار سياسي لإيقاف الخطر الناجم عن تمدد مقاتلي "داعش".

جاء ذلك في رد مقتضب على سؤال، لـ"العربي الجديد"، عن الرأي السائد في أوساط وزارة الدفاع الأميركية، بشأن الجدل المحتدم بين السياسيين المطالبين بتدخل بري، والمحذرين منه.

وأوضح المسؤول، الذي اشترط عدم الكشف عن اسمه، "نحن، في العادة، نضع الخطط الميدانية لمواجهة كل الاحتمالات، ولا نحتاج إلى توجيهات من القائد الأعلى لوضع الخطط".

يأتي ذلك في وقت تتصاعد فيه الضغوط على إدارة الرئيس، باراك أوباما، لاتخاذ إجراءات عسكرية أكثر حزماً، وسط تزايد المطالبة بإعادة إرسال قوات برية أميركية إلى العراق، في مقابل تصاعد التحذيرات من مثل هذا التورط.

وفي هذا السياق، شكك القيادي في الحزب "الجمهوري"، مرشح الرئاسة السابق، السيناتور جون ماكين، في فاعلية الضربات الجوية الأميركية لتحجيم "داعش". وقال ماكين إن "قوات الدولة الإسلامية ما زالت تحرز تقدماً، يوماً بعد آخر، ليس في العراق فحسب، ولكن أيضاً في سورية، كما بدأت تزعزع استقرار لبنان وتهدد الأردن، وامتد خطرها حتى إلى تركيا".

وانتقد ماكين، في تصريحات متلفزة، إصرار الرئيس أوباما على اعتبار "داعش" مشكلة عراقية، قائلاً إنها ليست مشكلة العراق وحده، بل مشكلة الولايات المتحدة في الدرجة الأولى، ويتحتم على أميركا مواجهتها.

وفي الوقت الذي يبدو فيه مسؤولو وزارة الدفاع أقل اندفاعاً للعودة إلى العراق من شركات المقاولات الحربية، ومن قادة الحزب "الجمهوري"، إلا أنهم أكثر حماسة للعودة، بالمقارنة مع زملائهم في المؤسسات الأمنية والاستخبارية.

وتتركز مخاوف المسؤولين الأمنيين الأميركيين، وبعض مسؤولي وزارة الخارجية، على أن تؤدي عودة القوات البرية إلى العراق إلى زيادة قوة "داعش"، وتقديم خدمة مجانية له، من خلال تقريب "العدو البعيد"، المتمثل في الجيش الأميركي، وهي أكبر خدمة يمكن أن تقدمها الولايات المتحدة لـ "داعش"، الذي لم يستطع الوصول إلى الأراضي الأميركية حتى الآن.

وبدأ مسؤولون استخباراتيون أميركيون بالتحذير من تقوية "داعش"، عبر تسريبهم معلومات عن رصدهم لمجاميع تابعة لتنظيم "قاعدة الجهاد في جزيرة العرب"، وتنظيمات أخرى، بدأ أعضاؤها ينشقون عنها متوجهين إلى العراق، للالتحاق بتنظيم "داعش"، الذي نجح في إرضاء جزء من أحلامهم بإعلانه تأسيس "دولة الخلافة الإسلامية".

وفي هذا السياق، نقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن محللين في وكالة الاستخبارات المركزية، أنهم يدرسون التأثير العكسي للضربات الجوية الأميركية، من حيث أنها قد تساعد على جذب المزيد من المقاتلين المنشقين عن تنظيماتهم في اليمن، وفي بلاد أفريقية، للالتحاق بـ "داعش".

ووفقاً لما أوردته الصحيفة، فإن العوامل، التي تجذب المقاتلين المتطرفين إلى "داعش"، عديدة، بينها أنه يمتاز بسرعة فائقة في الحركة، ولا يخشى الفشل بالمقارنة مع تنظيمات أخرى مترددة وبطيئة، تقضي مدداً طويلة في الإعداد لعمليات صغيرة. لكن هؤلاء المحللين أشاروا إلى أن المنشقين من تنظيماتهم، ليس من بينهم قيادات عليا في أي من التنظيمات المعروفة، وإنما هم أفراد عاديون. ولا يُعرف، حتى الآن، الموقف الرسمي لتنظيم "قاعدة الجهاد في جزيرة العرب"، الذي يتخذ من اليمن معقلاً رئيسياً له، ويدين أميره ناصر الوحيشي بالولاء لرجل "القاعدة" الأول، لأيمن الظواهري.

من جهتها، تتعامل إدارة أوباما مع تنظيم "القاعدة" في اليمن وباكستان وأفغانستان باستراتيجية مشابهة تقريباً لما أعلنه أوباما عن كيفية تعامله مع "داعش"، والتي ترتكز على عاملين اثنين: يتعلق الأول باستخدام الضربات الجوية الانتقائية بعيداً قدر الإمكان عن المواجهة المباشرة على الأرض، ويتعلق الثاني بتوفير الدعم وإقامة تنسيق مع الأنظمة المعنية لدفعها إلى محاربة "القاعدة"، بما يضمن عدم المخاطرة بأرواح الجنود الأميركيين.

وقد وجدت الإدارة الأميركية ظروفاً ملائمة لتطبيق هذه الاستراتيجية في تلك البلدان، إذ تستخدم الطائرات من دون طيران، وطائرات الاستطلاع، والمقاتلات الجوية، والضربات الموجهة من سلاح البحرية. في المقابل، واجهت الإدارة صعوبة في تطبيق استراتيجيتها في العراق، لأن رئيس الوزراء المنتهية ولايته، نوري المالكي، من وجهة نظر بعض المسؤولين الأميركيين، يخضع لإرادة إيران، ولم يستجب بما فيه الكفاية لإرادة واشنطن.

واعتبر مسؤولان أميركيان، على هامش حديث غير رسمي مع مجموعة من الصحافيين والمراسلين في واشنطن، بحضور مراسل "العربي الجديد"، أن التهديدات التي يمثلها "داعش" على حكومة المالكي، خدمت العملية السياسية العراقية، وخدمت الاستراتيجية الأميركية في آن واحد.

وأوضح المسؤولان أنه "لولا داعش لما تم انتخاب رئيس جديد للعراق ورئيس جديد للبرلمان، ونأمل أن يؤدي الخطر المتمثل في داعش إلى انتخاب رئيس وزراء جديد غير المالكي، كي تنجح العملية السياسية، ووضع قيادات الشيعة العرب أمام الأمر الواقع لإشراك السنة العرب، وبقية المكونات العراقية، في إدارة شؤون دولتهم من دون إقصاء ولا تهميش لأي طرف عراقي". وكل ذلك كان قبل تسمية حيدر العبادي خلفاً للمالكي في رئاسة السلطة التنفيذية.

وإذا كان تمدد "داعش" قد أدى إلى تسريع العملية السياسية العراقية، ووضع مستقبل المالكي على كف عفريت، فما الذي يمنع "داعش" من إجبار أوباما نفسه على اتخاذ قرار التدخل الأميركي في العراق؟

يطرح هذا السؤال نفسه بعيداً عن أي تشكيك في رغبة الرئيس الأميركي في تجنب التورط البري في العراق، لكن في الوقت الذي يبدي فيه أوباما ممانعة، يبدو أنها صادقة، في رفض التورط في المستنقع العراقي، إلا أن القوى والأجهزة التي قد يكون لها مصلحة في إعادة إرسال القوات الأميركية، لن تعوزها الوسائل للاستفادة من التقدم الكبير الذي تحرزه قوات "داعش"، في تقديم مبررات لأوباما قد تضعه في النهاية أمام الأمر الواقع الذي يحاول الفرار منه.

يبقى القرار الأميركي انعكاساً لما يحدث في الميدان أولاً، مما يعني أن قرار إعادة القوات الأميركية إلى العراق هو بيد "داعش"، أكثر مما هو في مقدور أوباما التحكم به. ولا يعرف على وجه التحديد ما هو العمل الذي يمكن أن يقوم به "داعش" لإجبار أوباما على اتخاذ قرار، يحاول بكل قوته الفرار منه.

المساهمون