هل يستطيع الأوروبيون مواجهة انسحاب ترامب من الاتفاق النووي؟

11 مايو 2018
يجد أوروبيون صعوبات بمخالفة السياسات الأميركية (جاك تايلور/Getty)
+ الخط -

ساعات عصيبة تعيشها السياسة الأوروبية بعد إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، انسحاب بلاده من الاتفاق النووي مع إيران، وإعادة فرض العقوبات عليها، وأن من يتعامل معها من شركات ستكون تحت طائلة التعرض لإجراءات أميركية، على حد تهديد مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، الذي أعطى الشركات الأوروبية مهلة ستة أشهر لإنهاء عقودها واستثماراتها في إيران قبل التعرض لسيف العقوبات المالية. ولأن أوروبا جزء أصيل من هذا الاتفاق، ممثلة بقواها الأكبر المشاركة في اتفاق "5+1"، أي بريطانيا وألمانيا وفرنسا، فإنها واقعة اليوم في نقاش داخلي صعب وضغوط من اللوبيات الاقتصادية صاحبة المصلحة في الحفاظ على استثمارات بقيمة 20 مليار دولار في إيران، من جهة، وبين تحالفها التاريخي والتقليدي مع الشاطئ الأميركي من الأطلسي.

والسؤال الأبرز في الجدل الدائر اليوم، وسط أجواء معبأة، هل يمكن لأوروبا خسارة سوق شريكها التجاري الأميركي مقابل السوق الإيراني؟ الأول حجمه 19 تريليون دولار، والثاني حجمه 400 مليار دولار، بحسب ما ذكّر وزير الخارجية الأميركي السابق، ريكس تيلرسون، الأوروبيين في أكتوبر/ تشرين الأول العام 2017 أثناء جولة خليجية. ولم يغب عن الأوروبيين حتى قراءة تعبير وجه وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، مساء الثلاثاء الماضي، تعبيراً عن "ضيق أوروبي واضح" إزاء قرار ترامب. هذا إلى جانب الخوف من شرخ وانقسامات بين الأوروبيين أنفسهم، وحتى داخل أحزابهم الحاكمة بين مؤيد ومعارض لخطوة ترامب. وفي كل الأحوال، لم تكن الدول الأوروبية موحدة يوماً إزاء الموضوع. لكن، وأمام ما يسميه هؤلاء فرض ترامب "سياسة الأمر الواقع"، بدأت قراءاتهم تربط بين "علاقات تاريخية" وإمكانية ذهاب دول أوروبية صغيرة لإعادة حساباتها، بالتغريد خارج سرب ما يسمونه "E3"، أي لندن وباريس وبرلين، وهو أمر يخشى ويتوجس الأوروبيون أن يقسمهم أكثر مما هم منقسمون اليوم.

ورغم أن القادة الأوروبيين يتفقون مع الأميركيين في معارضة سياسات طهران في المنطقة، واستمرار تطويرها الصواريخ الباليستية، إلا أنهم في المقابل يرون إيران سوقاً كبيراً وخاماً، فيما طهران ترى فيهم درعاً محفزاً في شأن الاتفاق النووي وتحديث التقنيات التي تحتاجها بقوة. وفي هذا الاتجاه، ترى الوزيرة الفنلندية السابقة، تارجا كورنبيرغ، العائدة أخيراً من لقاءات مع مساعدي الرئيس الإيراني، حسن روحاني، في طهران، والمعروفة بخبرتها في قضايا التسلح النووي، أن "الإيرانيين أكثر واقعية في قراءة المواقف والقدرات الأوروبية". وتقول، لصحيفة "إنفورماسيون" الدنماركية، رداً على احتمال التحاق الأوروبيين بموقف ترامب، إن ذلك ممكن بنسبة "8 من 10 في المنظور الأبعد". ويستند تقدير كورنبيرغ خصوصاً إلى محادثاتها في طهران مع أقرب مساعدي روحاني، ومع سفراء الدول الثلاث، ألمانيا وفرنسا وبريطانيا. وترى هذه الباحثة المتخصصة في الشأنين الأوروبي والإيراني أن "الدول الرئيسية الثلاث في أوروبا ليست في وضع مريح للتنصل من الموقف الأميركي، فبالنسبة للندن الخارجة من الاتحاد الأوروبي، فإنها بحاجة ماسة إلى ترامب، وترامب يحتاج لمساندة لندن". وتكشف السياسية الفنلندية أن طهران لا تراهن على "لعب الكرت الأوروبي"، وهو ما أظهره "رفض طهران لكل محاولة أوروبية، قبيل إعلان ترامب عن قراره، لإدخال تعديلات على الاتفاق"، على حد تعبيرها. واعتبر وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، أمس الخميس، أن من المهم أن تواصل إيران التمسك بالتزاماتها ضمن الاتفاق النووي الدولي، وإنّ بوسع موسكو أن تستخدم نفوذها على طهران في هذا الصدد.
التراجع الأميركي عن الاتفاق، برأي رافضيه الأوروبيين، يعني "دخول طهران في حرب باردة". في هذه الحالة، لن يستطيع قادة القارة، والشركات التي تأمل بعقود ضخمة للتصدير، تجنب الآثار السلبية للعقوبات الاقتصادية، وهو موقف بدا أكثر وضوحاً في تصريحات الوزراء الفرنسيين والبريطانيين، الأربعاء الماضي، حول ضرورة السماح لـ"الآخرين" بمواصلة تنفيذ الاتفاق، وفي رفض أن تكون أميركا "الشرطي الاقتصادي" للعالم، وتحذير باريس من أن فرنسا قد تلجأ لتقديم شكوى لدى منظمة التجارة العالمية في حال تعرضت شركاتها للمضايقة الأميركية.

وإلى جانب قلق الأوروبيين من النتائج الاقتصادية على مصالحهم، تبرز اليوم خشية أمنية أكبر، إذ أصبحت إسرائيل جزءاً أساسياً من المشهد. ويجد أوروبيون آخرون صعوبات كبيرة في مخالفة السياسات الأميركية، والإقليمية، لناحية التوجس من التدخلات الإيرانية عسكرياً في بلدان عربية. وزيرة خارجية السويد، مارغوت فالستروم، لم تكن أقل تشاؤماً من تحليلات الخبراء في تداعيات الخطوة الأميركية. فهي أيضاً "قلقة من انعكاسات الخطوة على الوضع الأمني الإقليمي، وفي عموم الشرق الأوسط، وبشكل خاص في شبه الجزيرة العربية"، على ما نقل عنها التلفزيون السويدي. وتعترف فالستروم بأن إيران لها تأثيرها في ما يجري في عدد من الدول العربية، وهي تشير إلى أن "اليمن لا يحتاج مزيداً من التوترات بين إيران والسعودية على أرضه، ولا إلى توتر إضافي بين إسرائيل وإيران". وتذهب فالستروم في طرح مخاوفها من تطورات المستقبل، بناء على أن "السيناريو الأقرب هو انسحاب الإيرانيين لاحقاً من الاتفاق، الذي حد من قدرة طهران على إنتاج سلاح نووي".