هل تسمح فرنسا بعودة الداعشية إميلي كونيغ المطلوبة دولياً؟

قضية الداعشية إميلي كونيغ تشغل فرنسا...والسماح بعودتها يفتح ملف الجهاديين على مصراعيه

16 يناير 2018
الجهادية الفرنسية إميلي كونيغ المعتقلة لدى الأكراد(فرانس برس)
+ الخط -
تشغل قضية الفرنسية الجهادية إميلي كونيغ التي تطالب بالعودة إلى بلدها، المعتقلة حالياً لدى وحدات الدفاع الشعبي الكردية YPG، القضاء الفرنسي والرأي العام والصحافة، حتى السياسة والسياسيين الذين يهابون فتح باب عودة الراغبين أو التائبين بعد سقوط مشروع "تنظيم الدولة الإسلامية"، ما يعني أن على فرنسا التعامل مع المئات من مواطنيها وأطفالهم الذين وُلدوا في سورية والعراق وسط أجواء التشدد والحرب. ويشار إلى أن 1700 فرنسي انضموا للجهاديين في العراق وسورية، منذ عام 2014.

"الداعشية" إميلي كونيغ، المعروفة باسم "أم التواب"، لم تكن عنصراً عادياً في تنظيم "داعش" الإرهابي الذي التحقت بصفوفه عام 2012، بل كانت ذراعاً إعلامية ناشطة لدى التنظيم عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وتمكنت إلى جانب مهماتها القتالية والترويج للفكر المتطرف حتى عام 2014، من تجنيد نحو 200 فرنسي قدموا إلى العراق وسورية، إضافة إلى مهمات ضرب المصالح الفرنسية، خصوصاً مجندات الجيش الفرنسي، لا سيما في دولة مالي.

وتنقسم مواقف السياسة والقضاء في فرنسا بين قبول عودة الجهاديين وأطفالهم ومحاكمتهم أمام المحاكم الفرنسية كونهم مواطنين فرنسيين، وبين معارضين لتلك العودة ومغالين في المعارضة ممن يدعون إلى إسقاط جنسية من اختار التطرف وارتكاب أعمال إرهابية، منعاً لتداعيات قضاياهم وتشعباتها وما يمكن أن يؤثر مستقبلاً على أمن البلاد واستقرارها.

الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون صرح، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قبل طرح قضية عودة كونيغ، قائلاً "إن القرارات المتعلقة بالسماح للنساء والأطفال بالعودة من العراق وسورية، ستُتخذ على أساس كل حالة على حدة".

في حين قال المتحدث باسم الحكومة، بنيامين غريفيوكس، في تصريح نقلته الصحافة الأسبوع الماضي "إن فرنسا تفضّل محاكمة مواطنيها في المكان الذي يقبض عليهم فيه، شرط أن تكون هناك مؤسسات قضائية قادرة على منحهم محاكمة عادلة".

أما المحامية ماري دوسيه، التي تتابع قضية امرأة فرنسية انضمت للجهاديين وتريد العودة إلى بلدها مثل إميلي كونيغ، فعلّقت على مسألة المحاكمات قائلة: "إنهن موجودات في الجزء الكردي من سورية، ولا يوجد دولة كردية لمحاكمتهن هناك".



قضية إميلي كونيغ تتفاعل
 

بعد مناشدتها حكومة بلدها، عبر أحد المحامين، للعودة إلى فرنسا ومثولها أمام القضاء، واتصالها بوالدتها طالبة العفو والمسامحة، معربة عن ندمها، بدأت الاتصالات بالجهات المعنية من وزارة الخارجية والقضاء لبحث القضية واحتمالاتها، في حين اعتبر محامون أن "السلطات الفرنسية ملزمة بقبول عودتها، ومن واجبها محاكمتها".

وتأخذ حالة إميلي كونيغ منحى أكثر حساسية، كونها نجحت في التأثير في أوساط الشباب الفرنسي وتجييشهم لخدمة فكر التنظيم وعسكرته، وأدرجتها وزارة الخارجية الأميركية في قائمة أكثر الجهاديين المبحوث عنهم عام 2015.



وتحدثت إميلي عبر فيديو نشره التنظيم الكردي عبر صفحته على "تويتر" في الثامن من يناير الجاري، كيف انتقلت من فرنسا إلى سورية، والطريق الذي سلكته عبر تركيا. كما ذكرت أن اتصالها بوالدتها طلباً للمساعدة قبل نحو أسبوعين، الذي أخبرتها فيه عن معاناة الاعتقال، لم يكن سوى نتيجة سماعها عمّا يحصل في مخيمات الأكراد من تعذيب واعتداءات ودعارة، مشيرة إلى أن الأمور جيدة في معتقلها، وكل شيء متوفر من طعام ولوازم للأطفال، وإن التحقيق معها جرى بدون أية مشاكل.

موقع التنظيم الكردي الإلكتروني أشار إلى أن كونيغ غادرت فرنسا من مطار شارل ديغول إلى إسطنبول، أواخر 2012، ومنه إلى كيليس في غازي عنتاب، ثم عبرت من معبر باب السلامة إلى إعزاز داخل سورية. وأشار إلى أنها تلقت التدريبات الفكرية والعسكرية ضمن صفوف "داعش"، وانضمت للتنظيم عن طريق أبو محمد الإندونيسي المغربي الأصل. 

وبالطبع لا يمكن الحسم في دقة المعلومات التي أدلت بها كونيغ في تلك الحالة، كون التنظيم الكردي هو من صوّر الفيديو وأطلقه. ويعود اعتقالها إلى أكتوبر/تشرين الأول 2017 عند سقوط عاصمة "تنظيم الدولة الإسلامية" الرقة.

 



من هي إميلي كونيغ؟
 
الجهادية الفرنسية حملت ثلاثة أسماء منذ ولادتها، فهي إميلي كونيغ عند الولادة، وسمرا وهو الاسم الذي اختارته عند اعتناقها الإسلام مع بلوغها السابعة عشرة، وتكنّت باسم "أم التواب" بعد ارتباطها بجماعة "فرسان العزة" الإسلامية المتطرفة عام 2012، قبل انتقالها إلى سورية والالتحاق بـ"تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش).



وإميلي كونيغ، هي أم لطفلين فرنسيين وثلاثة أطفال ولدتهم في سورية. وفي صيف عام 2012، بدأت بتجنيد الفرنسيين لصالح "داعش"، عندها حظرت وزارة الاقتصاد والمالية "أي حركة أو تحويل أموال لصالح" هذه الشابة، مؤكدة أن الأخيرة تخطط "للذهاب قريبا إلى منطقة قتال أجنبية من أجل الجهاد المسلح". وفي نهاية عام 2012، وصلت إلى حلب في سورية وانضمت إلى مجموعة مقاتلات، واستمر نشاطها عبر شبكات التواصل الاجتماعي حتى صيف عام 2014.

الجهادية الفرنسية إميلي كونيغ المعروفة باسم أم التواب(تويتر) 



جددت الصحافة الفرنسية، الأسبوع الماضي، تسليط الضوء على قضية كونيغ، التي تطالب بالعودة إلى وطنها، مستفيدة من المعلومات التي وردت في مقابلة أجرتها صحيفةl’edition du soir مع والدة إميلي، مطلع يناير/كانون الثاني الجاري، بخصوص اتصال هاتفي تلقّته الأخيرة من ابنتها في سورية، قبل بداية 2018 بأيام قليلة، حدثتها خلاله عن صعوبات عيشها في مخيم للاجئين تابع للقوات الكردية، بعد إلقاء القبض عليها، في ديسمبر/كانون الأول 2017، في منطقة المعارك، وعن نقص الغذاء وصعوبة الإقامة.

وتشير الأم إلى أن اتصالاً سابقاً أجرته الابنة مع والدتها، في يوليو/تموز 2017، أخبرتها فيه أن منزلها تعرّض للقصف، وأنها أصيبت بحروق جزئية، وأنها تريد العودة، وطلب العفو من عائلتها وصديقاتها وبلدها. وأعربت عن أسفها ورغبتها في رد الدَيْن لفرنسا.

وتضيف الأم أنها اتصلت بوزارة الخارجية الفرنسية طلباً للمساعدة في استرجاع ابنتها، فنصحوها بأن ترد الأخيرة الجميل للجنود الفرنسيين، في إشارة إلى دورها في تجنيد مهاجمين للقوات الفرنسية في مالي.

وتقول الأم السبعينية إن إميلي غادرت إلى سورية أواخر عام 2012، تاركة ولديها الصغيرين من زوجها الفرنسي الجزائري خلفها، وعمرهما اليوم 10 و12 عاماً، ويعيشان في كنف جدتهما. وتزوجت من مقاتل فرنسي في صفوف "داعش" قُتل في الموصل في العراق عام 2015، وأنجبت منه طفلها إبراهيم عام 2015. في حين أن لديها توأما هما مروة وصفاء اللتان ولدتا في 2017 من أب آخر.


مسيرة نحو النقاب والتطرف


إميلي كونيغ، الفرنسية المولد عام 1984 لأسرة كاثوليكية، غادر والدها الشرطي المنزل عندما كانت في الثالثة. رأته مجدداً وهي في الحادية عشرة، لكنه غادر إلى غير رجعة، بعد أن زارها في منزلها وكانت على وشك ولادة طفلها الثاني، وصدمته آيات القرآن المعلقة على الجدار، وعلْمه بأنها أصبحت مسلمة.

هي الشقيقة الرابعة لثلاثة أشقاء من ثلاثة آباء مختلفين، أمها تزوجت صغيرة جداً وعانت كثيراً في طفولتها. تلك الظروف المجتمعة حولت حياة إميلي إلى فوضى عائلية عارمة. بين عمر 11 و13 عاماً تعرضت لسوء المعاملة من أحد أصدقاء أمها. وفي عمر 15 عاماً تركت المدرسة، واتجهت إلى التدريب المهني، وعملت في بيع الملابس والماكياج.



في عمر 17 عاماً اعتنقت الإسلام، واتخذت لنفسها اسم "سمرا"، وتعلمت اللغة العربية. لكن ذلك لم يمنعها من قبول العمل وهي في الثامنة عشرة، في ملهى ليلي في بارميد، استمر سنوات. تعرفت هناك إلى جزائري وحملت منه، وتزوجا وهي في الثالثة والعشرين، لكنه ما لبث أن سُجن لتهريبه المخدرات، وتوالت فترات سجنه تباعاً، إما بسبب العنف المنزلي، وإما بسبب التهريب.

وتقول إنه كسر أنفها مرات عدة من شدة الضرب. لكنها أعادت بناء نفسها بفضل "الأخوات والإسلام". وفي عام 2011، خرج الزوج من السجن ليعود إلى البيت ويعتدي عليها، ما دفعها للانتقال إلى بولونيا الفرنسية، بعيداً عن باريس.

في سن 25 عاماً تعرفت الفتاة إلى "فرسان العزة" التي هيأت لها ظروف التغيير الجذري في حياتها. أخذت على إثرها قرار تغطية جسدها بالكامل، عبر النقاب.



من خلال البحث التوثيقي المصور الذي أجرته عالمة الاجتماع الفرنسية أنييس دي فيو عن "النقاب"، وعملت عليه منذ عام 2012 بالتعاون مع المحلل النفسي الفرنسي إريك سمادجا، عالم الاجتماع رفائيل ليوجير، وأنجز عام 2016 ونُشر على يوتيوب في الثاني من يناير الجاري، هدف إلى التعرف على أسباب ودوافع اختيار النساء ارتداء النقاب، وتمكنت في سياقه من مقابلة إميلي، أي سمرا، في 23 إبريل/نيسان من عام 2012، قبل مغادرتها إلى سورية. ووفق الباحثة، فإن أولى المقابلات التي أجرتها دي فيو مع الفرنسية الجهادية جرت أمام مبنى قصر العدل في باريس، حيث كانت تعقد جلسة استماع لقائد جماعة "فرسان العزة" الإسلامية المتطرفة، محمد الشملان، بعد شهر من إلقاء القبض عليه.

وأوضحت دي فيو أن سمرا كانت تغطي وجهها بكمامة طبية بدل النقاب في ذلك اليوم، كي تسمح لها المحكمة بالدخول لمتابعة مجريات محاكمة الشملان. وأشارت إلى أن سمرا ارتدت النقاب قبل حظره في أكتوبر/تشرين الأول 2010 في فرنسا.


ورأت الباحثة أن ما يميز سمرا عن باقي النساء المنقبات، أن الأخيرة لم تحاول الادعاء بأنها نموذج للفضيلة، بل أفصحت عن ضعفها، وعن أخطاء ارتكبتها في شبابها، ورغبتها في الرجال، وعملها في ملهى بارميد الليلي في لوريان، في الفترة التي اعتنقت فيها الإسلام. كما تحدثت عن الكابوس الذي عاشته مع زوجها العنيف.

واستخلصت دي فيو أن النقاب بالنسبة لسمرا كان بمثابة سعيها لتصحيح مسار حياتها. و"هو مظهر يغطي فشلها، ويخفي مشاعر العار الراسخة داخلها، ويساعدها على استعادة شرفها المفقود، ويمثل لها نهج التقوى المطلق"، بحسب تحليل الباحثة. ومما قالته المتشددة الفرنسية التي ارتدت النقاب بعمر 25 عاماً: "عشت أشياء غريبة في حياتي، لكن الإسلام دعاني. التقيت حباً غير مشروط هو حبي لله، وأفعل كل شيء في سبيله". وعن تقرّبها من "فرسان العزة" السلفية، تقول: "لم أعد وحدي. هناك إخوة يدافعون عني".





خيارات إميلي وفق التحليل النفسي
 

يرى المحلل النفسي الفرنسي إريك سمادجا، الذي التقاها في سياق إعداد البحث أيضاً، أن ارتداء إميلي للنقاب "دليل ملموس على تغييرها الجذري لحياتها، وعلى رغبتها في البحث عن مظهر من مظاهر الفضيلة، إضافة إلى أنه يخفي هويتها، ويبعدها عن عيني زوجها لو أراد ملاحقتها". وقال: "عندما يلاحق الفشل محطات كثيرة في حياة سمرا، نجدها تسعى لإعادة تقييم ذاتها، ويأتي النقاب كأنه الصورة السحرية لشخصها، التي تداوي جراحها".

أما عالم الاجتماع رفائيل ليوجير، الذي قابل سمرا بدوره، فيقول إنه يتذكر هشاشتها، و"أنها تواجه صعوبة في بلورة هويتها، فتحاول حلّها بفضل أداة صارمة ترمز للإسلام، وهي النقاب". ووافقه سمادجا الرأي وقال: "النقاب يسمح لهؤلاء النسوة بالتعبير عن وجودهن، مقبولاً كان أم مرفوضاً. هناك جانب مازوشي واضح، لأنهن يتعرضن بسببه للاضطهاد. وهو في الوقت نفسه يساعدهن على بناء هوية فردية هشة، يسعين إلى إصلاحها عن طريق التجاوز والاستفزاز. إنها ليست مسألة دينية، بل هوية صارمة".

شكت إميلي من المضايقات التي تواجهها في الشارع، التي تذكّرها دوماً بأن مظهرها محظور وفق القانون. وأشارت إلى توقيفات الشرطة المهينة لها للتأكد من هويتها، وتعليقات الناس في السوق بأن نقابها ممنوع.

 

ما بعد النقاب


أتاحت شبكات التواصل الاجتماعي لسمرا الفرصة للتعرف على "رجل مسلم متدين ومثالي" بحسب وصفها. وتشير إلى أنه كان سعودياً يدرس الطب في ألمانيا، وعرض عليها الزواج بعد تخرّجه، شرط تخليها عن نقابها، لكنها رفضت، على اعتبار أن ذلك من الخطايا.

ثم تعرفت إلى بلجيكي اعتنق الإسلام وكان من مرافقي بن لادن السابقين، وتحتفظ بصورته وهو حليق الرأس بعد عودته من العمرة في مكة. وحزنت لمقتله، وأبدت فخرها لارتباطها بشخص كان "مطلوباً من الأمن ومسجلاً خطراً".

ويبدو أن الفشل لاحق سمرا بعد التزامها، وتقول الباحثة دي فيو إن سمرا اتصلت بها مرات عدة قبل مغادرتها إلى سورية، وعبّرت عن ضيقها الشديد، ليس فقط من مواجهات الشارع والفضاء العام، وإنما بسبب صديقها البلجيكي المخادع الذي حلمت به زوجاً في المستقبل، لأنه نشر صورتها عارية على شبكة الإنترنت، وهي الصورة التي طلبها منها كعربون على ثقتها به.

ويذكر المحلل النفسي رجا بن سلامة: "أن الجانب الجنسي مهم جداً في الجهادية. إنها ثورة شباب، ثورة جنسية، إلا أنها تقوم على أيديولوجية الجهاد. يجعل الحب ممكناً باسم الله، والعلاقات حرة تحت ستار الدين".



المساهمون