هدنة شرق أوكرانيا: هل تمهد التهدئة الموسمية لتسوية نهائية؟

هدنة شرق أوكرانيا: هل تمهد التهدئة الموسمية لتسوية نهائية؟

27 يوليو 2020
تقتضي الاتفاقات الجديدة الالتزام بالوقف الشامل لإطلاق النار (فالنتين سبرينشاك/Getty)
+ الخط -

في محاولة جديدة لوقف إطلاق النار في منطقة دونباس شرق أوكرانيا، بدأ منذ منتصف ليل اليوم الإثنين سريان مفعول الهدنة بين الجيش الأوكراني وقوات "جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين" المعلنتين من جانب واحد، والمدعومتين من روسيا، بالإضافة إلى الاستعدادات الجارية لعملية جديدة لتبادل الأسرى.

وجاء الاتفاق على الهدنة نتيجة لاجتماع مجموعة الاتصال الثلاثية المعنية بتسوية النزاع في دونباس (التي تشمل ممثلين عن أوكرانيا وروسيا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، بالإضافة إلى ممثلي جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك) يوم الأربعاء الماضي، والذي وصفه مكتب الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، بأنه "اختراق" في عملية مينسك للتسوية الأوكرانية، ونحو إجراء الانتخابات المحلية في المنطقة.

وتقتضي الاتفاقات الجديدة الالتزام بالوقف الكامل والشامل لإطلاق النار بدءاً من منتصف ليل اليوم وحتى التسوية الكاملة للنزاع في دونباس، وتسليم قوائم الأسرى للتبادل.

وأثار التوصّل إلى الاتفاق رضا موسكو التي قالت على لسان مندوبها بمجموعة الاتصال، بوريس غريزلوف، إنّ "الجانب الأوكراني وجد في نفسه شجاعة لتنسيق إجراءات وقف إطلاق النار".


يسعى كل طرف لتفسير اتفاقات مينسك لصالحه، مما يحول دون تحقيق أي اختراق

ومع ذلك، يشكك المحلل السياسي المتخصص في الشأن الأوكراني، ألكسندر تشالينكو، في فرص نجاح الهدنة "الموسمية" الحالية في تحقيق تسوية مستديمة شرق أوكرانيا، في ظلّ إصرار كل طرف على تطبيق اتفاقات مينسك للسلام المبرمة عام 2015، حسب رؤيته هو.

ويقول تشالينكو في حديث لـ"العربي الجديد": "ليست هناك مفاجأة كبيرة في إعلان الهدنة، إذ يتم الاتفاق عليها في مثل هذا التوقيت من كل عام لجني المحصول الزراعي وعدم إتلافه، ويتم الالتزام بها دائماً، شأنها في ذلك شأن هدنة بداية العام الدراسي الجديد في 1 سبتمبر/أيلول من كل عام. كما أنه لا تجري أعمال قتال نشطة في الأوضاع الراهنة حتى من دون إعلان الهدنة".

ويقلل تشالينكو من إسهام الهدنة في تحقيق تسوية نهائية في أوكرانيا، موضحاً: "هناك أحاديث بقرب توصّل مسؤول الملف الأوكراني بالكرملين، دميتري كوزاك، ومدير مكتب زيلينسكي، أندريه يرماك، إلى اتفاق حول تحقيق اتفاقات مينسك، ولكن هذا وهم. يسعى كل طرف لتفسير اتفاقات مينسك لصالحه، مما يحول دون تحقيق أي اختراق". ويعتبر أنّ الوضع في دونباس بات يشبه مأزق إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية في جورجيا في تسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من القرن الجديد، قائلاً: "لم يهدأ الوضع في أبخازيا وأوسيتيا والجنوبية إلا بعد تدخل موسكو واعترافها باستقلالهما في عام 2008، فأدركت جورجيا أنها غير قادرة على مواجهة الجيش الروسي. ومع دخول النزاع شرق أوكرانيا عامه السابع، ربما ستتجه روسيا للاعتراف بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك أيضاً في مرحلة ما".

تفسير اتفاقات مينسك

استبق زيلينسكي بدء تطبيق وقف إطلاق النار بزيارة القوات الأوكرانية على خط التماس في مقاطعة لوغانسك برفقة نظيرته السويسرية، سيمونيتا سوماروغا، يوم الخميس الماضي، حيث ألقى خطاباً حول النزاع في دونباس طالب خلاله بالتفسير المفصل لكل بند من بنود اتفاقات مينسك، داعياً "رباعية نورماندي" التي تضم كلاً من روسيا وأوكرانيا وفرنسا وألمانيا، إلى المصادقة على اتفاق الهدنة.


دونيتسك قبلت ببعض التنازلات، حين وافقت خطياً على تغيير مواقع نشر الأسلحة

وفي هذا السياق، يعتبر مدير "مركز دراسة السياسات والنزاعات في كييف"، ميخائيل بوغريبينسكي، أنّ اتفاق الهدنة يستحق الترحيب به، قائلاً في حديث لصحيفة "فزغلياد" الروسية: "حدث ذلك أخيراً. قبلت كييف بعدد من التفاصيل التي كانت ترفضها، وهذا إظهار لإبداء التعاون. كما أنّ دونيتسك قبلت ببعض التنازلات، حين وافقت خطياً على تغيير مواقع نشر الأسلحة حتى تكون بعيدة عن الأماكن التي يقطنها المدنيون. هذه مهمة صعبة، لأنّ جهة الجبهة التي تسيطر عليها كييف لا يقطنها عدد كبير من السكان، على عكس تلاحم المدن بخط التماس على الجهة الأخرى. لذلك كانت هناك صعوبات في إبرام مثل هذا الاتفاق".

ومع ذلك، يشكك بوغريبينسكي في صدق نوايا زيلينسكي بصنع السلام، قائلاً: "باختصار، يكمن جوهر اتفاقات مينسك في إعادة اندماج دونباس بشروط الحكم الذاتي، وهو أمر يرفضه زيلينسكي وفريقه. والآن، يطالب الرئيس بأن توقع رباعية نورماندي كاملة على الاتفاق الجديد. في الواقع، اتفقت كييف على وقف إطلاق النار مع جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، ولكن زيلينسكي لا يستطيع النطق بذلك، بل يريد توقيعاً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حتى تستطيع كييف إعلان روسيا طرفاً للنزاع".

ومع ذلك، يشيد الباحث السياسي الأوكراني بطلب زيلينسكي تفسير اتفاقات مينسك، قائلاً: "هذا أفضل من تصريحاته السابقة بأن كييف لن تقبل إلا بشروطها هي، أي بسط السيطرة على الحدود أولاً وما إلى ذلك. نصّ الاتفاقات يتطلّب تدقيقاً فعلاً، وتكفي الإشارة إلى أنّ التواريخ المذكورة فيه فاتت منذ فترة طويلة. يريد زيلينسكي الإظهار أنه يحتاج إلى عملية مينسك وعقد لقاء جديد في إطار نورماندي".

يذكر أنّ زيلينسكي أعلن أخيراً أنه سيتم قريباً تحديد تاريخ عقد قمة جديدة في إطار "نورماندي" في برلين، إلا أنّ وكالة "نوفوستي" الحكومية الروسية نفت ذلك نقلاً عن مصدر مطلع.

المساهمون