نكبة الطائرة الجزائريّة تطال لبنان: 20 ضحيّة
علم فايز ضاهر بأن أمراً ما حصل عندما لم تتّصل به زوجته المسافرة رندة لطمأنته على مسار رحلتها إلى لبنان. فقد اعتادت رندة أن تتصل به لتُبلغه بوصولها إلى كلّ محطة مع أولادها في الرحلات السابقة. اتّصل الأب بالسلطات في مطار واغادوغو، عاصمة بوركينا فاسو، فأبلغوه عن فقدانهم الاتّصال بالطائرة الجزائرية بعد خمسين دقيقة على إقلاعها.
اتصل بعائلته في لبنان، وأبلغهم بالأمر عند الساعة الواحدة ظهراً. في ذلك الوقت، كانت العائلة تستعدّ لاصطحاب رندة وعلي وصلاح وشيماء من مطار بيروت الدولي. أكملت مسارها إلى المطار رغم علمها بالموضوع، علّها تحصل على معلومة من هنا أو هناك. لكن لا شيء. سألت العائلة السلطات اللبنانيّة في المطار، ولا شيء أيضاً. فعادت أدراجها إلى صريفا (جنوبي لبنان) فارغة اليدين.
تعيش العائلة في بوركينا فاسو منذ 12 عاماً، وقبلها كانت تعيش في داكار. غادرت الأم رندة بسمة، وأولادها علي ضاهر (17 سنة)، وصلاح ضاهر (15 سنة)، وشيماء ضاهر (5 سنوات) بوركينا فاسو إلى لبنان في زيارة لقضاء عيد الفطر في لبنان مع العائلة. كان من المقرّر أن يلحق فايز بعائلته في الثاني عشر من الشهر المقبل.
تسأل إحدى أخوات فايز: "ما هذه العيديّة؟ وما هذا العيد؟".
زيارة العائلة كانت من المفترض أن تتم بعد أربع سنوات لم تزر فيها عائلة فايز ضاهر لبنان. تروي العمّة المفجوعة بأولاد أخيها، أن علي قال لها في الاتصال الأخير: "اشتقتُ لكم يا عمّتي. نحن آتون لقضاء العيد معكم قبل سفري إلى فرنسا لإنهاء دراستي الجامعيّة". تبكي العمة مجدداً، وتتابع حديثها: "تخرّج علي منذ شهر واحد فقط من المدرسة".
لم تتّصل وزارة الخارجيّة اللبنانية بالعائلة لإبلاغها بأيّ أمر على الإطلاق. هذا ما يؤكده أهل الضحايا في صريفا الغارقون بين الدموع ومشاعر الغضب. تابعت العائلة أخبار الطائرة المتحطمة عبر وسائل الإعلام، علّها تحصل على خبر يثلج قلبها. لا شيء أيضاً. تضيف أخت فايز: "ليس هناك دولة لتسأل عن مواطنيها أصلاً".
تتمنى إحدى أخوات فايز، الناجي الوحيد من الأسرة، أن يكون الضحايا أحياء. رغم ذلك، تبكيهم، وتندُبهم: "ماتوا كُلّهم. لم يبقَ أحد. يعيشون منذ عشرين سنة في الغربة، عملوا وتعلّموا، ثم ماتوا. هكذا فقط، ماتوا". تُرفق كلامها بمناجاةٍ كثيرة لله، فتحمده على كل شيء، ثمّ تطلب منه مجدداً أن يكونوا أحياء. تتمسّك العائلة ببصيص أمل ليكون هناك ناجٍ وحيد على الأقلّ من الأسرة.
لم تكن هذه المرة الوحيدة التي تُصاب فيها العائلة بهذا النوع من الفواجع. فقد توفي أفراد منها في السابق بحادث تحطم طائرة "كوتونو"، قبل سنوات.
تصل صورة فايز يجلس وحيداً في منزله في بوركينا فاسو، وهو يبكي عائلته، عبر تطبيق "واتس آب". يتأمّلها كلّ فرد من العائلة، ثم ينهمرون بالبكاء جميعاً. كلمات وحيدة يردّدها الجميع: "عشرون سنة، ضاعت هكذا!".
وكانت وزارة الخارجية اللبنانية قد أعلنت، في بيان، عن تشكيلها وفداً من مدير عام المغتربين، هيثم جمعة، وأمين عام "الهيئة العليا للإغاثة"، محمد خير، وضابط من الأمن العام ليتوجّه إلى مكان سقوط الطائرة الجزائريّة لمتابعة ملف الضحايا اللبنانيين على الطائرة. وعُرف من الضحايا اللبنانيين، بالإضافة إلى عائلة ضاهر: جوزيف جرجس الحاج، فادي رستم، عمر البلان، منجي حسن وزوجته وأولادهما الأربعة، محمد فيصل أخضر وبلال دهيني وزوجته وأولادهما الأربعة.
وكانت الطائرة تُقلّ 116 راكباً، بينهم 51 فرنسياً و26 من بوركينا فاسو و7 جزائريين هم طاقم الطائرة.