نصف سكان إسطنبول وحيدون وغير سعداء

14 ديسمبر 2019
ظروف الحياة بالمدن الكبرى تؤثّر على سكانها (مؤمن فايز/Getty)
+ الخط -

تُعَدّ السعادة مؤشراً أساسياً عند تناول جودة حياة الأفراد، أينما وُجدوا، كذلك الأمر بالنسبة إلى الوحدة

يشعر نصف سكان مدينة إسطنبول الكبرى، البالغ عددهم نحو 20 مليون نسمة، بالوحدة وعدم السعادة، والنسبة الأكبر بين الشباب. هذا ما خلصت إليه دراسة بعنوان "إحساس الوحدة"، أعدّها طلاب قسم علم الاجتماع في كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية التابعة لجامعة أوسكودار التركية الخاصة، معيدين ذلك إلى عوامل عدّة تتعلّق بالحياة الاجتماعية عموماً وكذلك العمل، على الرغم من أنّ المدينة تُعَدّ قبلة للأتراك والوافدين إلى تركيا الذين يرون فيها فرص العمل وكسب المال، بالإضافة إلى كونها مركزاً تجارياً مهماً على مستوى العالم.

والنتائج التي أُعلن عنها في نهاية ندوة دولية، كشفت خريطة الشعور بالوحدة في إسطنبول، من خلال مسح ميداني شمل مناطق إسطنبول البالغة 39 منطقة، في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مع عيّنة 1300 شخص. وتراوحت أعمار الأشخاص الذين شملهم المسح الميداني ما بين 18 و55 عاماً، من كلا الجنسين ومن مختلف المستويات العلمية والاجتماعية والمادية. والدراسة التي ارتكزت على مقابلات وجهاً لوجه هدفت إلى تحديد الأسباب التي تؤدّي إلى الشعور بالوحدة، فأتت النتائج "مفاجئة". وأفاد 53 في المائة من الأشخاص المستطلعة آراؤهم بأنّهم يشعرون بالوحدة، منهم 36 في المائة يعيشون وحيدين، ما أدّى إلى عدم شعورهم بالسعادة. وأتى ذلك بارزاً بين الأشخاص العازبين والمطلقات والأرامل والذين يعيشون في مستويات معيشة منخفضة والمغتربين والذين يعيشون وحدهم في منزل أو مع أصدقاء، بالإضافة إلى طلاب يعيشون في السكن الجامعي.

الذكور والإناث على حدّ سواء

وبيّنت الدراسة نفسها أنّ الفرق الجنسين لم يكن له دوره في الشعور بالوحدة وعدم السعادة، إذ شمل الذكور والإناث على حدّ سواء. ولفتت إلى أنّ المشمولين بالدراسة الذين يشعرون بالوحدة وجدوا في اللجوء إلى الإنترنت لقضاء الوقت أو الانشغال بالتنظيف أو النوم مجالات للهروب من الوحدة. وقد جاءت زيارة موقع "يوتيوب" ومشاهدة تسجيلات الفيديو من بين أبرز الفسح التي يهرب إليها من يشعر بالوحدة.



وأوضحت الدراسة أنّ نتائج البحث تظهر بطريقة لا تدع مجالاً للشكّ، أنّ الحلّ للتخلص من الإحساس بالوحدة هو في قضاء وقت مع العائلة. وعُدّ ذلك الطريقة الأفضل لتجاوز المشاكل المتراكمة من جرّاء الشعور بالوحدة، إذ إنّ الحوار والحديث مع الأهل والأصدقاء يؤدّي إلى إزالة أسباب الوحدة، فضلاً عن استقبال الضيوف، والمشاركة في النشاطات الاجتماعية أو الفعاليات الدينية وغير ذلك.

ولا شك في أنّ ظروف الحياة في المدن الكبرى لها تأثيرها القوي على حياة الناس، خصوصاً إذا كانت تضمّ ثقافات متعدّدة في مكان واحد وسط نظام عمل قاس وحياة صعبة تتطلب مزيداً من الجهد لمواكبة رفاهية الحياة. وهذه حال تشبه كثيراً حال المدن الكبرى حول العالم، لا سيّما أنّ إسطنبول كانت مقصد هجرات داخلية كبرى على مدى عقود بالإضافة إلى الهجرات الخارجية في الأعوام الأخيرة.

حرية فردية

في تعليق على دراسة "إحساس الوحدة"، يشير الدكتور جلال الدين أكتاش وهو أستاذ محاضر في جامعة إسطنبول التجارية، إلى أنّ "نتائجها لا تُعَدّ صادمة بشكل كبير، بل هي مفاجئة لجهة رغبة الأتراك من بقية الولايات في التوجّه إلى إسطنبول، فضلاً عن تشكيلها مركز استقطاب وحلما لعدد كبير من الأجانب. وهذه الدراسة تأتي لتوضح حقيقة أنّه ليس كلّ ما يلمع ذهباً".



وعن رأيه في الأسباب التي تؤدّي إلى مثل هذه النتيجة، يقول "أظنّ أنّ ظروف العمل الصعبة في إسطنبول مضافة إلى مساحتها الجغرافية الكبيرة وترامي أحيائها، لها دور كبير في النتائج. كذلك تأتي الحياة الاجتماعية وحقوق المواطنين وارتفاع قيم الحياة الاجتماعية، فالمجتمع يتقبّل حياة الناس كمنفردين، سواءً من المتزوجين أو المطلقين، وذلك نابع من احترام الحرية الفردية". يضيف أنّ "مطلب الحرية الفردية يدفع الشخص المعني إلى الشعور بالوحدة بعد فترة من الزمن، على الرغم من الإحساس بالحرية".

أمّا في ما يتعلق بشعور الشباب الذين يعدّون شريحة مفعمة بالطاقة والحيوية، فيعيده أكتاش إلى "تطوّر العالم الافتراضي، خصوصاً المؤثّرات التي تتيح للشباب الدخول إلى عوالم أخرى"، شارحاً أنّ هؤلاء "يجدون فيها بديلاً مطمئناً لهم، نتيجة ظروفهم الاجتماعية السابقة. بالتالي يمكن أن يُحكى عن خيارات استبدال وتبديل من خلال سلاح سهل جداً يستطيعون بواسطته مسح ما لا يرغبون فيه". ويكمل أنّ "ثقافة الاستهلاك تعزّزت، الأمر الذي ينعكس عليهم ويجعلهم ينعزلون ويجدون في شبكات التواصل الاجتماعي ملجأً يهربون إليه، في حين أنّ الشرائح الأخرى تأثّرت بظروف الواقع الاجتماعي وظروف العمل، فباتت تشعر بالحزن وعدم السعادة والوحدة في الوقت نفسه".