نبيلة السيد: الفنانة التي لا نستحقها

24 مارس 2016
نبيلة من أهم الكوميديانات الموهوبات لكنهاسقطت من الذاكرة(مواقع التواصل)
+ الخط -


نبيلة السيد على خشبة المسرح تقدم مسرحية "المغفل"، بمشاركة عبد المنعم مدبولي وأمين الهنيدي وماجدة الخطيب، وتلعب دور أم للفنان فهمي الذي لعب دور "عم لالو" في مسرحية "سيدتي الجميلة" وعمرها لم يتجاوز الـ30 عاماً، وهو بلغ من العمر أرذله، ترتدي باروكة بيضاء وخلال مشهد مسرحي أمام الراحل زكريا موافي ينفعل ويحرك يده فتطير الباروكة لتغادر خشبة المسرح باكية للسيد بدير مخرج المسرحية وهي تقول:
-عمري وقع على المسرح.


في الحقيقة ضاع عمر نبيلة السيد بأكمله في الفن ولم تحصل على التقدير اللازم، كانت ومازالت أهم الكوميديانات في التاريخ الفني العربي لكنها كعادة كل الموهوبين بصدق سقطت من الذاكرة.

البداية:
كانت ابنة برج الأسد المولودة في السابع من أغسطس/آب ١٩٣٨، مهووسة بالتمثيل لدرجة أنها قدمت أول أدوارها في فيلم "غزل البنات" أمام الرائع نجيب الريحاني وعمرها لم يتعدّ الأحد عشر عاماً، ومن منا ينسى ما قالته عن الأسد.

انضمت الفنانة الراحلة لمعهد التمثيل ثم مدرسة ساعة لقلبك، باحثة عن نصف فرصة لإشباع هوسها بالتمثيل لتقدم خلال عمرها القصير -٤٨ عاماً- ما يقرب من 130 عملا فنيا.

كانت تملك صوتاً شبيهاً بصاجات بائع العرق سوس، ما إن تتحدث حتى تبل ريق ضحكة المشاهد بكراكتير متجدد قوي واضح قادر على الإضحاك بصورة عبقرية.

السنيدة:
مرة أخرى على خشبة المسرح ولكن هذه المرة في مسرحية "البيجاما الحمراء"، أمام الراحل سعيد صالح وكانت أيضاً تلعب دور والدته وهو يلعب دور مراهق متخلف عقلياً توجهه أمه، تضع له "زلطة" في يده اليمنى ليعرف الفرق بينها وبين اليسرى، فجر سعيد صالح الضحكات بهذا الدور وتألق وتحدث عنه الجميع خاصة بعد نجاحه في "هالو شلبي"، ونسي الكل من خدمت كل "إفيهاته".

كتب عليها القدر أن تكون مجرد سنيدة، تفتح الطريق لتسطع النجوم وتتألق، مثلها يهب الضوء ولا يستمتع به، مثلها يمنح السعادة ولا يأخذها، تشبه نبيلة السيد كثيراً أمهاتنا وزوجاتنا اللاتي يتوارين عن عمد بعيداً بعد أن يمهدن لنا الطريق، طائفة ملائكية من البشر يخاصمها الحظ عن عمد وتخاصمه هي عن احتقار.

المشوار:
ربما لم يبق من مشوار نبيلة السيد السينمائي دور شهير مثل دورها الصغير في فيلم "البحث عن فضيحة"، ربما تحولت جملتها الضاحكة "عريس يابوي.. طخه ومتقتلوش يابوي"؛ إلى أيقونة، لكن بقي في مشوارها التلفزيوني العديد من الأدوار الهامة مثل "عيلة الدوغري"، و"صيام صيام"، و"أهلا بالسكان"، و"أرض النفاق".

المدهش أنها لم تقدم دوراً يشبه الثاني، حاول المخرجون حصرها في دور الخادمة وساعدهم النقاد الذين لم يستطيعوا الاحتفاء بها سوى بوصفها خليفة لوداد حمدي ولم تكن إطلاقا.

قدمت دوراً لا ينسى كحماة في فيلم "ممنوع في ليلة الدخلة"، وتركت بصمة في كل أدوارها حتى فاجأها المرض اللعين في نهاية عام ١٩٨٥.

كانت تعيش حياتها كما اختارت، ببساطة متناهية لدرجة أن أصدقاءها المقربين شهدوا بأنهم لم يضحكوا كما أضحكتهم نبيلة السيد في تلك الشهور التي أصيبت فيها بالسرطان.

أنهت دوريها الأخيرين في مسلسل "الكابتن جودة" مع سمير غانم، وفيلم "القطار" مع ميرفت أمين، ورحلت في صمت في نهاية يونيو/حزيران ١٩٨٦.

رحلت كما يرحل من هم مثلها، هؤلاء الموهوبون الساعون خلف شغفهم دون انتظار لأي شيء، دون تكريم أو ضجة، ربما ضحكت في لحظاتها الأخيرة ورنت ضحكتها الصاخبة لتحرج الموت، لكنها أبداً لم تفكر إلا فيما عشقت، والناس فيما يعشقون مذاهب.

رحم الله نبيلة السيد خليفة زينات صدقي الحقيقية.

(مصر)

المساهمون