موسم عودة النظام المخلوع إلى الشاشة التونسية

موسم عودة النظام المخلوع إلى الشاشة التونسية

11 أكتوبر 2014
هل يتعارض تهميش الفلول مع حرية التعبير؟ (فرانس برس)
+ الخط -
تعيش الساحة الإعلامية والسياسية التونسية هذه الأيام على وقع العودة الإعلامية القوية لمن اعتُبروا من منظومة الماضي وعهد الاستبداد. هذه العودة أثارت جدلاً في الأوساط الإعلامية، كما كانت حديث صفحات الشبكات الاجتماعية.
هذا الحضور الإذاعي والتلفزيوني شكّل صدمة للبعض واعتبره بمثابة خيانة لروح الثورة، في حين رآه البعض الآخر فعلاً طبيعياً خصوصاً في ظل غياب أي رادع قانوني، يقصي هذا الطرف أو ذاك.

سياسيون وإعلاميون عائدون
بدأت ملامح عودة رموز نظام الرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي، إلى المشهد الإعلامي تتشكل مع دعوة عدد من البرامج التلفزيونية والإذاعية لضيوف عملوا طويلاً في ظل حكم بن علي. وعاد هؤلاء ليتصدّروا المشهد الإعلامي تحت مسميات حزبية جديدة. لكن النقطة التي أفاضت الكأس هي دعوة قناة "الحوار التونسي" في برنامج "الثامنة مساء" المازري الحداد، سفير تونس قبل الثورة في الأونيسكو، ومن أبرز المدافعين عن بن علي. وعلى الهواء هاجم الحداد الثورة التونسية، ووصف من قاموا بها بـ "الرعاع". وعندما طُلب منه الاعتذار، قال إنه يجب على الشعب التونسي الاعتذار منه، لا العكس.
كذلك شكّل حضور عبير موسى، وهي من كوادر حزب بن علي وواحدة من أشدّ المدافعين عنه، صدمة للرأي العام التونسي خصوصاً، بعد قولها "ما يسمّى ثورة التونسية".
هذا الحضور لرموز العهد السابق تتالى مع ظهور عبد الرحيم الزواري الوزير السابق طيلة فترة حكم بن علي، ووزير النقل عند قيام الثورة. كذلك أطلّ كمال مرجان آخر وزير خارجية فى عهد بن علي في الاستديوهات الإذاعية والتلفزيونية ما أثار ردة فعل على صفحات "فيسبوك"، فكتب البعض إن الثورة "انتقلت إلى جوار الله"، فيما ساند آخرون هذه العودة.
لكن الحضور الذي أثار جدلاً أكبر في الصفحات الاجتماعية ولدى الإعلاميين، هي عودة مقدم البرامج الرياضية رازي القنزوعي لتقديم فقرة رياضية على قناة "الحوار التونسي" التي تحظى بنسبة مشاهدة مرتفعة. ويعود هذا الجدل إلى أن رازي القنزوعي هو ابن محمد علي القنزوعي كاتب الدولة للأمن، والذي يعتبره البعض جلاد الإسلاميين في عهد بن علي. كما تناقلت الصفحات الاجتماعية خبر عودة الوجه الإذاعي والتلفزيوني عفيف الفريقي للتقديم بالإذاعة الوطنية التونسية، وهو ما اعتبره البعض عودة قوية لرموز من النظام السابق.

لا للحضور الإعلامي
يذهب البعض من المتابعين للشأن الإعلامي التونسي إلى ضرورة الامتناع عن دعوة رموز النظام السابق للحضور في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية. وهو رأي تتبناه الدكتورة سلوى الشرفي، مديرة معهد الصحافة وعلوم الأخبار في تونس. وترى هذه الأخيرة أن حضور هؤلاء مشروط بضرورة الاعتذار للشعب التونسي، بعد محاكمتهم على ما قاموا به من أفعال في عهد بن علي، ثمّ يمكن بعد ذلك إفساح المجال أمامهم للحضور الإعلامي والتعبير عن آرائهم.
هذا الرأي تتقاسمه والدكتور جوهر بن مبارك، أستاذ القانون والناشط الحقوقي الذي يؤكد على ضرورة اعتذار رموز النظام السابق عما اقترفوه من أفعال، وتعبيرهم الصريح عن مساندتهم للمشروع الجديد لتونس ما بعد الثورة. وبل ويذهب إلى حدّ القول إن رموز النظام السابق أصبح لهم بعد الثورة التونسية حضور إعلامي يفوق بكثير حضورهم وهم داخل منظومة بن علي الاستبدادية. فبن علي في رأيه لم يكن يسمح لهم بالحضور الإعلامي الذي يحظون به اليوم بفضل الثورة التونسية، وهي "مفارقة تؤكد فضل الثورة التونسية حتى على من كانوا ضدّها ومن الداعمين للنظام الذي أطاحت به هذه الثورة".
الإعلامية آمال الشاهد، صاحبة عدد من البرامج السياسية على قناة "تونس 1" الرسمية، أكدّت لـ "العربي الجديد" أن الموضوع يجب أن يوضع في سياقه العام "المتمثل في أن هؤلاء رموز النظام السابق، البعض منهم برّأه القضاء مما نسب إليه، لكن البعض الآخر، وهم نسبة كبيرة، لم يتعرضوا للمحاسبة أصلاً. وكأن هناك اتفاقاً ضمنياً بين مختلف الأطراف السياسية على عدم المحاسبة، رغم أن المحاسبة كانت هي الشعار الطاغي في الثورة التونسية، ماعدا قلّة قليلة من السياسيين الذين يدعون إلى محاسبة رموز النظام السابق على ما ارتكبوه من جرائم".

غياب سند قانوني لكن أخلاقيات المهنة أولاً
وتواصل آمال الشاهد بالتأكيد على ضرورة تلافي وسائل الإعلام كل ما من شأنه استفزاز الشعب التونسي، "وحضور رموز النظام القديم فيه استفزاز لمشاعر الضحايا فكيف استدعي جلاد باسم حرية التعبير أو بحثاً عن الإثارة أو رفع نسب المشاهدة، هذا يتنافى وأخلاقيات المهنة". وتضيف "أنا كإعلامية عليّ مسؤولية اختيار ضيوفي وعليّ مراعاة مشاعر التونسيين ولكن في سياق الحملة الانتخابية من الممكن أن أمكّن هؤلاء من حقهم في التعبير وفقا لما يضبطه القانون".
أما الإعلامي سفيان بن حميدة فيرى أنه لا توجد موانع قانونية لدعوة من كانوا ينتمون للنظام القديم إلى الوسائل الإعلامية المرئية أو المسموعة، بل يرى فى ذلك اتساقاً مع مبادئ حقوق الإنسان التي تدافع عنها الثورة التونسية. لكن فى المقابل رأى أن هذه الدعوة تخضع لضوابط أخلاقية ومهنية وكلما تم تجاوز الحدود من قبل رموز النظام يجب على مقدم البرنامج التدخل منعاً لأي اعتداء على الثورة أو إهانة الشعب، "وهو ما حصل عندما تمت استضافة المازري الحداد في برنامج "الثامنة مساء" عندما حاول التطاول على الثورة أو على الشعب التونسي".

لا للإقصاء الجماعي
أما الإعلامية جيهان الخوني العاملة في "الإذاعة التونسية" فتذهب إلى القول إن الإقصاء الجماعي لرموز النظام السابق هي عملية "لا أخلاقية، لكن في المقابل يجب عدم دعوة بعض الرموز الذين يستفز حضورهم أو مشاهدتهم المتلقي التونسي". وهي ترى أن الحزب الذي كان يحكم زمن بن علي كان يقول أن له 2.5 مليون منتسب، فلو افترضنا أن هذا الرقم صحيح فيعني أننا سنقصي ربع الشعب التونسي عن الحضور الإعلامي "أما من كانت له سوابق معروفة معلومة فأنا مع عدم دعوته إلى القنوات التلفزيونية والإذاعية".
أما في ما يتعلق بعودة بعض الإعلاميين لممارسة نشاطهم فقد اتفقت جيهان والخوني وآمال الشاهد على حق هؤلاء في ممارسة عملهم، ولا يمكن محاسبة رازي القنزوعي مثلاً عمّا فعله والده، وإلا فعلينا أيضاً منع الظهور الإعلامي لكل من شارك يوم 13 كانون الأول /يناير 2011، أي قبل سقوط النظام في تلميع صورة بن علي.
إنه مخاض تعيشه الساحة الإعلامية، تتفق فيه الآراء حيناً وتختلف أحياناً لكنّها تتطلّع كلّها لبناء تونس جديدة عمادها الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير والنجاح في المرور من المرحلة الانتقالية إلى الاستقرار.

دلالات

المساهمون