موسكو تحشد في الميدان: رسالة استباقية ضد "فيسنا"

23 فبراير 2015
أنصار فلاديمير بوتين يحتشدون في موسكو (صفا كاراكان/الأناضول)
+ الخط -
في الحادي والعشرين من فبراير/شباط الجاري، خرجت في وسط موسكو مسيرة كبرى لاستعراض قوة المعادين للثورات، ولأي ميدان يفكر خصوم روسيا بإقامته. وقد شارك في المسيرة المؤيدة للسطات الروسية، ولروسيا بلا ثورات ملونة، ما يصل إلى أربعين ألفاً، وفق معطيات المكتب الصحافي في وزارة الداخلية، وجاءت بمناسبة مرور عام على ميدان كييف، الذي أطاح بحليف موسكو فيكتور يانوكوفيتش.


ففي فبراير/شباط 2014، احتشد معارضون لحكم يانوكوفيتش في ميدان كييف، وووقعت صدامات بين المحتجين وقوات الأمن، على مدى عدة أيام، سقط خلالها ثمانون قتيلاً، وجُرح أكثر من مائة أوكراني، وانتهت بمغادرة يانوكوفيتش للبلاد إلى روسيا، وضم القرم إلى روسيا، ثم دخول أوكرانيا في أزمة مع إقليم دونباس الموالي لروسيا، وتصعيد مواقف زعمائه نحو الانفصال عن أوكرانيا.
اقرأ أيضاً (الصراع الروسي ـ الأميركي يستعر أوكرانياً)
وبادرت إلى مسيرة الحادي عشر من فبراير/شباط الجاري حركة "الميدان المضاد" التي تم تأسيسها في 15 يناير/كانون الثاني من العام الجاري، بهدف الحيلولة دون قيام ثورات ملونة في روسيا، وحشد القوة لمواجهتها في حال اندلعت. وقد جرت المسيرة تحت شعار مركزي هو: "سنة على الميدان. لن ننسى ولن نسامح". ومن غير الواضح ما الذي لن ينساه الروس، وما الذي لن يسامحوا عليه؟
إضافة إلى الشعار المركزي، رفع المشاركون شعارات متعددة، منها "روسيا والشيشان نموذج لمواجهة الإرهاب العالمي"؛ "الميدان، يريده أعداء روسيا"؛ "نحن مع دونباس"؛ "اخرجوا أيها الأميركيون وخذوا الميدان معكم". وفي حين أنّ الشعارات المرفوعة في الإجمال تحدّد موقف المشاركين من الثورات، فإن شعار "روسيا والشيشان، نموذجاً" يطرح فكرة الاستعداد لمواجهة دامية شديدة القسوة مع أي ثورة ملونة على غرار الطريقة التي أخمد فيها فلاديمير بوتين تمرّد الشيشان.
ومنحت موسكو المنظمين موافقتها على إجراء هذه المسيرة وخط سيرها في قلب العاصمة. وفي حين طلب المنظمون الموافقة على مشاركة عشرة آلاف، فإن الحضور تجاوز هذا الرقم بكثير، وربما يعود ذلك إلى استغلال الموارد الإدارية.
وبعد مسيرة صاخبة وحيدة اللون، في وسط موسكو، تجمّع "أعداء الثورات" في "ساحة الثورة" بلوشاد ريفوليوتسيي. وبحسب إذاعة "موسكو تتحدث"، فإن جزءاً من النشطاء جاؤوا من أقاليم أخرى للمشاركة في المسيرة، فيما شارك ممثلون عن روابط المحاربين القدماء من مدن مختلفة، مثل رابطة "ضباط روسيا" و"أخوّة القتال". وكان هناك كثير من الرجال في لباس القوزاق (أحد أفواج الحرس الإمبراطوري الروسي). كما شاركت فيها حركات شبابية، بما في ذلك "اتحاد الشباب الروسي".
وتبين أن هناك تعليمات إدارية توصي بالحضور. إذ أعلنت قناة "آر بي كا" نقلاً عن مسؤولين تلقيهم طلبات لحشد الناس من أجل المشاركة في المسيرة. وذكرت أن الحشد الكبير تحقق بفضل المعلمين وجماعة حزب "روسيا الواحدة" وممثلين عن "الجبهة الشعبية الروسية الموحدة".

وفي السياق، أفاد موقع "نشرة يود" الإلكترونية عشية المسيرة، بأنه تم نصح المعلمين في موسكو بإلحاح للمشاركة في المسيرة. وتبعاً للوثيقة التي تم تعميمها من قبل نقابة العاملين في التعليم، فإنهم توقعوا أن تشارك كل مدرسة بستة أشخاص.

تظاهرة مرتقبة للمعارضة
وفي مقابل الحشد المناهض للثورات، تشهد موسكو هذه الأيام نشاطاً ملحوظاً من قبل نشطاء المعارضة للحشد لتظاهرة "الربيع" ضدّ الأزمة، المنتظر خروجها في الأول من مارس/آذار. مع العلم بأن المدون المعارض، أليكسي نافالني، قام بنفسه بتوزيع منشورات الدعوة إلى التظاهر، في عربات مترو الأنفاق، الأمر الذي أدى إلى توقيفه إدارياً.
وأُدين نافالني في التاسع عشر من فبراير/شباط الجاري، بخرق قوانين الدعاية، حين دعا لتظاهرة الأزمة المسماة "فيسنا" (الربيع)، وألقي القبض عليه في مترو أنفاق موسكو، وأحيل إلى محكمة في موسكو قضت بتوقيفه إدارياً لمدة 15 يوماً، مما سيحول دون مشاركته في التظاهرة التي تنتظرها موسكو بقلق.
وطلب منظمو التظاهرة الموافقة على مشاركة مائة ألف متظاهر، وهو ما وافقت حكومة موسكو عليه، ولكن في حي "مارينو" في أطراف موسكو، وليس في قلبها. وعلق بوريس نيمتسوف، أحد زعماء حركة "التضامن" قائلاً، وفق صحيفة "كوميرسانت"، إن "الأهم بالنسبة لنا أن يتم الإصغاء لطلباتنا".


ويبدو أن ردّ السلطات على مسيرة المعارضة لن يتوقف عند نافالني. إذ سرعان ما جرى الحديث عن مراسلة المعارضة مع السلطات الأوكرانية لتنظيم ميدان في موسكو، وقد اتهم بذلك رفيق نافالني، نيقولاي لياسكين. كما يتم تداول أنباء حول نُسخ مصورة من رسائل إلكترونية، تمت قرصنتها ونشرها، تبادلها المعارض نيقولاي لياسكين مع أندريه ريفوتسكي، مستشار رئيس وزراء أوكرانيا.
ووفقاً لوكالة "تاس"، فإن النائب الأول لرئيس لجنة الدفاع في الدوما الروسية أندريه كراسوف، توجه عند معرفته بهذه المراسلات بطلبات إلى قيادات الأمن ولجنة التحقيق الفيدرالية والنيابة العامة للتحقق من المعلومات واتخاذ الإجراءات المناسبة عند الضرورة. ونقلت "تاس" عن كراسوف قوله "يبدو واضحاً من المراسلات أن تظاهرة "الربيع" يتم إعدادها من أجل وضع حجر الأساس لتغيير السلطة في روسيا عن طريق الميدان".
وبحسب ما تم تداوله حول المراسلات، يطلب لياسكين من كييف مساعدة على شكل نشطاء ميدان ذوي خبرة كي يتمكنوا من تحريض المشاركين على صدامات مع الشرطة واحتلال مركز موسكو. وفي الرسائل المنشورة، يعلن المستشار ريفوتسكي عن استعداده لإرسال ما بين 200 إلى 300 شخص مدرَّب إلى العاصمة الروسية.

وهكذا، يبدو أن موسكو ستشهد إجراءات قبل تظاهرة الأول من مارس/آذار، ولكن من غير المعروف ما إذا كانت طريقة السلطات في إدارة "الميدان المحتمل" ستحول دون حدوثه أم ستسرع به وتدفع نحو التصعيد. والدفع نحو العنف قد لا يأتي من طرف المعارضة وحدها، بصرف النظر عن وضعه في سياق تدبير خارجي من عدمه، بل قد يأتي من أعداء الثورات، جماعة الميدان المضاد المشحونين قومياً، والذين يصعب التكهن بتصرفاتهم.