موت

موت

02 يونيو 2014
+ الخط -

لم تكن تتوقّف عن التمتمة. تنظر إليه ممدّداً على سريرِ المستشفى، وتُقلّب عبارات غير مفهومة بين شفتيها. تُمسّد شعره وتُعيد رسم ملامحه بأناملها. تتأكّد من أنها حفظتها جيداً، وإن كان السرطان يأكل بعضاً منها يوماً بعد يوم. كانت على يقين أن معجزة ما ستنهضه من سريرٍ يُؤرّخ لموت كثيرين، من دون أن تنفع جميع المُطّهرات من محو جرائمه.

حين تعود إلى البيت، تفتحُ خزانة ثيابه، لتُكمل مشهد المعجزة التي تنتظرها. سيرتدي هذه البذلة حين يفيق. هو في الثمانية والعشرين، ولا بد أن تفرح به، وتزفه وعروس ترتدي ذلك الثوب الأبيض الفضفاض. هذا مفهومها للفرح. تبتسم، وتعود للتمتمة. لكنه مات. أحدهم سرق المعجزة ورماها بعيداً. توقفت عن الكلام. سقطت أرضاً وراحت تصرخ. تمنّت فقط لو تحرس قبره، إلى أن تنضم روحها إليه.

في البيت القديم، الذي يبعد سقفه كثيراً عن رؤوس ساكنيه، حتى ليبدو وكأنه يعود الى شقة أخرى، كان الجميع يرتدي الأسود. تجلس النساء على الكراسي البلاستيكية البيضاء. يرقبن الأم تبكي فقيدها. يبدن كأنهن يستمتعن بهذا المشهد. ينظرن إليها طويلاً ويبكين معها. هن لا يستمتعن، بل اخترنَ أن ينغمسن في دور الضحية كعادة الكثيرات. جسدن أرواحهن في حكاية قد تكون الأصعب على الاطلاق. رافقنها حين كانت تودع ابنها قبل أن يُحمل إلى القبر. فعلوا ذلك من أجلهن.

لا تخرق نظراتهن إلا أحاديث جانبية اعتراضية. على غرار أن فيروس "كورونا" هو اسم آخر لفيروس "سارز". هكذا يتسلى العلماء بتبديل أسماء الفيروسات. كما وأن البلاء لا يصيب إلا المؤمنيين. فـ "المؤمن مبتلى". جميلٌ إذاً أن يكون غالبية البشر من المؤمنين، إذا لم نقل جميعهم. من البلاء إلى الطعام التي كانت تنوي السيدات تحضيره قبل أن يباغتهن تقديم واجب العزاء. وأشياء كثيرة أخرى.

في اليوم الثاني والثالث، يضيعُ الميّتُ بين حكايا الحياة الكثيرة. يقول الحاضرون: "ارتاح". يقصدون السرطان. لكنه في الأغلب، ارتاح من مجتمعٍ قتل ما تبقى من حياة.

 

 

 

المساهمون