مناطق الظل: المركزية تهمش ملايين العرب

01 فبراير 2016
من التحركات المطالبة بالعدالة في تونس (جيرارد جوليان/فرانس برس)
+ الخط -
يتساءل محمود درويش في إحدى قصائده: "أأرض البشر لكلّ البشر؟". هذا السؤال لم يقتصر على الشاعر العربي الفلسطيني الراحل، بل صار على لسان الملايين في مختلف الدول العربيّة، حيث تستأثر فئة أو مناطق دون أخرى بعائدات البلاد والحصّة الكبرى من توزيع الثروة والموازنات العموميّة. هذه السياسات الاقتصاديّة ساهمت في خلق ما يُصطلح على تسميته بمناطق الظلّ وأحزمة الفقر التي تحوّلت إلى ظاهرة عامّة في كلّ الدول العربيّة التي قُسّمت إلى مربّعات المحظوظين وأحزمة المهمّشين والمنسيّين من حسابات التنمية والتعمير.
"العربي الجديد" حاولت أن ترصد هذه الظاهرة في أكثر من دولة عربيّة، بعد أحداث مدينة القصرين في تونس، التي قد تكون مقدمة لسيناريوهات مماثلة في دول عدّة تتقاسم نفس البؤس والظلم والغضب.

"المخطّطات الاقتصاديّة المتعاقبة منذ الاستقلال في خمسينيات القرن الماضي هي المسؤولة عن الوضع المتردّي للجهات الداخليّة في تونس"، بحسب الباحث والخبير الاقتصادي محمد ياسين السوسي. ليضيف أنّ الحكومات المختلفة راهنت على قطاعي السياحة والخدمات لبناء الاقتصاد المحليّ، لذلك تركّزت معظم الاستثمارات العموميّة بنسبة تجاوزت 93% في الشريط الساحليّ والعاصمة. هذا التوزيع غير المتوازن أدّى إلى خلق ما يشبه هوّة بين تلك المناطق والمحافظات الداخليّة التي ظلّت مجرّد مناطق فلاحيّة ومناجم تفتقر تجمّعاتها السكّانيّة للخدمات والمرافق العموميّة.
ويضيف السوسي أنّ الفروقات تبدو واضحة بين الساحل والعاصمة من جهة وبين المناطق داخل البلاد من جهة أخرى. إذ تشير تقارير وزارة التجهيز والتهيئة الترابيّة إلى انّ نسبة الربط بشبكة الطرقات المصنّفة تتفاوت بين المعدّل الوطني الذّي يناهز 30% والنسبة المسجّلة في محافظة القصرين أو سيدي بوزيد أو قفصة والتي لا تتجاوز في أفضل الحالات 17%. ليس هذا فحسب، بل يضيف أنّ استمرار تجاهل الحاجيات الأساسيّة والتنموية للمناطق الداخليّة للبلاد أدّى بدوره إلى موجات هجريّة بين المدن بمعدّلات مرتفعة ناهزت 50% خلال العقد الأخير بمعدّل 5000 وافد سنويا على العاصمة والشريط الساحليّ. هذه الهجرة السلبيّة أدّت بدورها إلى انتشار ما يسمى بأحزمة الفقر حول المدن الكبرى والتي تنتج ارتدادات اجتماعيّة سلبيّة لتتحول إلى بؤر للعنف والدعارة وتجارة المخدّرات وغيرها من الأنشطة غير القانونيّة.
بدوره، يؤكد الخبير والباحث الاقتصادي صلاح زهران، على شمولية معضلة التفاوت التنموي بين المحافظات في كلّ الدول العربيّة ومن ضمنها الأردن. إذ أثبتت الدراسات الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة للثلاثيّة 2013-2016 الفرق بين مختلف المؤشّرات الاقتصادية والبشريّة بين محافظات المملكة، حيث تتباين النسبة من 25% في العاصمة الأردنية عمّان والتي تتساوى تقريباً مع المعدّل العام لتصل في محافظة العقبة إلى 70% وفي محافظة المفرق الجنوبية إلى 69%. ويضيف زهران أنّ ثلثي الأسر ذات مستوى نوعية الحياة دون المتوسط تتمركز في ثلاث محافظات هي ضواحي العاصمة وإربد والزرقاء. التفاوت بين المحافظات يشمل سوق الشغل الذّي يعاني من مشكلة أساسيّة تتمثّل في تواجد 89% من فرص العمل في العاصمة، فيما تتوزع النسبة المتبقية والمقدرة بحوالي 11% على باقي المحافظات.

ويستطرد زهران أنّ تركز الوظائف في العاصمة، يعكس سوء توزيع مكتسبات التنمية، وغياب الرؤية في توزيع الاستثمارات على مختلف المحافظات التّي تعاني من ندرة المشاريع المشغلة للناس.
في نفس السياق، يضيف عضو اتحاد الغرف التجاريّة في السودان كمال المسيري أنّ الاقتصاد السوداني كان ضحيّة الحروب ومركزيّة القرار. إذ إنّ نسبة الفقر التي تناهز 70% سنة 2015 بحسب وزارة الرعاية والضمان الاجتماعي تعود إلى عوامل أهمّها ثنائية الحرب والفساد. فعلى سبيل المثال، كانت العاصمة الخرطوم تحتكر 46% من الإنفاق الحكومي على التنمية في.
التمييز شمل حتّى الخدمات الأساسيّة إذ ورغم النسبة الضعيفة لعدد المستشفيات في الأقاليم المختلفة فإن وجودها في المدن الصغيرة والمناطق الريفية محدود أو قد يكون منعدماً. وينطبق الأمر على عدد المراكز الصحية ونسبتها إلى إجمالي السكان بالأقاليم، فوصلت النسبة إلى 3 مراكز لكل مائة ألف في الإقليم الشرقي و1.7 لكل مائة ألف في الإقليم الغربي و1.6 في الإقليم الجنوبي. ويختم المسيري أنّ الإحساس بالغبن والإقصاء أدّى إلى سلسلة من الصراعات.

اقرأ أيضاً: العنصرية تنخر الاقتصادات العربية
 
المساهمون