ملاقط غسيل

12 فبراير 2018
هل يلعب فيها الأطفال اليوم؟ (بيكساباي)
+ الخط -
ملاقط الغسيل الخشبية تصير شخوصاً متحركة... تصير بيوتاً وسيّارات ومجتمعاً قائماً بذاته. عالمٌ موازٍ لذلك الذي كنّا نعيشه كأطفال. وحين لا تعود الملاقط صالحة للّعب، يكون الحصول على علبة جديدة عيداً. ولا يخلو العالم الموازي هذا من ألوان، حين تُضاف إليه الملاقط البلاستيكية الملونة. الأصفر يتحوّل إلى شمسٍ طولية أو مربّعة، وربّما تأخذ شكلاً مختلفاً، والأزرق سماء صافية غالباً، تبدأ من مكان ما وتنتهي عند آخر. والمشكلة حين لا تعود الملاقط كافية، ويسرق الأطفال تلك الموزّعة على الحبال.

ملاقط كانت تكفي لتكون لعبةً، تضاف إليها مجموعة من الكراتين المرمية والأوراق البيضاء. سفن على أمواج لا تتحرّك، وسيارات من دون دواليب، وصواريخ رافقت سنواتنا الأولى. الأطفال فينا عرفوا عوالم كثيرة لم تكن مكشوفة لهم. وها هم، ها نحن قد كبرنا بعيداً عن العالم البديل الافتراضي، والذي لم يعد افتراضياً حين بات واقعاً.

صغار اليوم يعيشون في عالمٍ افتراضي حتى قبل أن يعرفوا التكنولوجيا. عالمٌ يبدو ثقيلاً. كأنّ شخصيات كرتونية تغزو خيالاتهم. أبطال خارقون وسيّارات تحكي وأموات يعيشون وأميرات جميلات محبوبات وطيبات القلب وصبية أذكياء. هؤلاء ينتقلون من الشاشات إلى تفاصيل يوميّاتهم. يصيرون صوراً على حقائبهم المدرسية، وعلب طعامهم، وثيابهم، وكعك أعيادهم. وقبل كل هذا، هم ألعاب لهم بيوتهم وطعامهم وحياتهم التي يطلبها الأطفال، ويمضون أوقاتاً معهم، صانعين عالمهم الافتراضي.



بل لا يصنعونه. هذه الشخوص تحاصرهم على مدار الساعة بألوانها وقدراتها الهائلة. ثمّ إنها موجودة في كلّ مكان. وربّما يشعر الأهل أنها أساسية لنمو أطفالهم، مثل موضة القطط والكلاب في البيوت اليوم. ويمكن أن يطلب طفل من والديه اقتناء قطة أو كلب لأنه يرغب بذلك أولاً، على أنه سيدعم رغبته تلك قائلاً إن جميع أصدقائه يربون حيوانات أليفة في المنازل، تماماً كما يملكون الأبطال الخارقين أو الباربي وغيرهم من الكائنات "شبه الحية".

ربّما يلعب الأطفال بملاقط الغسيل نفسها، إذا ما أمضوا يوماً في منزل جدّتهم، من دون أن يحملوا معهم ألعابهم الخارقة. وقد يلعبون أيضاً بالملاعق الخشبيّة والأوعية البلاستيكية. يصيرون موسيقيين أو طهاة، أو يصنعون من الوسادات بيوتاً قطنية...

وهذه أيضاً عوالم افتراضية ملؤها الخيال وأكثر بساطة. يصنع الأطفال أبطالاً وحيوات ممّا هو متوفر بعيداً عن عالم جديد لا يشبههم، بقدر ما يتشبّه بهم، من خلال ألوان جذابة وحصار فكري وثقافي. لا بدّ من ثورة "ملاقط غسيل".

المساهمون