مكافحة المخدرات في روسيا... حبس الموزعين وإفلات كبار التجار

مكافحة المخدرات في روسيا... حبس الموزعين وإفلات كبار التجار

23 ديسمبر 2019
حقوقيون يطالبون بالتفرقة بين الموزعين الصغار والتجار الكبار (Getty)
+ الخط -
يدعو الحقوقي والمحامي الروسي أرسيني ليفينسون إلى تعديل القوانين السارية لمكافحة المخدرات من أجل التفريق بين التعاطي وتجارة المخدرات، إذ تصدر الأحكام الثقيلة بحق متعاطين موزعين يعرفون بـ"المودعين"، وهو مصطلح يطلق على الشبان المتورطين في توصيل المخدرات إلى أماكن تخزين سرية يتوجه إليها المدمنون في وقت لاحق بتعليمات من التجار الكبار، الذين يفلتون بأرباح تلك التجارة من أي عقاب.

ومن الممكن اتهام أي مستهلك بالتوزيع في ظل الصلاحيات الواسعة في التقدير، وتدني السقف المطلوب للأدلة، ما يتسبب في التعسف بالأحكام، خاصة مع استشراء الفساد في الشرطة والمحاكم، كما يوضح ليفينسون الذي يعمل بمعهد حقوق الإنسان في موسكو.

ما ذهب إليه ليفينسون تفسره إدانة 90 ألف شخص عام 2018 بموجب المواد المتعلقة بمكافحة المخدرات، بحسب أرقام المحكمة العليا الروسية، بما فيها المادة (228) ذائعة الصيت من القانون الجنائي الروسي والخاصة بحيازة وتوزيع المخدرات، والعقوبات المتعلقة بالاستحواذ غير المشروع للمخدرات والمؤثرات العقلية أو نظائرها، أو تخزينها أو نقلها أو تصنيعها أو معالجتها، وكذلك الاستحواذ والتخزين والنقل غير المشروعين للنباتات التي تحتوي على المخدرات أو المؤثرات العقلية أو أجزائها التي تحتوي على المواد المخدرة.

أحكام غير عادلة

لجأت المواطنة الروسية أوكسانا أورلوفا إلى المحكمة العليا لتخفيف مدة العقوبة الصادرة بحق نجلها العشريني سيرغي، الذي أدين بتهمة توزيع المخدرات، وصدر بحقه حكم بالحبس ثلاثة عشر عاما ونصف العام، قضى منها عامين، بينما تسعى والدته إلى تخفيض العقوبة من خلال المحكمة العليا.

ويعتبر المحامي ليفينسون أن قسوة الأحكام الصادرة في قضايا المخدرات تعود إلى الخط الرفيع الذي يفصل بين توزيع المخدرات وحيازتها للاستهلاك الشخصي. ومن وجهة النظر القانونية، لا يقع تعاطي المخدرات تحت طائلة القانون الجنائي الروسي، لكن لا يمكن فعليا تعاطي المخدرات دون حيازتها، بالتالي، فإن التناول سيترجم إلى المسؤولية الجنائية، بحسب ليفينسون، حتى على حيازة ما يزيد عن 0.2 غرام من الأمفيتامين، أو 0.5 غرام من الهيروين، أو 2 غرام من حشيشة الكيف، وتراوح مدة عقوبة السجن عن حيازة كميات "كبيرة" من المخدرات، أي أكثر من غرام واحد من الأمفيتامين، أو 2.5 غرام من الهيرويين، أو 25 غراماً من حشيشة الكيف، ما بين ثلاث إلى عشر سنوات، ومن أجل الاتهام يكفي تقديم شهادات من أفراد الشرطة ومحاضر مصادرتها وفقاً لتوضيحه.

ويندرج تعاطي المخدرات تحت المادة 6.9 من القانون الإداري الروسي، وتقضي بمعاقبة المتعاطي بغرامة مالية لا تزيد قيمتها على 80 دولارا أميركياً، أو الحبس الإداري لمدة 15 يوماً.


كيف يوجه الاتهام؟


تندهش أورلوفا من إصدار أحكام بالسجن لسنوات طويلة بحق آلاف الشبان لقيامهم بإيداع جرعات المخدرات في المخازن السرية فقط، في مقابل أتعاب بسيطة لا تتجاوز قيمتها 300 روبل (4.66 دولارات أميركية) عن كل كمية، بينما يتم التستر على منظمي تلك التجارة، وتقيّد القضايا المتعلقة بهم ضدّ مجهولين.

وتروي أورلوفا تفاصيل تجربة ابنها لـ"العربي الجديد"، قائلة: "قبل أن يجري اعتقاله، قام نجلي بإيداع 23 كمية من المواد المخدرة من أصل 30 جرعة في أماكن تخزينها، ولكن القضاء لم يراع المادة رقم 30 من القانون الجنائي والخاصة بعدم استكمال الجريمة، فصدر بحقه حكم بالسجن سبع سنوات ونصف".

وقام أفراد الشرطة بمراسلة سيرغي من هاتف زميله، منتحلين هويته، ليطلبوا منه إحضار كمية مخدرات إلى مكان، فتمت إضافة ست سنوات أخرى إلى مدة سجنه بناء على استجابته للمراسلات فقط، وفقاً لوالدته التي تسعى إلى اللجوء للمحكمة العليا، آملة أن تتم إعادة تصنيف القضية والاكتفاء بسجنه سبع سنوات ونصف، وإلغاء السنوات الست المبنية على إفادة الشرطة، قائلة: "إن الشرطة يتعين عليها مكافحة المخدرات وليس التحريض على الجرائم".

واحتلت روسيا المرتبة الأولى عالمياً من حيث حجم استهلاك الهيرويين، وكانت حصتها في الإنتاج العالمي من المخدرات تبلغ 21%، و5% من الأفيون في عام 2009، بحسب أرقام الأمم المتحدة.

ويدان المودعون (موزعو المخدرات) بعدة طرق، كما يوضح المحامي ليفينسون، منها مصادرة بضع باقات معبأة، والعثور على ميزان عليه آثار المخدرات، فيتم توجيه الاتهام للشخص دون تقديم أي أدلة أخرى، أما الحالة الأخرى، فتسمى "التوزيع الاجتماعي"، إذ إن ممارسات تطبيق القانون لا تفرق بين التوزيع التجاري وشراء الشخص للمخدرات من أجل تناولها بشكل فردي أو مع غيره (التعاطي المشترك للمخدرات وليس تجارتها)، بالإضافة إلى التحريض على التوزيع عن طريق إجبار أحد معارف المستهلك على إقناعه بإحضار جرعة بذريعة متلازمة "الانسحاب"، وهو مصطلح طبي يطلق على الأعراض التي تظهر على المدمن عند التوقف عن تعاطي المخدرات.


ثغرات في قوانين مكافحة المخدرات

في يونيو/ حزيران الماضي، اعتقل الصحافي الاستقصائي الروسي إيفان غولونوف، الذي يعمل في موقع التحقيقات الروسي "ميدوزا"، على خلفية قضية مخدرات لفقت له، في ظل متطلبات هزيلة من الأدلة، بالاستناد إلى قوانين مكافحة المخدرات السارية، وأفرج عن غولونوف في الشهر ذاته، لكن قضيته أثارت مطالب بتعديل المادة (228)، والتي باتت توصف بـ"الشعبية"، بسبب تزايد أعداد المسجونين بموجبها.

وأقرّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن 26% من المساجين في روسيا أدينوا بموجب المواد المتعلقة بتداول المخدرات، وذلك خلال فعالية الخط المباشر السنوية التي يجيب خلالها عن أسئلة سكان البلاد على الهواء مباشرة في يونيو/ حزيران الماضي، لكن بوتين رفض حينها أي حديث عن تخفيف العقوبات، بينما وجّه النيابة العامة ولجان التحقيق ووزارة الداخلية، بالإضافة إلى جهاز الأمن الفدرالي إلى تحليل كيفية تطبيق قوانين مكافحة المخدرات، لزيادة فاعلية الرقابة على قرارات الشرطة.



ويعتبر ليفينسون أن زيادة الرقابة على الشرطة لن تكون كافية، والأولى هو قيام المحكمة العليا بتشديد المطالب المتعلقة بكمّ الأدلة وأنواعها، والتفرقة بين نوعي التوزيع الاجتماعي والتجاري.


مطالبات بتحديث القوانين

وجه الحقوقيون مقترحات إلى مجلس النواب الروسي (الدوما) بشأن تحديث القوانين في مجال مكافحة المخدرات، بما في ذلك تعريف الكميات "الكبيرة"، والارتقاء بمعايير الأدلة المطلوبة، وخفض الحد الأدنى لمدة العقوبة للتفرقة بين الموزعين الصغار وكبار التجار، وفق ليفينسون.

وحول أبرز عيوب القانون الحالي، يقول: "تتم معاقبة موزع 0.3 غرام من المخدرات الاصطناعية (سبايس) أو 1.5 غرام من الأمفيتامين بالسجن من عشر سنوات إلى عشرين سنة، رغم أنها ليست كميات كبيرة، لكن عندما تقوم الشرطة بالاعتماد على مثل هذه القضايا لتقديم تقارير الكشف عن جرائم بالغة الخطورة، فهي فعليا لا دافع لها للبحث عن الموزعين الحقيقيين"، بالمقابل تعتبر أخصائية علم النفس والإدمان في عيادة "مارشاك" المتخصصة بعلاج الإدمان في موسكو، فالينتينا أفانيسوفا، أن اتخاذ إجراءات قانونية صارمة في مجال مكافحة المخدرات أمر ضروري للحد من انتشار الظاهرة.

التحول إلى المخدرات الاصطناعية

أصبحت المواقع الحقوقية الروسية تنشر قصص حبس "المودعين"، لتحذير الشبان من مخاطر هذه التجارة، ويحذر الحقوقي ليفينسون من خطورة الوضع الحالي، إذ تتم معاقبة مودعي المخدرات بالسجن لسنوات طويلة، بينما لا يتحمل منظمو التجارة أي مسؤولية بسبب عدم كشف الجرائم أو دفعهم رشاوى على سبيل الفدية.
ويكشف بيان وزارة الداخلية الروسية الصادر في يناير/ كانون الثاني عام 2019، عن أن بيانات عام 2017 كشفت عن تحول في هيكل أنواع المخدرات المنتشرة في البلاد، بعدما باتت المخدرات الاصطناعية تتفوق على جميع الأنواع الأخرى، إذ جرى ضبط 5 أطنان ونصف منها في ذلك العام، بما فيها حشيشة الكيف والأمفيتامين والكوكايين والهيرويين.

وانحصر انتشار الأفيون والهيرويين في روسيا، بعد التحول باتجاه تعاطي الأنواع الاصطناعية من المخدرات والمواد ذات التأثير النفسي، والتي أصبحت الأكثر استهلاكاً، كما توضح أخصائية علم النفس أفانيسوفا لـ"العربي الجديد".

وعلى الرغم من التحول إلى المخدرات الاصطناعية، فإن التقرير الصادر عن وزارة الصحة الروسية عام 2018 يظهر تراجعاً في أعداد مدمني المخدرات المسجلين بنسبة 8%، خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، إذ لجأ 250 ألف مدمن إلى المؤسسات الطبية في العام الماضي من أجل تلقي العلاج والتشافي، 83% منهم رجال، بحسب التقرير.

وتقرّ أفانيسوفا بانخفاض أعداد المترددين على عيادتها وتراجع ظاهرة إدمان المخدرات الثقيلة مثل الأفيون والهيرويين.

وتعتبر أنه ينبغي علاج الإدمان، وهو أمر يتطلب جهوداً من الأطباء والمدمن وذويه، إذ تتمثل المرحلة الأولى من العلاج بإيداع الحالة في مؤسسة طبية متخصصة لتلقي العلاج بالأدوية والعلاج النفسي، أما الثانية، فتتمثل بالعلاج خارج المؤسسة، بإشراف المعالج النفسي وتناول الأدوية عند الضرورة.