مفقودون أيزيديون... قُضي على داعش ولم يرجعوا

مفقودون أيزيديون... قُضي على داعش ولم يرجعوا

11 ابريل 2019
بعد اكتشاف مقبرة جماعية (زياد العبيدي/ فرانس برس)
+ الخط -


قلّ الأمل، أو ربّما تلاشت أية فرصة لعودة المفقودين من الأيزيديين لدى تنظيم "داعش"، بعد سيطرة "قسد" على آخر معاقل التنظيم في الباغوز السوري. وتبدو السعادة منقوصة مع ضياع الأمل. فحتى اليوم، ما زال أهالي يبحثون عن مفقوديهم  

لم يكن إعلان "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) السيطرة على آخر معاقل تنظيم "داعش" في الباغوز السوري المجاور للعراق، بالخبر الجيّد لفئة واسعة، خصوصاً الذين عانوا من جرّاء القتل والتهجير والأسر والسبي. الأيزيديون الذين شاعت قصص مأساتهم على أيدي عناصر تنظيم "داعش" منذ أن سيطر الأخير على قراهم في الموصل شمال العراق صيف عام 2014، اختفى الآلاف منهم من دون أن يعرف ذووهم مصيرهم. والأمل في أن يكونوا أحياء يحتجزهم عناصر التنظيم تلاشى اليوم بعد تحرير آخر معاقل التنظيم.

وكشف العديد من النساء والأطفال المحرّرين والهاربين ممن كان يحتجزهم تنظيم "داعش" عن قصص رهيبة تعرّضوا لها على أيدي عناصر التنظيم. من بينهم ناديا مراد التي نجحت في الهرب من "داعش"، وأصبحت سفيرة للنوايا الحسنة، وجالت على العديد من الدول وأخبرت العالم بما تعرّض له الأيزيديون، إضافة إلى ظلم وقسوة وإرهاب التنظيم. وحالها حال فتيات ونساء كثيرات أسرهن مقاتلو داعش، تعرّضن للاغتصاب من قبل عدد من المقاتلين، وقد بيعت النساء في سوق للنخاسة كسبايا.

ولا أمل في عودة رجل أو شاب أيزيدي إلى ذويه بعدما أسره "داعش". هؤلاء مصيرهم القتل بخلاف النساء والفتيات والأطفال الذين يؤسرون ويسبون. لكن فيان شبو ما زالت تنتظر عودة زوجها سالماً، وهي الوحيدة بين أقاربها التي ترفض التفكير في احتمال أن يكون عناصر "داعش" قد قتلوه، مثلما فعلوا مع غالبية الرجال الذين أسروهم.



في حديثها لـ "العربي الجديد"، تقول فيان إنّ "كل شيء جائز. ربّما ما زال حياً. لم يره أحد وهو يقتل. ربما استعان الإرهابيّون بخدماته واستغلوه. هو حدّاد ومصلح سيارات ماهر، وسمعته جيّدة في الموصل بسبب مهنته. لا أستبعد أن يكون أحد المقاتلين من داعش قد تعرف عليه وطلب عدم قتله بهدف الاستفادة منه".

لكنّ زوجها الحدّاد ومصلح السيارات الماهر لم يظهر بعد تحرير كلّ الأراضي العراقية من سيطرة داعش نهاية عام 2017، وتمكنت القوات العراقية من تحرير مختطفين وأسرى، والعثور على رفاة لمحتجزين. بل إنه حتى في آخر معاقل التنظيم في سورية، وهو الاحتمال الأخير لمن يأمل عودة أحد أفراد عائلته، لم يكن زوج فيان من بين من نالوا حريتهم من عبودية "داعش". تقول: "سأبقى أبحث عنه. ربما فقد ذاكرته ويعيش في مكان ما".

نحو 3 آلاف أيزيدي، غالبيتهم نساء وأطفال، ما زالوا مفقودين ولم يعرف مصيرهم بعد، بحسب آخر إحصائية أصدرتها المديرية العامة لشؤون الأيزيدية في وزارة أوقاف حكومة إقليم كردستان. وقال مدير عام الشؤون الأيزيدية في الوزارة، خيري بوزاني، إن الإحصائية تشمل الجرائم التي اقترفها تنظيم داعش بحق الأيزيديين بدءاً من 3 أغسطس/ آب 2014، مؤكداً أن هذه الإحصائية معتمدة لدى الأمم المتحدة. وأفادت بأنّ عدد الأيزيديين في العراق قبل داعش كان يقدر بنحو 550 ألف نسمة، وتمكن 360 ألف شخص منهم من النزوح والهرب. وفي الأيام الأولى لغزو تنظيم داعش، قتل 1293 شخصاً، وبلغ عدد الأيتام ممن قتل آباؤهم 1759، وممن قتلت أمهاتهم 407، وممن قتل آباؤهم وأمهاتهم 359.

أيزيديات يشاركن في تشييع (صافين حامد/ فرانس برس) 


وبيّنت الإحصائية أن عدد المختطفين بلغ 6417، 3548 منهم نساء، وقد نجت منهن 1170 مختطفة. كما أن عدد الأطفال من الناجيات بلغ 1002 طفلة، في حين بلغ عدد المختطفين الرجال 2869، نجا منهم 337. كما أن عدد الناجين من الأطفال الذكور بلغ 916، مؤكداً أن عدد من بقي مجهول المصير 2992 شخصاً، منهم 1379 إناث و1616 ذكور.

من جهتها، توضح جوان أنّها لم تعثر على أي أثر لابنتها ريهام التي أسرها داعش حين كانت في الـ 15 من العمر. تضيف لـ "العربي الجديد" أنها لا تستبعد أن تكون ابنتها قد تزوجت رغماً عنها من أحد مقاتلي التنظيم، مبينة أنها بحثت عنها في مخيمات اللاجئين. وباستمرار، تتحرى عنها من خلال مسؤولين أيزيديين يتولوّن البحث عن المفقودين.

وتشير جوان إلى أنها لم تعد تطيق الصبر بعدما فقدت ابنتها وقتل زوجها على يد عناصر التنظيم الذين هدموا منزلها أيضاً. اليوم، باتت تتمنى الحصول على جثمان ابنتها أو أي دليل يؤكد أنها ليست حيّة إن كانت متوفاة، حتى تطمئن وتتوقف عن البحث. تضيف: "في أحد مخيمات اللاجئين الذي كنت أبحث فيه عن ابنتي، رأيت صغاراً ولدوا تحت حكم داعش في الموصل وسورية، بعض أمهاتهم أيزيديات. علمت أيضاً أن صغاراً مجهولي النسب قتلت أمهاتهم السبايا. ربما أحدهم كان ابن ريهام ابنتي".



إلى ذلك، أخذ زعماء قبليون وناشطون أيزيديون على عاتقهم، منذ بداية استيلاء داعش على المناطق التي يسكنها الأيزيديون في الموصل (شمال العراق) صيف 2014، البحث عن أبناء الأيزيديين المفقودين بالتعاون مع جهات رسمية في الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان، ومنظمات إنسانية محلية ودولية، وزعماء قبائل وناشطين، سعياً للوصول إلى معلومات لإنقاذ أيزيديين من خلال تهريبهم من مناطق سيطرة "داعش" بوسائل مختلفة، أو استقاء معلومات عن الأيزيديين وتتبع أخبارهم ومكان إقاماتهم، وتقصي المعلومات حول مصير من لم يتم تحريره في آخر معاقل التنظيم في سورية.

ويقول الناشط أحمد البرزنجي الذي يعمل في مجال الإغاثة وتوثيق العديد من "جرائم داعش"، إنه يتعاون مع ناشطين أيزيديين في البحث عن مفقودين، موضحاً أن "لدى البعض معلومات مؤكدة أنهم كانوا محتجزين وأسرى وسبايا لدى داعش". يضيف أن "المزيد من المعلومات ستظهر بعد اكتشاف مقابر جماعية أو فردية"، لافتاً إلى أن "بعض عناصر التنظيم قتلوا فتيات ونساء رفضن الانصياع لأوامرهم، بحسب ما ذكر أيزيديون كانوا أسرى وسبايا لدى داعش. بعض هؤلاء المجرمين كانوا يقتلون من دون سبب فقط لإشباع رغباتهم الدموية".

ويؤكد البرزنجي أن "القضاء على داعش، وعلى الرغم من كونه يمثل نصراً مهماً، لكنه للأسف يقضي على آمال كثيرين في أن يجتمعوا مرة أخرى بذويهم المفقودين". ويشير إلى أن "الأمر أشبه بالحرب عندما تنتهي. هناك أسرى يعودون إلى ذويهم، وآخرون يقتلون وقد يتم التعرف على جثامينهم، وآخرون فُقِدوا ولا أثر لهم".