مغالطات وحقائق

30 مايو 2014
+ الخط -
كانوا يقولون لنا بابتسامات عريضة: أنتم أجيال الغد، لكن، عندما كبرنا اكتشفنا أننا أجيال من دون غد، والغد الوحيد كان من نصيب مَن درسوا في المدارس الخاصة، وليس مدارس لا تحمل من صفات المدرسة سوى الاسم.
كانوا يقولون لنا إن المغرب هو أنتم، لكن، عندما كبرنا، اكتشفنا أن الوطن كان محجوزاً لهم، بمائه وأرضه وجوّه. أما نحن، فكان نصيبنا الغربة والضياع في وطن محجوز لهم، تماماً مثلما تُحجز المقاعد على طائرة متجهة إلى أبعد نقطة في العالم.
كانوا يقولون لنا لا تنتظروا مقابلاً لحبكم أوطانكم، لكن، عندما كبرنا اكتشفنا أننا الوحيدون الذين انطلت عليهم حيلة "حب الأوطان من دون مقابل".
كانوا يقولون لنا سواد الحاضر مجرد سحابة صيف عابرة، لكننا عندما كبرنا، اكتشفنا أن السواد لم يكن عابراً، وإنما دام عقوداً من الزمن، ولا يزال.
كانوا يقولون لنا إن الصبر من شيم المواطن الصالح، لكن، عندما كبرنا اكتشفنا أن الصبر من صفات المواطن المغلوب على أمره.
كانوا يقولون لنا إن الجهل هو العدو الحقيقي للإنسان، لكن، عندما كبرنا اكتشفنا أنه من مصلحتهم أن نظل جهلاء إلى الأبد.
كانوا يقولون لنا إن الوطن عذاب، يجب أن نعيش فيه، لكن، عندما كبرنا اكتشفنا أن هناك مغاربة غير معنيين بعذاب الوطن.
كانوا يقولون لنا إننا في وطن يتسع لأحلام الجميع، لكن، عندما كبرنا اكتشفنا أن الوطن يتسع لأحلامهم فقط.
كانوا يقولون لنا إننا جميعاً في صفّ واحد أمام القانون، لكن، عندما كبرنا اكتشفنا أن قانونهم ازدواجي بطبعه.
كانوا يقولون لنا إن الإنسان بلا أخلاق لا يساوي شيئاً، لكن، عندما كبرنا اكتشفنا أن نهب المال العام لا يندرج، بالنسبة إليهم، ضمن "جرائم الأخلاق" المسؤولة عن معاناة شعب من الحرمان.
كانوا يقولون لنا إن الفقر مسألة قضاء وقدر، لكن، عندما كبرنا اكتشفنا أننا كنا ضحايا مغالطة جعلت من التفقير، وليس الفقر، قضاءً وقدراً.
كانوا يقولون لنا إن فرنسا دخلت إلى المغرب عازبة، وغادرت كذلك، لكن، عندما كبرنا اكتشفنا أن فرنسا تركت أبناء أوفياء جداً لـ"ماما" فرنسا.
كانوا يقولون لنا إن الدراسة في المغرب أحسن بكثير من الدراسة في بلاد "الكفر"، لكن، عندما كبرنا اكتشفنا أن أبناءهم عادوا من بلاد "الكفر" بشهادات مهّدت لهم الطريق إلى المناصب السامية، فيما شهاداتنا نحن مهّدت لنا الطريق إلى الشارع المقابل للبرلمان.
كانوا يقولون لنا إن المغرب بلد الحرية والديموقراطية، لكن، عندما كبرنا اكتشفنا أن المطالبين بالحرية والديموقراطية تعرضوا لشتى أصناف التعذيب والمهانة في السجون والمعتقلات السرية.
كانوا يقولون لنا: "العلم نور والجهل عار"، لكن، عندما كبرنا اكتشفنا أننا في بلاد تكرم الجهلاء، وتخوض، في المقابل، حرباً على دُعاة العلم والمعرفة.
كانوا يقولون لنا إن اللغة العربية لغة الدين والهوية والوطن، لكن، عندما كبرنا اكتشفنا أن أبناءهم يتحدثون سبع لغات، وبالكاد ينطقون بعض الكلمات باللغة العربية.
كانوا يقولون لنا: "حب الأوطان من الإيمان"، لكن، عندما كبرنا اكتشفنا أن الوطن الذي نحبه بجنون هو نفسه الوطن الذي يغتصبونه، كلما سمحت لهم الظروف بذلك.
كانوا يقولون لنا إن إسرائيل سبب تخلّف العرب والمسلمين، لكن، عندما كبرنا اكتشفنا أن أسباب تخلّفنا في مكان آخر غير إسرائيل.
كانوا يقولون لنا: "الإسلام هو الحل"، لكن، عندما كبرنا اكتشفنا تأخر بلاد المسلمين، وتقدم "بلاد الكفر"، وعندما سألناهم عن السبب، قالوا لنا إننا سبقنا الغرب إلى الحضارة والتقدم، من دون أن يجيبوا على سؤالنا طبعاً.
كانوا يقولون لنا إن الاعتذار واجب أخلاقي تجاه بعضنا، لكن، عندما كبرنا اكتشفنا أنهم لم يعتذروا إلينا، على الرغم من بشاعة المغالطات التي ارتكبوها في حقنا.
 
EE5BF85B-B5BE-45D1-99C0-1F89EAA1C9F3
EE5BF85B-B5BE-45D1-99C0-1F89EAA1C9F3
جمال العبيد (المغرب)
جمال العبيد (المغرب)