مطبّات الجزائر و"إرهاب الطرقات"

16 ديسمبر 2016
مطبّ منبسط فقد ميزته (إسماعيل مالكي)
+ الخط -

بات الجزائريون يخسرون أرواحهم أو يُصابون بإعاقات خلال حوادث المرور، أضعاف ما كان يُسجّل خلال عشرية العنف والإرهاب في تسعينيات القرن العشرين. هكذا، استحقّ ما يحدث على طرقات الجزائر تسمية "إرهاب الطرقات"، التي باتت متداولة على المستويَين الشعبي والحكومي.

تشير إحصاءات المديرية العامة للأمن الوطني إلى أنّ 16 ألفاً و245 حادث مرور سُجّلت في البلاد في عام 2015، وقد خلّفت 809 قتلى و20 ألفاً و717 جريحاً. ومن الجرحى من أصيب بإعاقة دائمة. سليم (26 عاماً) من مدينة مستغانم (غرب) واحد من هؤلاء. يقول: "فقدت ساقيَّ وعيني اليمنى. أنا عاجز تماماً عن التكفّل بنفسي، حتى أنّني تمنّيت لو أنني متّ مع صديقي الذي كان برفقتي. فذلك أكثر ستراً لي".

هذا الواقع، دفع بمنظومات مختلفة إلى التحرّك لوضع حدّ لهذه الأرقام المخيفة. فنتجت عن ذلك، بالإضافة إلى الإجراءات العقابية التي تحكم انتهاك قانون المرور، مبادرة تقضي بإنشاء مطبّات لإجبار السائق على تخفيف سرعته. وذلك عند مداخل الأحياء السكنية والمؤسسات التعليمية والأسواق. لكنّ العملية أتت بارتجال كبير على مستوى تحديد الأماكن، وبات من الممكن أن يصادفك مطبّ في مكان لا يستوجب ذلك. على مستوى طبيعة المواد المستعملة، فبعضها قضبان حديدية مغروسة في الأرض وبعضها كتل من الإسمنت والزفت. أمّا على مستوى الارتفاع، فقد يُفاجأ السائق بمطبّ يفوق ارتفاعه قدرة مركبته على التحمّل. بالتالي، تحوّل المطبّ الذي يُعرَف شعبياً بـ "الدودانة"، من نعمة إلى نقمة، ومن إجراء وقائي من حوادث المرور إلى مسبّب لها.

محمد كرّاس طالب هندسة معمارية في جامعة مستغانم، يقول لـ "العربي الجديد" إنّ "الفوضى التي أنجزت بها المطبّات، شكلاً ومكاناً، تدليل على روح الإهمال والارتجال التي باتت تتحكم في الواقع الجزائري". يضيف أنّ "هذا الواقع يذكّرنا بالمثل الشعبي الذي يتحدّث عمّن هرب من فم الأفعى فوقع في فم الغول". ويسأل: "ما معنى أن يكون ارتجال على مستوى حقل يتعلّق بحياة الناس؟ شهدنا هذا أيضاً في إنجاز أنفاق الطريق السريع وفي تجمعات السكن الاجتماعية، إذ تهاوى بعضها بمجرّد تسليمها".




إلى ذلك، تضعنا مدوّنة "تنوين" التي يكتفي صاحبها بالتعريف عن نفسه على أنّه "كهل جزائري يسابق الزمن علّه يدرك ربيع التغيير"، أمام أنواع المطبّات أو "الدودانات" في الجزائر. ونقرأ: "منها الطويلة الممِلة والقصيرة المحبطة، والمنبسطة التي فقدت ميزة الممهل (المطبّ) والمرتفعة التي وُضعت حقداً على المواطن السائق، والمائلة و"المفرومة" والمتكرّرة ومزدوجة الحدبات، والمتخفية التي تأتي بغتة من دون إنذار مسبق، والظاهرة التي تأتي متحدية، وهناك المندثرة أو المزالة التي لم تعد موجودة، غير أنّ مكانها باقٍ يثير الخوف والفزع في نفوس السائقين، فترى تأثيرها سارياً حتى بعد رحيلها".

في هذا السياق، ما يثير القلق هو أنّ إنجاز ممهل - أو إزالته - لم يعد حكراً على السلطات الحكومية، بل بات السكان أنفسهم يبادرون إلى ذلك، خصوصاً بعد وقوع حادثة في المكان بسببه أو بسبب غيابه. يقول عز الدين من محافظة بومرداس (شرق)إنّ "طفلة صغيرة توفيت عند مدخل الحومة، فقام السكان وهم هواة في المجال، بإنجاز ممهل إسمنتي بات يُشكّل عقبة للمركبات، لا سيّما الصغيرة منها". يضيف أنّ "هذه الممهلات الفوضوية جعلت السيارة الجزائرية من أقلّ السيارات صموداً في العالم".

ما يترتّب عن "الدودانة" من متاعب وعراقيل وزحمة وأضرار بالمركبات، جعلت الجزائريين يرونها رمزاً للعرقلة في حياتهم، فراحوا يصفون الإنسان الذي يُعطّل مصالح غيره بـ "الدودانة". كذلك باتوا يعيّرون من يعاني من السمنة بها، فيما اندرجت على قائمة التعابير الفنية المختلفة. ويقول أحد الشعراء الشعبيين: "يا يمّا الحنّانة، ما دارت فيّ الدّودانة، بدات بيا آنا، وزادت التوموبيل"، أي "يا أمّي الحنون، لقد أتعبني المطبّ، أنهكني أنا، ثم انتقل إلى السيارة".

تجدر الإشارة إلى الأمر استلزم وزير الأشغال العمومية عبد القادر والي سنوات قبل أن يقرّ أمام مجلس النواب في مطلع مايو/ أيار الفائت، بأنّ ما نسبته 42 من المائة من المطبّات أنجز بطريقة عشوائية، ومن غير استشارة السلطات العمومية. وأشار إلى أنّ ذلك "جعلها تتحوّل إلى آفة اجتماعية"، كاشفاً عن جملة من الإجراءات الصارمة التي تحدّد طرق وشروط إنجاز مطبّ أو إزالته. وقد تضمّن العدد الأخير من "الجريدة الرسمية" قراراً وقّعه كلّ من وزراء النقل والداخلية والأشغال العمومية يحدّد ذلك بدقّة.

دلالات