مصطفى.. فصول من التعذيب في أقبية الاستخبارات

مصطفى.. فصول من التعذيب في أقبية الاستخبارات

21 أكتوبر 2014
مئات ماتوا في سجون النظام (فرانس برس)
+ الخط -
لم يكن مصطفى يعلم أن الإجازة التي قرّر أن يقضيها في دمشق مع عائلته، ستُستبدل بأخرى مختلفة في فرع الاستخبارات العسكريّة رقم 235 في دمشق، المعروف باسم "فرع فلسطين". اعتُقِل فور وصوله إلى مطار دمشق الدولي، آتياً من المملكة العربيّة السعوديّة لقضاء إجازة العيد مع أسرته وخطيبته التي كان سيقابلها للمرّة الأولى منذ خروجه من سورية قبل عام ونصف العام.
منذ وصوله، أدرك مصطفى (27 عاماً)، أن ما كان يسمعه من أخبار ويشاهده من صور حول ما يحدث في سورية، ليس سوى الحقيقة. فهو تلقّى ما يكفي من ضرب لتكسير جسده وتوريم وجهه، ناهيك عن الإهانات.
يروي مصطفى، لـ"العربي الجديد"، أنه "وبمجرّد أن تطأ قدماك هذا الفرع، حتى تسقط القيم الإنسانيّة كلها. أنت هناك مجرّد عبد. الزنزانات قذرة وغير صالحة حتى للحيوانات، إذ يتمّ جمع أكثر من 80 معتقلاً في غرفة مظلمة وصغيرة لا تتجاوز مساحتها 16 متراً مربعاً. فيضطر المعتقلون إلى التناوب في ما بينهم على فترات الاستلقاء والوقوف". يضيف أن "المعتقلين الجدد كانوا يُجبرون على البقاء واقفين لثلاثة أيام متتالية، قبل أن يتسنى لهم النوم لساعتَين أو ثلاث".
تعرّض مصطفى للتعذيب بطرق عديدة، بدءاً بطريقة "الشبح" التي يتمّ خلالها تعليق المعتقل من معصمَيه بالسقف حتى تكاد قدماه لا تلمسان الأرض، أو يُعلّق بالهواء حتى يقع ثقله كله على معصمَيه. وهذا ما يؤدّي إلى تورّم وألم شديدين.
"بساط الريح" طريقة أخرى اختبرها مصطفى. فيها، يقيَّد المعتقل على لوح مسطّح في حين يبقى رأسه معلقاً بالهواء، حتى لا يدافع عن نفسه. بعدها كان له نصيب مع "الدولاب"، الذي يُجبَر في خلالها المعتقل على إحناء جسده ابتداءً من الخصر، في حين يوضع رأسه وعنقه وساقاه وأحياناً ذراعاه في داخل إطار سيارة. فتشلّ حركته تماماً ويعجز عن حماية نفسه من الضرب. ولا ينسى التحدّث عن "الصعق الكهربي" الذي تُستخدم خلاله أقطاب كهربائيّة أو أسلاك موصولة ببطاريّة.
وأساليب التعذيب هذه بالإضافة إلى ظروف الاعتقال، خلّفت أمراضاً عدّة تنتشر اليوم في أقبية السجون مثل الروماتيزم والقرحة والديسك، بالإضافة إلى تقرّحات خلّفها التعذيب الشديد في أجساد المعتقلين، والقمل وأمراض جلديّة مختلفة، وأخرى تطال النظر والسمع.
تنقّل مصطفى بين زنازين عدّة، منها الكبيرة ومنها الصغيرة، بالإضافة إلى فترات في الحبس الانفرادي. ولعلّ أفضل تلك الزنازين كانت في فرع أمن الدولة، بينما أسوأها في فرع الأمن العسكري رقم 215 والذي تُسجَّل فيه أعلى نسبة وفيات للمعتقلين، بحسب ما يفيد ناشطون حقوقيّون. في هذا الفرع، وُضِع مصطفى مع معتقلَين آخرين، في زنزانة لا تتجاوز مساحتها المترَين المربّعَين وفيها حفرة مخصّصة لقضاء الحاجة. يقول: "هي أسوأ مرحلة مررت بها خلال الاعتقال".
عند انتقاله إلى فرع أمن الدولة المعروف بـ"فرع الخطيب"، صادف مصطفى أحد أصدقائه، ويدعى حمزة. عرفه على الرغم من أن ملامح وجهه تغيّرت كثيراً وجسده أصبح هزيلاً. لكنه لم يتمكّن من مصافحته أو الاقتراب منه، بسبب منع المعتقلين من إصدار أي صوت.
وكان مصطفى قد قرأ على إحدى صفحات التواصل الاجتماعي، خبر اختفاء حمزة قبل أشهر عدّة. ويُخبر كيف كان حمزة ينظر إليه دائماً بحسرة، محاولاً الاقتراب منه والتكلّم معه.
يتذكّر مصطفى ما جرى في المعتقل، بألم شديد. فتحْمَرُّ عيناه، وتتيبّس شفتاه، وينحني جسده بخجل من دون أن ينظر إلى محدّثه. "كانت أياماً عصيبة. وأشعر أني ولدت من جديد"... بهذه الكلمات حاول التعبير عن ألمه بعد خروجه من المعتقل. وقد حصل ذلك عندما تمكّن والده، قبل 15 يوماً، من الوصول إلى مسؤول كبير في الاستخبارات الجويّة السوريّة، طلب منه خمسة ملايين ليرة سوريّة (نحو 30 ألف دولار أميركي) في مقابل خروج مصطفى.
ويشير مصطفى إلى أنه لم يُستجوَب إلا بعد شهر كامل من اعتقاله، وقد أتت الأسئلة عامة حول عائلته ومكان إقامته وعمله. أما في الاستجواب الثاني، فقد اتُّهم بدعم جماعات مسلحة وبالتخطيط لتنفيذ تفجيرات إرهابيّة وبمحاولة تغيير نظام الحكم.
بعد خروجه من أقبية الاستخبارات، لم يحتمل مصطفى البقاء ليوم إضافيّ واحد في سورية، فعاد إلى السعوديّة بعد 18 ساعة من مغادرته السجن، محاولاً نسيان ثمانية أشهر قضاها تحت الأرض.