مصر والإعلام الطبال والمغرب

08 يناير 2015
+ الخط -
يكن الشعب المغربي كل الحب والتقدير للشعب المصري، وهذه حقيقة لن يغيرها أي كان، فالاحترام المتبادل بين الشعبين لن تنال منه سياسة هذا الرئيس أو ذاك.
قام الشعب المصري الشقيق بثورته، وأسقط رئيسه السابق، حسني مبارك، بارك المغرب الخطوة، واحترم إرادة الشعب ولم يتدخل أو يعلق. أجريت انتخابات وصفت بأنها نزيهة، وجاءت برئيس شرعي هو محمد مرسي. بارك المغرب، مرة أخرى، وكان من المهنئين الأوائل. تغيرت الأوضاع، وظهر وزير الدفاع المصري، وقدم على أنه المنقذ للشعب المصري العظيم. ثم تم القبض على رئيس انتخبه الشعب، وتم تغييبه، والزج بجميع أنصاره ووزرائه في السجون. بعد ذلك، سيصبح عبد الفتاح السيسي رئيساً، وهو الذي قال، بلسانه، إنه عندما أزاح مرسي الإخواني لن يترشح ولا يطمع في حكم مصر، لكن إرادة الله الذي بشره في أحلامه أنه سيتقلد مسؤولية عظيمة أهلته لأن يقلع بزة العسكري، ونظمت انتخابات رئاسية على مقاس عبد الفتاح السيسي، فاز فيها بسهولة. بعدما قتل ديمقراطيّاً كل معارضيه في ميداني رابعة العدوية والنهضة، فلا أحد يستطيع أن يفتح فمه أمام هكذا ديمقراطية.
إلى هنا، كل الأمور طبيعية، لأن أي تدخل سيعتبر تدخلاً في الشؤون الداخلية لمصر، والمغرب أخ الشقيقة مصر ساكت يشاهدها وهي تتقلب بين الشرعية والانقلاب، ولم يقل شيئاً، بل بارك للمشير السيسي منصبه الجديد، حرصاً منه على العلاقة الأخوية بين البلدين. لكن، وهنا مربط الفرس، ومنذ إمساك السيسي (على) الحكم، أطلت ظاهرة غريبة، متمثلة في تهجم إعلاميين على المغرب، وتعدّى الأمر إلى فنانين شربوا من (مية) المغرب، فأصبحت القضية عندهم وكأنها رياضة يومية، حيث أصبح كل من أراد أن يصنع الحدث يأتي على ذكر المغرب، فانطلقت تحليلات بهلوانات يجلسون أمام كاميرا ويبدأون سب غيرهم، والتنقيص من أي شخص خطر على بالهم، فتعددت المسخرات من مذيع يجلس على كرسي، ويبدأ إطلاق كلام لا معنى له، يتحدث أولاً عن السيسي، ثم يتعرض إلى "الإخوان المسلمين" ويختم بالمغرب، يسب كل شيء يتحرك أمامه، ولم يسلم من حماقته حتى العاملون معه، وإعلاميون آخرون اشتهروا في مصر ليس لمهنيتهم ولكن لكثرة تطبيلهم للسيسي.
نتعجب لمذيع اشتعل رأسه شيباً، يوبخ مغاربة ويقدم لهم دروساً في احترام مصر، لأنهم لم يستسيغوا أن تطلع عليهم مغنية مصرية، في عقر دارهم، جاءت لتغني لهم وترفه عنهم، فإذا بها تصيح يحيا السيسي، أية حماقة أكبر من هذه؟ وبقدرة قادر، تحول الجمهور في عيون إعلاميين مصريين إلى جمهور الإخوان المسلمين، في سخرية سوداء، لا يصدقها أغبى غبي. ثم يتمادى مقدم البرنامج، ويقول علينا أن نقف إجلالاً واحتراماً حينما يذكر اسم مصر، وأنا معه، لكنه نسي أن عليه، هو الآخر، أن يتمضمض جيداً، ويغسل فمه بماء معطر عند ذكر اسم المغرب. وتتوالى خرجات إعلاميين وممثلين، فهذه تصف المغرب بأنه بلد الدعارة، وذاك يصف المغاربة، في جهل غريب، بأن أغلبهم يهود، وهو لا يفرق بين اليهود والصهاينة، ولو عرف الفرق لاستحى من نفسه وسكت، وتطلع أخرى لتنسب للمغاربة السحر.
نتذكّر ما جرى بين الإخوة الجزائريين والإخوة المصريين حول مباراة كرة قدم، حيث حولها الإعلام المصري إلى معركة حياة أو موت. حينها وقف المغاربة على الحياد، ولم يصطادوا في الماء العكر. ونتذكّر العبارات العنصرية التي تلفظ بها بعض المصريين في حق إخوتنا في الجزائر. لكن، إيماناً منا بأن تلك الفئة لا تمثل المصريين الشرفاء الذين نقدرهم، كنا نتغاضى عن كل التفاهات التي تسيء للإعلام المصري، قبل أن تسيء لغيره، فقد تحول مقدمو برامج إلى قنابل صوتية تتفرقع هنا وهناك، ظنّاً منهم بأنهم يصنعون الحدث، والحقيقة أنهم أصبحوا مسخرة، فهذا يصف ضحكة السيسي، وهذا يتغزل في تسبيلة عيون السيسي، وهذا يردد لازمة قالها السيسي.
فليعلم الإعلام الطبال في مصر أن تطبيلهم أصبح لا يطرب حتى الشعب المصري، ومن السذاجة أن تبقوا تشاهدون قنواتكم المعلومة من وراءها لتسبوا من تشاءون وتنقصوا من قدر من جاء على بالكم. المغرب دولة تحترم مصر، ولا تتدخل في شؤونها. لذلك، على بعضهم عدم التدخل في شؤون غيره، أما فزاعة "الإخوان" التي تشهرونها في وجه كل من واجهكم، فلم تعد تفزع أحداً.
توقفوا عن عبثكم وخرجاتكم غير المحسوبة، وعن تصدير خزعبلاتكم بأن العالم كله يكيد لمصر، وإذا قال أحدهم إن ما وقع في مصر انقلاب لا يعني ذلك أنه ضد مصر. طبعاً كل هذا تحت تطبيل وتزمير إعلام لا يخجل من نفسه، يقتات من السب والقذف والشتم.
 

 

2D490069-E953-4BA4-A066-85F79C569506
2D490069-E953-4BA4-A066-85F79C569506
يونس كحال (المغرب)
يونس كحال (المغرب)