مصر تفتقد هويتها المشرقية

مصر تفتقد هويتها المشرقية

23 يوليو 2015
+ الخط -
هل تعلم لماذا لا يوجد اتجاه سياسي واضح وعقيدة سياسية ثابتة لدى صانع القرار المصري اليوم في مجال السياسة الداخلية والعلاقات الخارجية؟ 
ببساطة، لأن ولاءات رؤساء مصر منذ انقلاب 1954 انقسمت بين متاهات تبعية متعددة بين روسيا الشيوعية والولايات الرأسمالية، وتم هذا الانقسام مناصفة خلال عهدي جمال عبدالناصر وأنور السادات، وتُرِكَت البلاد "سبهلله" في عهدي حسني مبارك وعبد الفتاح السيسي. وتخلل المشهد انبعاث بعض القيم الفرعونية والكونفوشية، وتبين ذلك من تتبع السينما والدراما المصرية، وحاول صانع القرار سلخ الشعب المصري عن هويته الإسلامية وتوجهاته المحافظة، وشكك في رموزه، أمثال عمرو بن العاص وصلاح الدين الأيوبي، باستنساخ رموز من الجهلة وأنصاف الخُلق والثقافة ممن ينتمون إلى قبيلة المطبلاتية والمزمّراتية.
وتحدث بعضهم خلال تلك العقود عن وجود اتفاقيات سرية بين عسكر مصر والولايات المتحدة، مدتها عشر سنوات، ومن شروطها قمع المعارضة الإخوانية والشيوعية بهدوء وتدرّج، مقابل تعهُد قيام الولايات المتحدة الأميركية ببناء بعض المؤسسات الصناعية. ولم ينفذ أي من هذه المشروعات سوى كَبت الحريات العامة، وفتح المعتقلات، وتنفيذ الإعدامات. ومنذ عام 1955، حصل شبه قطيعة بين مصر والغرب، لكنها غير تامة، وتمتع نظام جمال عبدالناصر، في تلك السنوات القليلة، بعلاقات جيدة مع روسيا، من نتائجها هزائم عسكرية متكررة، وفشل اقتصادي مضاعف، وكبت وقمع للحريات، وتحولت البلاد إلى إقطاع عسكري باسم تأسيس مؤسسات قومية حلت مكان الإقطاع الزراعي، في حين قدمت له روسيا السوفييتية بعض المساعدات العسكرية ودعمت مشروع بناء السد العالي، بهدف معالجة مظاهر تراجع الزراعة بعد سياسة تدوير الإقطاع.
وخلال تلك الفترة، تسللت أموال إلى جيوب القطط السمان الجديدة. ولذلك، وجِدَ خلال هذه العقود انقسام واضح بين النُخب المتعلمنة في مصر بين رأسمالية متوحشة، تغلغلت في عهد السادات منذ سبعينيات القرن الماضي، وشيوعية فاشستية دخلت مصر تحت غطاء القومية والعروبة منذ منتصف الخمسينيات، وكل منها كان يدلي بدلوه عبر وسائل إعلام الفانتازيا المضحكة، وتصارعوا على تولي زمام مؤسسات البلاد القومية.
وانتقلت البلاد في العهود من إقطاع زراعي في عهد الملكية إلى إقطاع العساكر والنُخب ورجال رأس المال عبر مؤسسات العولمة الغربية في عهود مصر الجمهورية.
وبقيت مصر على هذا الحال، وما زالت، تارة تخترقها الاستخبارات الروسية، وتارة الاستخبارات الأميركية، من خلال العساكر والنُخب ورأس المال وأدوات الضغط الناعم والخشن. ولذلك تجد سياسة مصر الداخلية في مجال الاقتصاد والاجتماع والثقافة غير واضحة المعالم، ومترددة ومرتعشة وتموج بين خيارات رأسمالية في مجالات دعم رأس المال الاستثماري والخصخصة والسوق الحُرة، وبين قيم الاشتراكية والعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للموارد.
ويتكرر الأمر نفسه في السياسة الخارجية، وتحديداً تجاه القضايا العربية، وتسير في تعرجات غير متزنة، وغير مُبررة، بداية من الموقف المصري تجاه حروب اليَمَن المشتعلة والمتعاقبة منذ نصف قرن، مروراً بقضية فلسطين المُعلقة منذ سبعة عقود، وإلى الموقف من حافظ الأسد وابنه، وليس أخيراً موقف نظام مصر المضحك عربياً تجاه النظام العراقي الشقيق في عهد صدام حسين، وقبل ذلك في عهد الاشتراكية. ونستذكر ما تبع ذلك من حروب الخليج الثلاث المتعاقبة، بما فيها احتلال بغداد عام 2003، وشمل ذلك الارتعاش والتردد متاهات الموقف المعادي تجاه النظام التونسي أثناء حُكم الحبيب بورقيبة، وأقل توتراً في عهد زين العابدين، ولم يخرج عن هذا السياق توتر العلاقة مع الجزائر بسبب لعبة كرة القدم، وإلى جانب الموقف المعادي للملكية السعودية والخليج العربي، ناهيك عن مواقفها المتخاذلة تجاه أثيوبيا وسد النهضة.
ويمكن تشبيه نظام الحكم في مصر، وفق هذا المشهد، وتحديداً بعد اتفاق كامب ديفيد، وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي، بفتاة ترتدي غطاء رأس أميركيا في فصل الشتاء، مع شورت قصير أو برمودة روسية في فصل الصيف، وتستهويها منتجعات مياه العرب الدافئة، وبجوارها يجلس قسيس أو كاهن، يُلَقِنها ترانيم معابد الفراعنة.
BE72FBDD-86B0-4A1B-8C54-D24FE17CFE05
BE72FBDD-86B0-4A1B-8C54-D24FE17CFE05
ممدوح بري (فلسطين)
ممدوح بري (فلسطين)