مصر: تعليمات أمنية بإرجاء قانون المرور لتفادي الغضب الشعبي

24 نوفمبر 2019
البنى التحتية المصرية سيئة للغاية (فرانس برس)
+ الخط -
حذّر أعضاء في مجلس النواب المصري من محاولات الأغلبية البرلمانية لتمرير قانون المرور الجديد، من دون تأهيل البنية التحتية للطرق، وتطبيق منظومة الإشارات الإلكترونية في جميع المحافظات على حد سواء، منبهين إلى أن التشريع يفرض العشرات من الغرامات والرسوم والضرائب على سائقي السيارات الخاصة والأجرة والنقل، بما ينُذر بموجة غلاء جديدة تزيد من الأعباء المعيشية على المواطنين، في ظل حالة الاحتقان في الشارع من جراء السياسات الاقتصادية للسلطة الحاكمة. وكشفت مصادر برلمانية لـ"العربي الجديد"، أن رئيس مجلس النواب، علي عبد العال، تلقى تعليمات من الدائرة الاستخباراتية الموالية للرئيس عبد الفتاح السيسي، والتي أصبح يديرها نجله العميد محمود السيسي، بإرجاء تمرير مشروع قانون المرور إلى نهاية دور الانعقاد المقرر في يونيو/حزيران المقبل، كي يتزامن مع بدء العام المالي الجديد، وتحسباً لردة فعل الشارع إزاء تطبيق أحكام القانون، لا سيما أنه يفرض المزيد من الرسوم والضرائب على المواطنين.

وقالت المصادر إن تظاهرات جمعتي 20 و27 سبتمبر/ أيلول الماضي، الداعية إلى الإطاحة بالسيسي من الحكم، لا زالت تلقي بظلالها على قرارات رئيسي الحكومة والبرلمان، اللذين يسعيان لاحتواء غضب المواطنين من خلال سلسلة من الإجراءات الاقتصادية المتعاقبة، بناءً على تعليمات من السيسي نفسه، والتي على الرغم من محدودية تأثيرها في ما يخص تحسين أوضاع المصريين، إلا أنها تكشف بوضوح عن عمق الهزة التي سببتها لأركان النظام الحاكم.

وتابعت أن هناك تقارير رقابية تلقتها مؤسسات الدولة وفي مقدمتها رئاسة الجمهورية، بعدم اتخاذ إجراءات حكومية أو تمرير البرلمان لتشريعات من شأنها رفع أسعار السلع والخدمات على المواطنين في المرحلة الراهنة، وإرجاء تطبيقها لأشهر عدة إلى حين تهدئة الشارع، خصوصاً بعد اتخاذ بعض الإجراءات لاحتواء الغضب الشعبي، على غرار إعادة النظر بشأن المستبعدين من منظومة الدعم والبطاقات التموينية، وتخفيض أسعار البنزين والمازوت والغاز للسيارات والمنازل والمصانع، اعتباراً من مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

في غضون ذلك، أفاد مصدر بارز في لجنة النقل والمواصلات بمجلس النواب، بأن لجنة الدفاع والأمن القومي انفردت بالموافقة على مشروع قانون المرور المعد من الحكومة، في جلستها المنعقدة بتاريخ 9 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، من دون التشاور مع لجنة النقل، أو حضور رئيس اللجنة وأعضائها لجلسات مناقشة القانون، بالرغم من أنه يعد اختصاصاً أصيلاً للجنة بموجب اللائحة المنظمة لعمل البرلمان.

وأضاف المصدر في حديث خاص مع "العربي الجديد"، أن القانون الجديد للمرور يستهدف في المقام الأول زيادة حصيلة المخالفات السنوية لصالح خزانة وزارة الداخلية، والتي تبلغ نحو 500 مليون جنيه (31 مليون دولار) سنوياً في المتوسط بحسب الأرقام الرسمية، فضلاً عن فرض رسوم وضرائب جديدة مقابل استصدار تراخيص السير والقيادة، وهو ما ستتبعه زيادة أكيدة في أسعار كافة وسائل النقل والمواصلات.

وحذّر المصدر من أن المواطن الفقير هو من سيدفع في النهاية قيمة الرسوم والغرامات المغلظة في القانون، لأن شركات النقل ستحملها على أسعار السلع والمنتجات الغذائية التي تصل إليه في المحافظات، منوهاً إلى أن القانون ساوى في كثير من الأحيان بين المخالفات البسيطة والجسيمة، من دون الأخذ في الاعتبار عدم توافر البنية الإلكترونية، أو الكاميرات الخاصة بمراقبة حركة المرور في الشوارع والميادين والطرق الرئيسية أو الفرعية.

بدوره، أكد أحد أعضاء تكتل (25-30) الذي يمثل الأقلية في البرلمان، أن أغلب نصوص القانون منقولة نصاً من تشريعات المرور في بلدان أوروبية وخليجية، بما لا يتناسب مع اتساع رقعة مصر، وضرورة تطبيق أحكام القانون في جميع المحافظات، حتى لا يُطعن عليه بعدم الدستورية في حالة التمييز بين المواطنين"، منوهاً إلى أن منظومة الإشارات الإلكترونية قد تطبق في محافظات بعينها من دون غيرها مثل القاهرة والجيزة والإسكندرية.

وأضاف أن "القانون يجب أن يؤجل حتى يطبق على جميع المصريين، ولا سبيل لإصداره سوى بتطوير منظومة الإشارات الإلكترونية في مختلف المحافظات، لأنه من غير المقبول أن تطبق في العاصمة القاهرة، ويدفع المواطن الغرامات المنصوص عليها في القانون في محافظات غير مؤهلة كالشرقية أو كفر الشيخ أو بني سويف"، مستطرداً أنه "حتى في حالة اقتراح تطبيق القانون على مراحل بحسب المحافظات، فإنه سيكون محل طعن لمخالفته المادة 53 من الدستور التي تحظر التمييز بين المواطنين". وزاد عضو التكتل بالقول إن قانون المرور أرسل من الحكومة إلى البرلمان تحت لافتة "التطوير" على غرار قانون التأمين الصحي الشامل، وهو تطوير على الورق لا محل له على أرض الواقع، بفعل معاناة مصر من تدهور واضح في ملف صيانة الطرق، أو تجهيزها بوسائل تحكم مروري، علاوة على غياب عوامل الأمان خصوصاً في الطرق الجديدة، التي لا يتوافر عليها أي نوع من الخدمات. ويمنح مشروع القانون كل رخصة قيادة حداً أقصى من نقاط الصلاحية، بما لا يُجاوز 50 نقطة كرصيد خلال العام، يحسم منها عدد من النقاط حسب المخالفات المرورية، بدءاً من نقطة واحدة وصولاً إلى خمس نقاط، بعد تقسيم المخالفات إلى 5 شرائح، بغرامة تراوح بين 100 و200 جنيه للشريحة الأولى، وبين 200 و400 جنيه للثانية، وبين 400 و800 جنيه للثالثة، وبين 1000 إلى 2000 جنيه للرابعة، وبين 2000 إلى 4000 آلاف جنيه للخامسة.

وشملت الشريحة الأولى مخالفات أبرزها: "عدم الالتزام بمسافات الأمان، وعدم حمل رخصة قيادة وتسيير، والتوقف في الممنوع، وعدم تزويد المركبة بمثلث عاكس للضوء أو حقيبة الإسعافات، وفتح الباب الأيسر لمركبات نقل الركاب بالأجر للتحميل". وتضمنت الثانية مخالفات مثل "السماح بركوب الأطفال من دون السابعة في المقاعد الأمامية، والرجوع للخلف بالسيارة، وعدم استخدام حزام الأمان، واستخدام الهاتف أثناء القيادة".

وتضمنت الشريحة الثالثة مخالفات مثل "عدم الصلاحية الفنية للسيارة، وتركيب أجهزة تنبيه مشابهة لسيارات الطوارئ والإغاثة، والوقوف على الطرق ليلاً، وتلوين زجاج السيارة، وعدم وضع ملصق إلكتروني، وقيادة السيارة من دون رخصة"، وشملت الرابعة مخالفات مثل "استعمال السيارة في غير الغرض المخصص لها، والامتناع عن تقديم التراخيص لضابط المرور أثناء طلبها، وتعليم القيادة في أماكن غير مخصص لها". أما الشريحة الخامسة فشملت مخالفات: "اعتداء السائق على رجل المرور، والتزوير والتلاعب في أجزاء السيارة أو اللوحات المعدنية، والتسابق على الطرق من دون تصريح من إدارة المرور، وثبوت ارتكاب حادث مروري على الطرق ترتب عليه وفاة أو إصابة، والسير عكس الاتجاه، والقيادة تحت تأثير المخدر، وارتكاب قائد المركبة فعلاً مخالفاً للآداب العامة، أو السماح بارتكابه في المركبة".

غير أن القانون الجديد أعفى المركبات الحكومية من كافة الرسوم والضرائب، وكذلك مركبات الإسعاف، ومركبات ذوي الإعاقة، ومركبات الهيئات الدبلوماسية والقنصلية العربية أو الأجنبية، ومركبات الهيئات الدولية، والوكالات التابعة لها، والمملوكة لجامعة الدولة العربية، كما أعفى أعضاء السلك الدبلوماسي، والأجانب بالسفارات والقنصليات وعائلاتهم، والمصابين من العمليات الإرهابية والأمنية... من عقوبة عدم حمل رخصة القيادة.
ووضع القانون شروطاً لترخيص تسيير المركبات، منها تركيب جهاز تتبع "جي بي أس"، والتأمين عن المسؤولية المدنية الناشئة عن حوادث المركبة، وكافة الأضرار المادية الناجمة عنها، في حين ألغى تراخيص سيارات الأجرة التي مضى عليها 20 عاماً فأكثر، إضافة إلى عربات النقل المكونة من أكثر من مقطورة، وسيارات الأجرة غير المرخصة التي مضى عليها 5 سنوات (بما فيها سنة الصنع).

وفرض القانون ضرائب جديدة على المركبات الخاصة بقيمة 10 جنيهات لكل 50 سنتمتراً مكعبا سنوياً، و10 جنيهات عن كل راكب بحد أدنى 100 جنيه سنوياً لمركبات نقل الركاب، و50 جنيهاً عن كل طن من الوزن القائم بحد أدنى 150 جنيهاً سنوياً لمركبات نقل البضائع والمقطورات غير الزراعية، و20 جنيهاً عن كل 100 سنتمتر مكعب بحد أدنى 1000 جنيه سنوياً لرافعات السيارات والجرارات.

وشملت الضرائب أيضاً مبلغ 200 جنيه سنوياً لسيارات الإغاثة والخدمة الخيرية والجرارات الزراعية، و3000 جنيه عن اللوحة التجارية الواحدة سنوياً، و10 جنيهات عن اليوم الواحد بالنسبة للوحة المؤقتة، إلى جانب فرض رسوم جديدة بقيمة 10 جنيهات عن كل سنة لرخصتي القيادة والتسيير، و20 جنيهاً عن رخصة القيادة المؤقتة للتعليم لمدة 6 أشهر، و40 جنيهاً عن بدل الفاقد أو التالف لرخص القيادة والتسيير، و25 جنيهاً مقابل استعمال لوحة المقطورة والدراجة الآلية. وأقر مشروع القانون الجديد عقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة، وبغرامة لا تقل عن 5 آلاف جنيه، ولا تزيد على 20 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، لكل من قاد مركبة آلية من دون رخصة قيادة، أو سمح بقيادة مركبة لمن هو دون 18 سنة، أو لأي شخص غير مرخص له بالقيادة.

المساهمون