مصر: "حظر النشر".. الشعب آخر من يعلم

30 يناير 2016
كثُرت تساؤلات الرأي العام والمتابعين (Getty)
+ الخط -
حظر النشر هو عنوان المرحلة في مصر، وتبقى حجة الحفاظ على الأمن القومي، المبرر الأول. لم يقتصر هذا الحظر على القضايا المنظورة في أروقة النيابات والمحاكم، بل أصبح رهينة لكل ممارسة يمكن أن تسببَ صداعاً للنظام إذا عُرضت على الرأي العام. تقبل السلطة الأولى بالتطبيل الإعلامي، لكنها ترفض الاعتراف به باعتباره سلطة رابعة، متجاهلةً بذلك عامل التطور الذي تولّدت من خلاله وسائل اتصال جديدة لم يعد بإمكانه السيطرة عليها ومنها وسائل التواصل الاجتماعي.

يحاول "حظر النشر" أن يضع حدّاً لدور الإعلام المقروء والمرئي والمسموع بوصفه مراقباً ومحارباً للفساد. وقد بلغ الإسراف في استصدار قرارات حَظر نشرٍ غير منطقية مبلغاً جعل بعض الناشطين يطلق على مصر "جمهورية حظر العربية". فلم يعد من حقّ الشعب أن يتعرف على أية تفاصيل ربما تكون محرجة للنظام وسدنته.

حتى هذه اللحظة تم تطبيق حظر النشر في 17 قضية، وكلما زاد الحظر تساءل الناس عن جدواه وعن المستفيدين منه، خاصة عندما تكون القضية تخص الشأن العام. فالرأي العام ضامن رئيسي للشفافية، التي لا تتمتع بها دولة مثل مصر، تقبع في منطقة مظلمة في التصنيف العالمي لمحاربة الفساد، لدرجة التهليل لحصول مصر على المرتبة 88 عالمياً باعتباره انتصاراً.
بعض القضايا ذات وجه سياسي خالص؛ مثل قضية "التمويل الأجنبي" لبعض المنظمات الحقوقية، وبعضها يخص أداء مؤسسات رسمية كالقضاء والأمن الوطني، وبعضها يمس شخصيات عامة ونافذة؛ ما يدين عملية حظر النشر ذاتها.

قضايا الفساد
غالبا ما تكون قضايا الفساد حديث الموائد والمقاهي، فالشعب الفقير الغارق بالأزمات الاقتصادية تستفزه القضايا التي تتعلق بمليارات الدولارات المنهوبة. لكن لم يعد من حقه الحديث عن ذلك حتى.

الجهاز المركزي للمحاسبات تحدث في تقرير قدمه إلى الرئاسة والرأي العام، وفقا للدستور، عن هدر ملحوظ للمال العام يصل إلى مئات المليارات خلال سنوات قليلة جدا، وبدلاً من أن تباشر النيابة العامة التحقيق لكشف لصوص المال العام واسترداده، أغمضت عينيها فترة مناسبة لوسائل الإعلام الموالية التي كالت الاتهامات لهشام جنينة رئيس الجهاز بالأخونة وتعكير الصفو العام. ثم شكّلت الرئاسة لجنة تقصي حقائق، عوضاً عن توجيه النيابة للتحقيق مع المتهمين. ثم قامت اللجنة بكتابة تقرير يدين جنينة في غضون أسبوعين، ويتهمه بتضليل الرأي العام. واحتفت به وسائل الإعلام الموالية، وعندما جاء دور هشام جنينة للدفاع عن تقريره في وسائل الإعلام، وإثبات صدق ادعاءاته، قام النائب العام بحظر النشر.

قضايا أخرى تتعلق بالفساد المالي والأخلاقي لرموز من النظام تم إقصاء الرأي العام عن معرفة تفاصيلها مثل: قضية رشوة مسؤولين كبار بوزارة الزراعة، وقضية ضبط اللواء أحمد شرف، رئيس هيئة موانئ بورسعيد من قبل هيئة الرقابة الإدارية متلبسًا بالرشوة، وقضية الرشوة الجنسية لرئيس محكمة جنح مستأنف مدينة نصر، وقضية الإتجار في الآثار المتهم فيها مدير نيابة مدينة نصر وشقيقه وعدد من ضباط الشرطة.

اقرأ أيضاً: حقوقيون: مصر تواجه الفساد بمنع المؤتمرات بعد حظر النشر

القضايا الأمنية
تبع تفويض القضاء على الإرهاب في مصر مجموعة من الأحداث الإرهابية التي تكشف عن هشاشة أثر التفويض، ونواياه الحقيقية في تصفية الخصوم السياسيين وليس الإرهاب. فجاء "قانون الإرهاب" ليجرم نشر أي معلومات عن الأمن. ويمنع الجيش على وسائل الإعلام تصوير عمليات التهجير والتدمير في رفح. وعندما اختطف مجهولون النقيب أيمن الدسوقي في سيناء، أصدر هشام بركات (النائب العام الراحل) قراراً بحظر النشر في القضية، متناسياً أن قرار الحظر بيد الخاطفين، حيث بث تنظيم "ولاية سيناء" في 12 يناير/كانون الثاني 2015، فيديو لعملية خطف االدسوقي مع كلمة موجهة منه للداخلية تلاها تصوير لعملية إعدامه.

كما أصدر بركات في فبراير/شباط الماضي قرارًا بحظر نشر أية معلومات عن قضية تنظيم أنصار بيت المقدس. وطاول الحظر قضية "مقتل الشهيدة شيماء الصباغ" على يد رجال شرطة، بعد أن استقر في ذهن الرأي العام من هو القاتل. وجاء اغتيال النائب العام هشام بركات ليقوم نائبه علي عمران بحظر النشر في قضية اغتياله.

بعض القضايا كانت بمثابة فضيحة دولية طاولت أطرافا غير مصرية مثل مقتل السياح المكسيكيين على يد الأمن المصري في الواحات، حيث اختلط الأمر على الرأي العام الذي تساءل على عاتق من تقع المسؤولية، ومن سيتحمل فاتورة الخطأ سوى الشعب المصري. بالطبع حظر النشر لا يسري على الإعلام الخارجي بداية من الإعلام المكسيكي ذاته، حيث طالبت وزيرة الخارجية المكسيكية كلاوديا رويز السلطات المصرية بالشفافية في التحقيقات، ودفع التعويضات المناسبة، في وقت يجهل فيه الشعب المصري حقيقة ما حدث: ومن فعل ذلك؟ ولماذا؟ وكيف؟! وكم سيدفع تعويضاً لهؤلاء الأبرياء؟!

النيل والضبعة
في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلن وزير الري، حسام مغازي، أن "مناسيب النيل" مسألة أمن قومي. لذلك توقفت الوزارة عن الإعلان عن هذه المناسيب في الصحف كما كان يحدث يوميا في الماضي. وعلى الرغم من أن معرفة منسوب النيل الذي تشترك فيه مجموعة من الدول ليس عسيراً على أحد، صديقاً كان أو عدوّاً، فنهر النيل ليس منطقة عسكرية ممنوعا الاقتراب منها والتصوير. وتساءل البعض، لماذا لم تكن فضيحة اكتشاف مياه جوفية لمصر تكفي لـ 100 سنة، والتي أعلن عنها الوزير، مسألة أمن قومي؟

من الواضح أن إخفاء مناسيب النيل مرتبط بحالة النهر التي تلت تنفيذ مشروع سد النهضة الإثيوبي، بالإضافة إلى الاتفاق الثلاثي حول سدّ النهضة بين زعماء مصر والسودان وإثيوبيا، الذي اعتُبر أيضاً مسألة أمن قومي لأن أحداً لا يعرف بنوده. وهو ما ترتبت عليه كارثة تحويل مياه النيل الأزرق إلى السدّ والبدء بتخزين الماء خلف البحيرة الصناعية الإثيوبية.
وقد كشف تصريح لعبد المحمود عبد المجيد، السفير السوداني بالقاهرة، أن مصر طالبت أن يكون ما تم الاتفاق عليه خلال الاجتماع الثلاثي سرياً.

أما حظر النشر في ما يتعلق بإنشاء "مفاعل الضبعة"، فهو واحد من أغرب قرارات الحظر، حيث نشرته الصحف القومية والموالية للنظام دون أن يتم تأكيده من مكتب النائب حتى الآن. المستغرب حقاً أن إنشاء المفاعل النووي المصري ليس سراً عسكرياً، فهو مفاعل لإنتاج الطاقة، ومثل هذه الاستخدامات السلمية تكون مراقبة من العالم عبر الوكالة الدولية للطاقة، كما أن شركة أجنبية روسية ستقوم بإنشاد المفاعل. شروط الاتفاق المفاجئ صدمت الشعب المصري خاصة أنه حصل بعد أيام من تفجير الطائرة الروسية فوق سيناء، حيث استنتج البعض أن الجدوى الاقتصادية للمفاعل ربما تكون محاطة بالشكوك.



اقرأ أيضاً: وزير العدل المصري يتوعد بقتل الآلاف..وناشطون: يشعل حرباً أهلية
المساهمون