مصادرة حقّ المثقفين في الحرية

28 يونيو 2014
+ الخط -

لم يكن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بعد انقلاب الثالث من يوليو/ تموز 2013، في حاجة إلى مصادرة حقّ المثقفين في الحرية داخل جامعاتهم، عندما أصدر أخيراً قراراً بقانون لتعديل بعض أحكام قانون تنظيم الجامعات، يقضي بتعيين رؤساء الجامعة وعمداء الكليات بقرار من رئيس الجمهورية، بناءً على عرض وزير التعليم العالي، من بين ثلاثة أساتذة ترشّحهم لجنة متخصّصة، مع جواز إقالة رؤساء الجامعات بقرار من رئيس الجمهورية، بناءً على طلب المجلس الأعلى للجامعات، وإقالة عمداء الكليات بقرار من رئيس الجامعة، بناءً على طلب مجلس الجامعة المختصّ.

لم يكن السيسي في حاجة إلى ذلك، لأن معظم أساتذة الجامعات ليسوا من "الإخوان المسلمين"، لكي يخشى تبعة اختياراتهم، في ضوء القاعدة الشهيرة التي أطلقها المصريون تندّراً عقب ثورة يناير: "اللي أوّله انتخابات آخره إخوان"، كما أن معظم أساتذة الجامعات ليسوا معارضين للسيسي معارضةً واضحةً، بدليل أن الصوت العالي لمجموعة العمل من أجل استقلال الجامعات، المعروفة إعلامياً باسم حركة 9 مارس، منذ انطلاقتها في أواخر عام 2003، خفت أخيراً حتى نسيها الجميع، بعد انضمام كثير من قادتها إلى طابور تمجيد العسكر.

أصبح السيسي، الذي اعتلى عرش مصر بمنطق القوة على ظهر دبّابة، مرعوباً من أن يترك الحكم في يد الشعب، حتى لو كان هذا الشعب مثقفاً واعياً. إنه يخشى من الانتخابات، لأنها حتماً ستأتي برجل حرّ، أياً كان توجّهه، رجل يحترم رغبة مَن أجلسه على مقعد رئاسة الجامعة، أو عمادة الكلية، لا سلطة الدولة، رجل يمتلئ فخراً بأن أصوات مَن يُديرهم هي التي أجلسته بأريحية على مقعد رئاستهم، لا بطشه وخوفهم منه، رجل جاء بآلية ديمقراطية حرّة، وحتماً سيحاول أن يجعل كلّ ممارسات جامعته أو كليته تسير بالمنهج نفسه، والآلية ذاتها. وقتها، سيجد السيسي نفسه أمام اتّحادات طلابية حرّة، تحرص على سمعة جامعاتها وكلياتها، وتنشد رضى الطلاب الذين نصّبوهم ممثّلين لهم، وهي اتحادات ستصطدم بالدولة الديكتاتورية في كلّ كبيرة وصغيرة تخصّهم، وتساهم في إشعال حراك طلابي قويّ ومستمر، عانى منه انقلاب مصر في عام دراسي كامل، جرّب فيه اتخاذ التدابير الأمنية للقضاء عليه أو الحدّ منه، لكنها لم تفلح في وأد صوت الطلاب، وهم يدافعون عن حاضرهم، ويصنعون مستقبلهم.

تعوّد العسكر على أن يديروا مختلف أمور حياتهم الوظيفية، بل والعائلية في أحيان كثيرة، بمبدأ الفوقية الذي صنعته الرُّتب والأوامر العسكرية؛ لذلك، تراهم في كلّ بلد يفرّون من أيّ انتخابات نزيهة، ويلجأون إلى تعيين أصحاب الولاء والطاعة. ولو كان المصريون أحسنوا قراءة الفترة الانتقالية التي مرّوا بها، عقب ثورة يناير في ظلّ حكم المجلس العسكري، قراءةً فاحصةً دقيقةً، لكَفَوْا أنفسهم عناء التشرذم الذي أعادهم، مرةً أخرى، إلى أحضان الدولة العسكرية التي عاشوها منذ سقوط الملكية في مصر عام 1952؛ فالمجلس العسكري تولّى الحكم ستة أشهر فقط، لكنه ظلّ يراوغ ويهرب من الانتخابات عامين، واستفتى المصريين، في استفتاء مارس/ آذار 2011 الشهير، على حزمة من المواد الدستورية، فلما صوّت المصريون لصالحها، فاجأهم بزيادة مُفرطة في المواد التي أضافها بعيداً عن دائرة الاستفتاء، في انتكاسة واضحة نحو التعيين.

وعندما اضطرّ المجلس العسكري إلى تمرير الانتخابات الرئاسية، وإعلان فوز رغبة الشعب بانتخاب الرئيس محمد مرسي، أول رئيس ترفعه أصوات المصريين إلى سدة الحكم، استبق إعلان النتيجة بحزمة قراراتٍ فوقية جعلت الرئيس المنتظر ظلاً، لا أكثر، لجسد العسكر الجاثم على صدر الوطن منذ أكثر من ستين عاماً.

قُدّر لمصر الانفكاك من آلية التعيين التي لا يعرف غيرها العسكر، وممارسة عملية انتخاب ديمقراطية حرّة ونزيهة عامين فقط، لكنّ المصريين جرّبوا كلّ أنواع الانتخابات، في هذه الفترة الوجيزة نسبياً، وكأنهم كانوا يشربون بنهمٍ جرعةً تكفيهم أيامهم القاحلة التي أعقبت انقلاب الثالث من يوليو، والتي مرّت سنتها الأولى كأنها دهر، من هول ما لاقاه المصريون من ظلم وقتل واعتقال وذلّ.

avata
avata
سيد الجعفري (مصر)
سيد الجعفري (مصر)