رأى العديد من خبراء الاقتصاد في تونس أن مشروع قانون المالية التكميلي(الموازنة) الذي اقترحته حكومة مهدي جمعة نهاية الاسبوع الماضي، يحمل العديد من الاجراءات الايجابية، لكنه لا يخلو من إجراءات ضرورية موجعة بإمكانها أن تثقل كاهل الطبقة الوسطى، في إشارة إلى أنها طبقة شديدة الحساسية ومهددة بالاندثار والوقوع تحت خط الفقر في حال بقيت الأوضاع الاقتصادية على حالها.
ووفق تقديرات المراقبين فإن الطبقة الوسطى شهدت تقلصاً منذ اندلاع الثورة لتصل إلى نحو 70 في المئة من إجمالي السكان مقابل 80 في المئة في السنوات الاخيرة التي سبقت الثورة.
ضعف الطبقة المتوسطة
وقال الخبير الاقتصادي التونسي محسن حسن: "جاء مشروع قانون المالية التكميلي المقترح من قبل الحكومة الحالية، محملاً بالعديد من الاجراءات الموجعة، والتي تعتبر ضرورية لترجيح الكفة، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن المشروع يضم إجراءات جبائية إضافية بإمكانها أن تسهم في إثقال كاهل المواطن متوسط الدخل واضعاف مقدرته الشرائية".
وكشفت وزارة الشؤون الاجتماعية التونسية خلال شهر مايو/ أيار الماضي، أن معدل الإضرابات الاجتماعية ارتفع بنحو 4 في المئة خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي حيث سجل عدد العمال المشاركين في الإضرابات ارتفاعاً بنحو 18 في المئة.
ويتضمن مشروع قانون المالية التكميلي بعض السلبيات يتمثل أبرزها في الزيادة الأخيرة التي أقرتها الحكومة في سعر لتر البنزين، واعتبر حسن أن رفع أسعار البنزين سيؤدي حتماً إلى ارتفاع أسعار عديد المنتجات الأساسية الاخرى.
وبدأت الحكومة التونسية منذ مطلع الشهر الحالي تطبيق الزيادة التي أقرتها مسبقاً في سعر البنزين، والتي حددتها بنحو 0.1 دينار في الليتر الواحد بنسبة إرتفاع 6.3 في المئة، ليبلغ سعره 1.67 دينار مقارنة بـ1.57 دينار قبل إقرار الزيادة.
من جهته، أكد المستشار الجبائي محمود مطير، أن مشروع القانون الذي قدمته الحكومة الحالية يُعدّ مواصلة لسياسة حكومة التقشفية التي لا تراعي الظروف الاقتصادية الحساسة للطبقتين المتوسطة والفقيرة.
وأوضح مطير أن الحكومة الحالية لجأت في مشروعها المقترح إلى الحلول الأسهل، التي لا تكلفها الكثيرمن الوقت والجهد، وتغاضت بذلك عن عملية البحث على حلول فعالة قادرة على إخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها منذ الثورة.
ويقدر حجم موازنة العام الحالي بنحو 28.1 مليار دينار تونسي، أي 17.8 مليار دولار، بزيادة 2.3 في المئة عن النتائج المحتملة لموازنة العام الماضي.
مشروع الموازنة
وأصدرت الحكومة التونسية يوم الجمعة الماضي، الوثيقة الرسمية لمشروع قانون المالية التكميلي تحت شعار "على طريق الانتعاش الاقتصادي" وذلك بعد المصادقة عليه من قبل مجلس الوزراء، وعرضه على المجلس الوطني التأسيسي في انتظار المصادقة النهائية عليه وتطبيقه.
وترتقب الحكومة تحقيق هدف إستراتيجي من خلال تطبيق هذا المشروع الذي يتمثل في جعل الاقتصاد الوطني واحداً من بين الاقتصاديات الصاعدة وذلك علاوة على العمل على وضعه في طريق الانتعاش عبر اعتماد نموذج تنموي جديد .
وبيّنت الحكومة أن أهم الاشكاليات التي يعاني منها الاقتصاد التونسي منذ سنوات تتمثل أساساً في هشاشة هيكلة الاقتصاد، وضعف مستوى الاستثمار الخاص علاوة على التفاوت بين مختلف جهات البلاد.
وأضافت: أن "الأولويات الرئيسية التي يرتكز عليها مشروعها تتجسد أساساً في كيفية دفع النمو والاستثمار، في اشارة إلى أن نسبة النمو المرتقبة لعام 2015، تقدر بنحو 3.5 في المئة".
ويرى مراقبون أن تطبيق الاجراءات التي يتضمنها المشروع من شأنه أن يسهم في خفض العجز من 6.9 في المئة في 2013 إلى 5.8 في المئة خلال هذا العام. وتسعى حكومة جمعة إلى تحقيق المعادلة الصعبة التي تضمن من جهة وضع حد لأزمة المالية العامة وعدم سقوط الدولة في سياسة التقشف من جهة أخرى.
وقال البنك المركزي التونسي، إن معدل نمو الاقتصاد التونسي، بلغ 2.2 في المئة خلال الربع الأول من العام الحالي، مقارنة بنمو بلغ 2.7 في المئة خلال الفترة نفسها من العام الماضي.
كان البنك الدولي قد نشر فى يونيو/حزيران الماضي توقعاته للنمو في دول شمال أفريقيا للفترة بين 2014-2016 وتوقع ان يحقق الاقتصاد التونسي نمواً يصل إلى 2.7 في المئة بدلا من نسبه 2.5 في المئة وفقاً لتوقعات البنك في يناير/ كانون الاول الماضي.
الى ذلك، شهد الدينار التونسي انخفاضاً كبيراً فى قيمته امام عملتي الدولار الاميركي واليورو الاوربية، منذ بداية شهر يوليو /تموز الحالي، وقد وصلت قيمة الدينار مستويات غير مسبوقة مسجلاً هبوطاً بلغ 12.3 في المئة، امام الدولار في سابقة تاريخية خطيرة تكشف حجم الصعوبات والمشاكل التي يتخبط فيها الاقتصاد الوطني التونسي.