مسافر في موعده الأخير

31 ديسمبر 2014
+ الخط -
مع نهاية كل عام، نكون غالباً في أبهى الحلل داخليّاً، نتصالح مع ذواتنا، ونبدي لكل من يحيط بنا درجة عالية من التسامح. نتهامس بعطف مع مَن شاركنا صنع الذكريات، نشكر من أضاء لنا الطريق، ونعفو عمن وضع لنا العقبات.
وبما أننا في موعد الختام، نكون على استعداد نفسي لجرد ما وقع معنا، وما لم يقع، وما تمنينا أن يقع.
بشيء من الرحمة مع أنفسنا، وبهدوء كبير، نسترجع شريطنا في جرد أحداث فصل من فصول حيواتنا تعداده سنة. إذا جنينا أكثر مما خسرنا، نكون بذلك سالمين غانمين، آملين بقادم أجمل. وإذا كان العكس وخسرنا أكثر مما جنينا، لا نبطش بذواتنا أو نسائلها عن الفشل، بل نكون أكثر اتزاناً معها، لأن مراسيم المشهد الأخير تجبرنا على ذلك، لا لشيء، إلا لأنه موعد الرحيل، نجبر من خلاله على غض أبصارنا عن أخطائنا، ونكظم غيظنا مما صنعنا أو ما صنع بنا. نتوهم قسراً أن قادم الأيام سيكون بلا شك الأجمل، فالانتصارات من صنع الهزائم والخيبات.
نودع سنة ونستقبل أخرى ولا شيء تغير باستثناء التواريخ. ولأننا نكون أكثر رفقاً بذواتنا في آخر المواعيد، نغتصب ابتسامة على شفاهنا، متمتمين بأن القادم أفضل. وبما أن آخر المواعيد لها موعد أخير كذلك، موعد لن يتخلف عنه أحد، ولن يعفى منه كائن مهما طال الأمد، ليس لتوديع فصل من الحياة بفشله، بأحزانه، بذكرياته، واستقبال فصل آخر بأمل قليل الألم وطموح أكبر. بل هو الموعد الاستثنائي مع الموت، استثنائي لأنه المنتظر الأخير وهي آخر محطات الرحيل.
حيث يروى عن تلفت القلوب واسترجاع ذكريات حياتنا الأجمل فقط، الأمتع فقط، فيها أحببنا بإخلاص، ومعها أكرمنا بسخاوة، تختلط فيها رائحة ثدي الأمومة في أول رضاعة بصرخة الحياة المعلنة عن الأبوة، فيها نحس بأطهر أنواع الافتخار، على الرغم من أن لا وقت لدينا لتعداد لحظات الانتصار مع كل زفير اندهاش، ومع كل نفير ارتعاش. نرى الموت يدنو وبدورنا نقترب، نرى الدموع تنهمر، فنتذكر أيامنا حينما جادت علينا السماء. نرى وجوهاً تحيط بنا، فلا نطيل النظر فيها، لأن ملامحها تنهينا عن الذهاب، ومكتوب عليها أشياء بعنوان الانتهاء. تكون جميع حواسنا كأنها خلقت من جديد، مثل أزواج عرائس في موعد الزواج السعيد، ربما لأنها على دراية بموعد سفر بعيد.
83651DD0-EF60-4013-A9A6-C7C541B09ECD
83651DD0-EF60-4013-A9A6-C7C541B09ECD
عبد الرحيم الشرقاوي (المغرب)
عبد الرحيم الشرقاوي (المغرب)