مروان الإسباني ـ الفلسطيني مغنياً

مروان الإسباني ـ الفلسطيني مغنياً

11 يناير 2015
ديوان "خواطرعن مروري بالشتاء" نوفمبر 2014
+ الخط -
اسمه الكامل مروان أبو طاحون ريثيو، ولكنه يحبّذ أن يُنادى مروان فقط، لأنّ هذا الاسم يُغني عن كل الألقاب الأخرى. مروان ينحدر من أب فلسطيني وأم إسبانية وولد في حي "ألوتشي" في مدريد سنة 1979. بدأ الغناء منذ أكثر من 15 سنة عندما كان طالبا في كلية الرياضة ولكن ديوانه الأول، "جسمي على جسمك: القصة الحزينة" لم يصدر حتى سنة 2011. هذه السنة كانت نقطة انطلاق لمرحلة جديدة في حياته، ففيها ترجمت عمليا أشهر مقولات النقاد عنه: "لو نُشرت أغاني مروان لأصبحت قصائد بحد ذاتها".

وحدث ذلك فعلا، فقد أحس مروان لاحقا بأن أغانيه لم تعد "المكان" المناسب للتعبير عما كان يختلج فيه من أحاسيس، وحينذاك وسّع مساره من الموسيقى إلى الموسيقى والشعر، وتبنى طابعه الخاص وفيه أصبح لا يفرق بين القيثارة والورقة، فكلاهما كان يمثّل "سلاحا" مناسبا لارتكاب أجمل جريمة: التعبير عما في داخله!

هذه الروح المهجنة يجسدها عمل مروان في ديوان شعر جديد وألبوم موسيقي في عمل واحد. وفي حاشيته يقول مروان بأنه لم يخطر على باله طريقة أفضل ليعبر عن نفسه غير هذه الطريقة التي تحاور من خلالها أغانيه قصائده، وبفضل هذا "الحوار" يستطيع المتتبع أن يستمتع كالعادة بسماع أربعة عشر أغنية وبقراءة سيرة ذاتية على شكل قصيدة حرة التعبير وحرة الروح.

وعلى عكس الكثير من الفنانين المعاصرين لا يلجأ مروان إلى استراتيجيات تسويق مدروسة وطرق إعلامية باهظة للوصول إلى الجمهور، بل يعتمد طرقا تقليدية كالمشافهة والاستعانة بالشبكات الاجتماعية. ولعل سر انتشار قصائد هذا الموسيقار/الشاعر يتمثل في أصالة أسلوبه وبساطته. فمروان يستخدم في قصائده مفردات تتميز بالسلاسة والسهولة، كلمات شائعة مثلا في الحياة العادية للتعبير عن مشاعر الحب وأوجاعه والثقة والصداقة وخيبات الأمل وقيمة العلاقات الشخصية وغيرها من الأحاسيس المتكررة عند أي منا. لذلك يمكننا أن نصف عمله بديمقراطية الشعر، فبفضل قرب تعبير المؤلف من الحياة "العادية" يتجاوز كلامه كل الحدود المنطقية ليصل إلى قارئ يحس وكأنه هو صاحب كل هذه المشاعر الأصلية والحميمة.

إنه شاعر شقي وكلما قرأنا كلماته ينتابنا إحساس بالانتعاش كذلك الذي يعترينا حين نستسيغ مسكة النعناع البري لكثرة إنعاشها.. لأن إبداعه بعيد عن التصنع، وفيه يكسر الصور الرومانسية المتوقعة، ويفاجئ القارئ صفحة تلو الأخرى. فماذا يمكننا أن نتوقع من رجل يعتبر أن وطنه هو الحي الذي نشأ فيه كونه شهد أولى قبلاته؟

اذا تجولنا في قصائد مروان المنشورة في ديوان "جسمي على جسمك: القصة الحزينة" فإننا نلج فورا إلى عالم استعاراته المبدع. ويتبين في كثير من أبيات شعر مروان تأثير شعراء إسبان معاصرين مثل بنخامين برادو، الذي أخذ منه قيمة القول المأثور على شكل بيت شعري ليصبح القول لب القصيدة؛ وكارميلو إريبارّين، الذي أخذ منه رومانسية البيت العابث والشقاوة الشعرية؛ ومن ماريو كوينكا ساندوبال، الذي أخذ منه الاستعارة المنعشة. ومن هنا جاءت قصائد مروان مليئة بالمزاج والتهكم، بالتناقض والاستعارة وبنساء من لحم ودم قد تعرف إليهن في كافيتيريا أو في بقالة أو في أي شارع من شوارع مدينة اسمها مدريد.

كما تأثر مروان بموسيقى فنانين كان يستمع إلى بعض أسطواناتهم في صغره مثل (سابينا وسيرّات) وبعضهم الآخر في بداية مسيرته كمغن (إسماعيل سيرّانو وكارلوس شاون وخورخي دريكسلير). والجدير بالذكر أيضا أن مروان أصبح يغني مع هذه المجموعة الأخيرة من الفنانين الذين شارك معهم في عدة حفلات موسيقية.

ومن المهم الإشارة أيضا إلى تأثره بالأسلوب المشاغب والمواضيع الاجتماعية للفرقة البورتوريكية "الشارع الثالث عشر" / "كايي تريثي". ويتضح هذا التأثر في أغنية ديوانه الأخير "إنني محتاج إلى بلد" التي شارك فيها مغني الراب الإسباني "ناش".

تنعكس أصول مروان الفلسطينية في أعماله المكتوبة والمغناة، وخير مثال على ذلك "أغنية لأبي" التي غناها في حفل موسيقي تضامني مع أطفال غزة نظمته الأونروا.

ونجد في هذه الأغنية قصة والده الذي اضطر في سبعينيات القرن الماضي كغيره من الفلسطينيين إلى الهجرة إلى إسبانيا، وهناك "أغرم بزهرة" في مدريد التي هي أم مروان، ورغم كلامهما المختلف استطاع الاثنان أن يتفاهما تماما.

يقول مروان إنه ليس شاعرا، وإنه لا يمكنه أن يذكر أية جائزة أدبية بارزة في سيرته الذاتية لأنه لم يحصل عليها. مروان مجرد إنسان حساس للغاية يحتاج إلى التعبير العاطفي كنوع من العلاج النفسي لأن الحياة في رأيه "جميلة وبشعة إلى درجة أننا لا نستطيع أن نتجاهلها".

(مستشرقة إسبانية)

المساهمون