مرضى بلا دواء في السودان

مرضى بلا دواء في السودان: الأسعار ترتفع 300%

04 اغسطس 2017
هل تتحمل تكلفة علاجها؟ (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -
في وقت متأخّر من تلك الليلة، دهس مؤيد رجلاً سبعينياً عن غير قصد، فأصيب بكسور في جسده النحيل استوجبت علاجاً لأشهر عدّة يتحمّل مؤيد تكاليفها الغالية كاملة، في مقابل أن يسحب أهل الرجل السبعيني بلاغ حادثة السير الذي دوّنته ضدّه شرطة المرور. 

أرهقت الحادثة كاهل مؤيد (21 عاماً)، لا سيّما أنّها أتت في وقت يشكو فيه الشارع السوداني من ارتفاع في أسعار العلاجات الطبية، وتوجّه كثيرين إلى الطب البديل، لتكون الصيدليات بذلك آخر الخيارات. وأنفق مؤيد وأسرته كل ما لديهم من أموال كانوا قد ادخروها من أجل المستقبل، ولجؤوا كذلك إلى استدانة أموال إضافية من معارفهم للتمكّن من تسديد فاتورة علاج الرجل السبعيني الذي يعاني في الأساس من أمراض الضغط والسكري والقلب.

يقول مؤيد، الذي كان يقود سيارة أجرة في تلك الليلة لتأمين مصاريف جامعته حتى لا يكون عبئاً على عائلته البسيطة، إنّه لم يكن يعرف أنّ أسعار الدواء مرتفعة إلى هذا الحدّ، باستثناء المتداول على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى أن عاش معركة حقيقية مع الأزمة. يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "حقنة خاصة بسيولة الدم وُصفت للرجل يومياً ولمدة أسبوعَين، يصل سعر الواحدة منها إلى 75 جنيهاً سودانياً (أكثر من 11 دولاراً أميركياً) إلى جانب عقاقير أخرى تخطت تكلفتها ستة آلاف جنيه (900 دولار)".

من جهته، يواجه محمد (40 عاماً) مشكلة مماثلة، بحسب ما يخبر "العربي الجديد"، بعدما أودِعَت والدته العناية الفائقة ويطالبه المستشفى بنحو 15 ألف جنيه (نحو 2252 جنيهاً). يقول: "لا أدري كيف أتمكّن من تأمينها، علماً أنّ كلها أدوية ضرورية لإنقاذ حياتها". يُذكر أنّ محمد في الأساس عامل بسيط يعمل باليومية.

مؤيد ومحمد ليسا إلا عيّنة من السودانيين الذين يعانون من أزمة ارتفاع الدواء في البلاد. كثر يعيشون المأساة ذاتها التي فاقم من حدّتها قرار الحكومة السودانية الأخير برفع الدعم عن الدواء وتحرير سعره، الأمر الذي أدّى إلى ارتفاع أسعار بعض الأدوية بنحو 300 في المائة. إلى ذلك، لم تلتزم الصيدليات بالقائمة الخمسينية التي أصدرتها الحكومة لاستثناء بعض الأدوية من قرار رفع الدعم وتحرير الأسعار.



أمين هو صاحب صيدلية، يخبر أنّهم كصيادلة "يعيشون مأساة حقيقة، لا سيّما عندما نعجز عن الاستجابة للوصفات الطبية التي يحملها المرضى". ويشير لـ "العربي الجديد" إلى أنّ "أحدهم قد يأتي بوصفة يصل سعر الدواء الواحد فيها 750 جنيهاً (نحو 113 دولاراً) ولا يملك ثمن علاجه، فيعود من حيث أتى". يضيف أنّ "الرفوف تمتلئ بالأدوية لكنّ الناس محرومون من العلاج".

وأزمة الدواء تلك دفعت سودانيين إلى إطلاق مبادرات إنسانية عدّة بهدف توفير العلاجات للمرضى المحتاجين الذين يفشلون في تأمينها. من بين تلك المبادرات مبادرة "منظمة دواء بلا حدود" التي توفّر العلاجات للمحتاجين في المستشفيات في الخرطوم، عبر جمع المال من الخيّرين. وتهدف المنظمة إلى استقطاب دعم نحو مليون مغترب سوداني للمساهمة بنحو مائتي دولار سنوياً. يُذكر أنّ المعنيين بالمنظمة عمدوا إلى تسجيلها كمنظمة تطوعية في مفوضية العون الإنساني السوداني، فضلاً عن تسجيلها في الولايات المتحدة الأميركية، لتأمين التبرّعات والمساهمات من دون قيود.

يقول المسؤول المالي في المنظمة، أحمد مبارك، لـ "العربي الجديد"، إنّ "حاجة المرضى إلى العلاجات بالتزامن مع ارتفاع تكاليفها دفعانا إلى إنشاء منظمة للتخفيف عن الناس، لا سيّما الذين لا يتوفّر لهم العلاج بعد إصابتهم في حوادث مختلفة، إلى جانب أصحاب الحالات الحرجة". يضيف أنّ "المنظمة قسمت العلاجات التي تتطلب الإعانة إلى أربعة، وهي الأدوية المنقذة للحياة، والأدوية الخاصة بالحوادث، وأدوية الأمراض المزمنة، وأدوية الأمراض الأخرى"، مشدداً على أنّهم يطمحون إلى "إنشاء صيدلية في كل مستشفى حكومي لتوفير الأدوية للمحتاجين مجاناً، فضلاً عن التعاون المستقل مع كل المنظمات الإنسانية العاملة في مجال الدواء". ويشير إلى "نجاحنا في جعل المنظمة تساهم في حلّ جزء بسيط من الأزمة".

في السياق، تقول الدكتورة سماح، وهي متخصصة في الطب العام، لـ"العربي الجديد"، إنّ "من بين عشرة مرضى يدخلون المستشفى، ثمّة أربعة أو خمسة يفشلون في تأمين ما يحتاجونه من دواء، بسبب ارتفاع الأسعار، لا سيّما وأنّ ثمّة أدوية يصل سعرها إلى 400 جنيه سوداني (60 دولاراً)". تضيف أنّ "آخرين قد يتمّكنون من توفير العلاج في اليوم الأوّل، ثم يعجزون عن ذلك في الأيام الباقية".