مراقبة التبرعات الرمضانية في الكويت

02 مايو 2019
تقدم الجمعيات الكويتية مساعدات بأماكن كثيرة(ياسر الزيات/ فرانس برس)
+ الخط -

تحاول الحكومة الكويتية أن تبقي العمل الخيري تحت رقابتها، منعاً لتحويل أهدافه، لكنّها رقابة تثير امتعاض البعض

تزداد أعداد المتبرعين داخل الكويت مع دخول شهر رمضان المبارك، طمعاً في الحصول على الأجر والثواب، وبسبب زيادة الأجواء الإيمانية والروحانية في هذا الشهر، وقد بلغ مجموع تبرعات شهر رمضان العام الماضي من الأفراد في الكويت 51 مليون دينار كويتي (نحو 167 مليون دولار أميركي). رقم وصفته وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بالضخم وغير المسبوق.

لكنّ هذه التبرعات تجري مراقبتها بشكل كبير من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وهي الجهة الحكومية المكلفة بمراقبة جميع عمليات التبرع داخل البلاد، لضمان عدم انحراف مسارها وتوجيهها من قبل بعض الأطراف إلى جماعات متطرفة، أو الاستيلاء عليها، خصوصاً أنّ المبالغ المالية التي يجري التبرع بها في شهر رمضان كبيرة جداً.




لا يحق لأيّ جهة في الكويت جمع التبرعات من المساجد وأماكن العبادة أو من الحملات الخيرية عبر الإنترنت من دون الحصول على ترخيص سنوي من إدارة الجمعيات الخيرية والمبرات في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل. ويحق للجمعية الخيرية أو المبرة، وفقاً لهذا الترخيص، أن تجمع التبرعات لمدة معينة، قبل أن تضطر إلى تجديد الترخيص مرة أخرى، وذلك لضمان المراقبة المستمرة للجهات الحكومية.

تضع الوزارة شروطاً لحصول الجمعيات الخيرية والمبرات على ترخيص جمع التبرعات في شهر رمضان، من ذلك تعيين موظفين خاصين لجمع التبرعات، يجري التأكد من أسمائهم وسجلهم الجنائي لدى الجهات الأمنية، كما يجري التأكد من الحسابات المصرفية للجمعية، إذ للوزارة صلاحية التدقيق فيها سنوياً، وكذلك التأكد من جميع إيصالات التبرعات، فالجمعية الخيرية ملزمة بتقديم إيصال لكل تبرع تستلمه ومسؤولة عن كل دينار تصرفه للمحتاجين وفقاً للوائح الوزارة. لكنّ أهم الشروط التي ألزمت الوزارة الجمعيات الخيرية بها هو عدم تسلم أي مبالغ مالية نقداً واقتصار التبرع على بطاقات كي نت (خدمة مصرفية آلية تشمل جميع البنوك الكويتية) وخدمات الفيزا والماستر كارد وذلك لقطع الطريق أمام السرقات والاختلاسات التي قد تحدث للتبرعات، مع مراقبة كلّ مبلغ مالي يجري التبرع به بعد دخوله إلى النظام المصرفي الكويتي.

تقول مديرة إدارة الجمعيات الخيرية والمبرات في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، هدى الراشد، لـ"العربي الجديد": "الاستعدادات جارية لمراقبة عمليات جمع التبرعات، إذ منحت الإدارة رخصة جمع التبرعات لثلاثين جمعية خيرية ومبرة استوفت الشروط من أصل 43 جمعية مرخصة، إذ لم تستطع بقية الجمعيات المرخصة استيفاء جميع الشروط، ما اضطرها إلى عدم المشاركة في جمع التبرعات هذا الشهر". وعن آلية مراقبة التبرعات، تقول الراشد: "هناك 6 فرق خاصة بالوزارة ستنفذ أكثر من 400 جولة تفتيشية طوال الشهر لمراقبة جمع التبرعات والتأكد من عدم وجود مخالفات، وستتنوع الفرق التفتيشية ما بين فرقة مخصصة لمراقبة المساجد وفرقة مخصصة لمراقبة مواقع التواصل الاجتماعي وفرقة مخصصة للأماكن العامة".

وتتنوع المخالفات التي ترتكبها الجمعيات الخيرية، ومن بينها توظيف أشخاص لم تتم الموافقة عليهم في الوزارة لجمع التبرعات، أو وضع صناديق مخصصة للتبرعات النقدية وعدم الالتزام بالجداول الموزعة من قبل الوزارة والتي تعطي لكلّ جمعية الحق في جمع تبرع من مساجد محددة في أيام محددة فقط لضمان عدم تضارب المواعيد مع الجمعيات الخيرية الأخرى. لكنّ أخطر التهم هي جمع الأفراد تبرعات من دون ترخيص، إذ ستتولى إدارة الجمعيات الخيرية والمبرات تحويل المواطن الذي يجمع التبرعات دون إذن إلى أمن الدولة لاتخاذ الإجراء القانوني بحقه، بينما ستقوم بإحالة الوافد إلى السجن المؤقت وإصدار أمر الإبعاد عن البلاد بحقه.

وتتولى إدارة الجمعيات الخيرية والمبرات في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل مسؤولية مراقبة الجمعيات الخيرية والتأكد من حساباتها المصرفية بشكل سنوي، بعدما أثيرت العديد من الاتهامات لدولة الكويت بالتساهل مع عمليات تدفق التبرعات منها للجماعات الإرهابية، وهو ما أدى إلى قيام الحكومة بتصفية عدد من المبرات الخيرية لوجود شبهات مالية وشبهات تمويل إرهاب حولها.

لكنّ فايز العنزي، وهو مدير في إحدى أشهر الجمعيات الخيرية في الكويت، يقول لـ"العربي الجديد"، إنّ عملية المراقبة اللصيقة لوزارة الشؤون للتبرعات أدت إلى تحجيم العمل الخيري وتكبيل أيدينا في صرف المعونات للمستحقين بسبب البيروقراطية الحكومية. ويضيف العنزي: "أتفهم مراقبة الدولة لعملية جمع التبرعات واقتصار التبرع على الحسابات المصرفية، مع أنّ الكثير من كبار السن المتبرعين لا يعرفون ما هي الفيزا أو الماستر كارد، لكنّ التشدد في عملية صرف التبرعات للمستحقين هو أمر يجعل الأموال تذهب لغير مستحقيها في كثير من الأحيان". يتابع العنزي: "إذا كان لدي مستحق وافد وليست لديه إقامة أو أوراق إقامته منتهية وصرفت أموالاً أو مساعدات له، فسأكون عرضة للمساءلة الحكومية، وإذا لم أصرف المساعدات له فسأكون عرضة للمساءلة الشعبية، وهو ما يؤدي إلى الهجوم على الجمعيات الخيرية في الإعلام بحجة أنّها لا تساعد المحتاجين، بالرغم من أنّنا لا نفعل سوى الالتزام بالتوجيهات المشددة".




وضعت الحكومة مشروعاً بقانون لتنظيم العمل الخيري اشتمل في بعض مواده على إصدار أحكام بالسجن 3 سنوات بحق جامعي التبرعات من دون ترخيص، كما اشتمل على منح الجمعيات الخيرية استقلالاً مقابل مراقبة الحكومة لها. لكنّ مشروع القانون تعثر في البرلمان بسبب الاختلاف حول بعض بنوده بين التيار الإسلامي الذي يدعمه والتيار الليبرالي الذي يرى أنّ القانون سيعطي الجمعية الخيرية استقلالاً كبيراً عن الدولة.