مراحل التمييز العنصري ضد شباب ضواحي باريس

18 مارس 2014
شباب الضواحي الباريسية تائه بين الثقافنين
+ الخط -
استقبلت فرنسا، على مدار تاريخها، أجناساً مختلفة، زادت، بصفة خاصة، في نهاية القرن التاسع عشر مع بدء انتعاش الثورة الصناعية واحتياجها إلى أيدٍ عاملة في المصانع، بعدها اضطرت إلى استقبال موجة أُخرى من المهاجرين الاوروبيين، بعد الحرب العالمية الاولى.  

وبعد الحرب العالمية الثانية، اضطرت فرنسا إلى استقبال موجة ثالثة من الهجرة، وكانت هذه المرة في معظمها من دول شمال أفريقيا، وعرفت بالهجرة العربية الاسلامية أو المغاربية، من أجل العمل في مصانع الاسلحة والمزارع ومعامل الفحم، أو الاستفادة  منهم في حروبها الاستعمارية في الهند الصينية وأفريقيا. ازداد عددهم في بداية السبعينات وحتى أواخر الثمانينات وخاصة في ما عرف آنذاك بـ"حقبة الثلاثين سنة المجيدة". حضنتهم فرنسا وبنت لهم مبان ودور للسكن، لكن خارج المدن، لتبدأ مرحلة عزلهم وتهميشهم في الضواحي، لأن الدولة لم تكن تريد إدماجهم في ذلك الوقت في النسيج الاجتماعي الفرنسي. قال علماء الاجتماع بأن تلك السياسة كانت حيفاً كبيراً لحق بمَن جاء من أجل النهوض والمساهمة في اقتصاد فرنسا.

سياسات تعسفية

وبدأت أولى نتائج هذه السياسات تلوح في الأفق في الثمانينات مع الجيل الأول من أصول مغاربية الذي نشأ وترعرع في فرنسا لكنه يشعر بأنه فرنسي من الدرجة الثانية وغير مرغوب فيه.

ثم تلت هذا الجيل الأول أجيال أخرى عانت، ولا تزال، الأمرّين من العنصرية والإقصاء، توّجها وصف نيكولا ساركوزي في عام  2005، وكان وزيراً للداخلية حينها، لشبان الضواحي بـ"الرعاع". هذا الإحساس بالاحتقار والمهانة والعنصرية تجاه سكان الضواحي، تفجّر كبركان في أحداث 2005، حينما اندلعت شرارة تظاهرات شهدت أعمالاً عنيفة مع قوات الامن في ضواحي باريس لتعمّ أرجاء المدن الفرنسية. وترجمت على أنها كانت بمثابة نداء استغاثة ضد كل أنواع التمييز والإحساس بالمهانة.

إضافة إلى ذلك، فالمشهد السياسي الفرنسي شهد تراجعاً كبيراً لليسار وصعوداً لافتاً لليمين المتطرف، خلال العقدين الأخيرين، بزعامة جون ماري لوبان، المعادي للجالية العربية والأفريقية بشكل خاص.

لكن، وبعد خمسة عقود من الوجود المغاربي في فرنسا، لم ينجب هذا الوجود بعد نخبة سياسية تمثّله وتدافع عن حقوقه، بل فقط بزوغ بعض الرموز لذرّ الرماد في العيون، كوزيرة العدل الحالية، رشيدة داتي، من أصول مغربية.

الإحصائيات

مع أن عدد المهاجرين، ذوي الاصول المغاربية، وصل إلى أكثر من خمسة ملايين، ويعيش معظمهم في ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة، تحت قوانين فرنسية قاسية كانت أشدها تلك التي أصدرها وزير الداخلية الفرنسي السابق الديغولي، شارل باسكوا، قبل سنوات، ما جعل مجلة "كوريي إنترناسيونال" الأسبوعية تصف فرنسا بأنها أصبحت قريبة من نظام الستار الحديدي الذي كان يفرضه الاتحاد السوفياتي سابقاً على دخول الأجانب إليه، فيما تشير دراسة معهد الإحصاء الفرنسي إلى أن الطلاب من أصول مهاجرة يواجهون صعوبات كبيرة في الوصول إلى سوق العمل بعد التخرّج جراء التمييز الوظيفي. إذ يجد 61% منهم فقط عملاً بعد 5 سنوات من التخرج، فيما ترتفع هذه النسبة إلى 82% لدى فرنسيي الأصل.

ردة فعل

البطالة والتهميش الذي أجبروا على العيش والتأقلم معه، أدخلهم في نوع من الضجر، وأصبح معظمهم  يقضي أوقاته في التسكع في الشوارع والمقاهي، كما أن عدم التوعية بالقيمة التعليمية عند الآباء، دفعت الابناء الى الانقطاع عن الدراسة في وقت مبكر، وعدم توفير مراكز تأهيلية بشكل كافٍ لهم، في غياب العدالة الاجتماعية، يصبح التمييزالعنصري واقعاً معاشاً بشكل يومي، ما يدفع الكثيرين منهم الى الانطواء وزيادة الاحساس بالعداء للمجتمع الذي أدخلهم في تلك العزلة، فيما يضطرآخرون إلى كسر ذلك التهميش وكسب قوتهم اليومي بطرق محظورة، كالاتجار بالمخدرات والسرقة والعنف، إضافة إلى أن هؤلاء يصبحون فريسة سهلة للعناصر المتطرفة، وخاصة مع غياب التوعية الدينية والثقافية، وينتهي الامر بالكثيرين منهم وراء القضبان.

الاجيال الصاعدة

يقول مراقبون إن الحكومة تسعى إلى فك العزلة والتهميش في هذه الإحياء، عن طريق إعادة هيكلة المباني السكنية على وجه الخصوص، بعد عقود من التهميش واللامبالاة، كما بدأت بالسماح لبعضهم بولوج أكبر الجامعات والمعاهد وأرقاها بالمجان، بالاضافة الى محاولة التخفيف من البطالة في صفوفهم، فيما نمت ظاهرة التشجيع على التعليم عند أولياء الامور، إضافة الى إنشاء العديد من المنظمات التأهيلية من قبل المهاجرين أنفسهم لتشجيع الشباب على تنمية مواهبهم واستكمال دراساتهم وتحفيزهم على الاندماج في المجتمع الفرنسي بشكل أكبر من خلال الاختلاط بشباب فرنسيين وتنظيم محاضرات تخفف من حدة الانتماء إلى الهوية العربية التي لم يستطع ابن ضاحية باريس التخلي عنها، مع أنه لا يعرف عنها إلا الفتات.