مدنيو أفغانستان هدفاً للغارات الأطلسيّة... بحماية الحكومة

مدنيو أفغانستان هدفاً للغارات الأطلسيّة... بحماية الحكومة

16 ديسمبر 2014
قوات أميركية تستعد للتوجه إلى أفغانستان (وكيل كوهسار/فرانس برس)
+ الخط -
كان طلاب مدرسة ثانوية في منطقة سياه غرد، شمال أفغانستان، يستعدون لامتحاناتهم المقبلة، ويقضون وقتهم في ملعب صغير إلى جوار مدرستهم الحكومية الوحيدة في المنطقة، وفجأة لاحت في الأفق الطائرات التابعة لحلف شمال الأطلسي، لتشنّ غارة على الملعب وتحوّل الطلبة إلى أشلاء في وضح النهار.

هكذا بدأ محمد خان، أحد سكان سياه غرد، بسرد قصة خمسة طلاب قُتلوا جراء غارة جوية نفذتها طائرات تابعة لحلف شمال الأطلسي يوم الخميس الماضي في إقليم بروان، لـ"العربي الجديد". وتؤكد قبائل المنطقة، وأسر الضحايا، والمسؤولين في الحكومة المحلية، أن الغارات الأطلسية قتلت طلاب المدرسة الثانوية وفي أياديهم كتب الدراسة وليس أسلحة أو متفجرات.

وبحسب وزارة التعليم، فإن الضحايا هم وثيق الله وحسام الله وعلي جل، طلاب الصف الثالث الثانوي، وشهزاد وخير الله، طالبا الصف الأول الثانوي. مع ذلك، يصرّ حلف الأطلسي على أن القتلى من مسلحي "طالبان".

يعيد هذا الحادث المأساوي إلى الأذهان حادثاً دموياً مماثلاً، وقع في المنطقة نفسها في شهر يناير/ كانون الثاني، حين قُتل 13 مدنياً بينهم أطفال ونساء، عندما استهدفت طائرات الحلف ثلاثة منازل في المنطقة نفسها، وجعلتها أثراً بعد عين. لكن ثمة فارق كبير في ردود الفعل إزاء هذا الحادث وذاك، فالحكومة الأفغانية السابقة دانت حادث يناير وأعرب الرئيس الأفغاني السابق، حامد قرضاي، خلال اجتماعاته بقبائل المنطقة وأسر الضحايا، عن قلقه البالغ إزاء ما وصفه بالمأساة، فيما ظلت الحكومة الحالية، التي وقّعت الإتفاقية الأمنية مع واشنطن والأطلسي لإبقاء جزء من القوات الأجنبية في أفغانستان بهدف إرساء الأمن، صامتة تجاه مقتل حادث قتل الطلبة.

واللافت أكثر هو و رد فعل حركة "طالبان" التي توعّدت بالانتقام مباشرة بعد حادث شهر يناير، وشنّت بعد يومين من الحادث هجوماً انتحارياً على فندق لبناني في قلب العاصمة الأفغانية كابول، ما أدى إلى مقتل ثلاثة عشر أجنبياً، معتبرة الهجوم انتقاماً لمقتل المواطنين في سياه غرد. أما هذه المرّة، فاكتفت بالإدانة والشجب.

وفيما تعتصم الحكومة الأفغانية بالصمت إزاء أحداث قتل المدنيين المتزايدة على أيدي القوات الدولية، تدين شرائح المجتمع الأفغاني القتل، وتوجه بعضها انتقادات شديدة إلى الحكومة. وسُيّرت تظاهرات حاشدة في منطقة سياه غرد والمناطق المجاورة لها توعّدت الحكومة الأفغانية بنتائج وخيمة إذا استمر قتل المواطنين بيد القوات الأجنبية.


وكان الرئيس الأفغاني السابق، حامد قرضاي، ممّن شجبوا قتل الطلاب، قائلاً إنّ مثل هذه الأحداث تنمّي ظاهرة التسلّح في البلاد، وتفيد الجماعات المسلحة. كما انتقد النواب الأفغان الحكومة، وطالبوا رئيس الوزراء باتخاذ خطوات حاسمة للحد من الأحداث المماثلة.

ويلاحظ أن أحداث قتل المدنيين بأيدي القوات الدولية العاملة في أفغانستان تزايدت بعدما تولى محمد أشرف غني أحمد زاي زمام الحكم، وبعد توقيع كابول على الاتفاقية الأمنية مع واشنطن والأطلسي؛ ففي مدينة قندهار، قُتل مدنيان برصاص قوات حلف شمال الأطلسي في السابع من شهر ديسمبر/كانون الأول الحالي. وكان 12 مدنياً لقوا حتفهم، بينهم نساء وأطفال، في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، خلال عملية عسكرية للقوات الدولية بمديرية بادول في إقليم كنر، شرق أفغانستان، ما أدى إلى اندلاع تظاهرات نظمتها القبائل في شرق أفغانستان، فيما شجبت  بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان، "يوناما"، تلك العملية، وطالب مندوب الأمم المتحدة في أفغانستان، يان كوبيش، القوات الدولية وأطراف النزاع الأفغاني ببذل جميع الجهود لضمان حياة المواطنين.

وسبق أن ذكرت منظمة العفو الدولية، في تقرير لها أصدرته في شهر أغسطس/ آب الماضي، أن 1100 مدني قتلوا في أفغانستان خلال خمسة أعوام ماضية على أيدي القوات الدولية "المتمثلة بالقوات الأميركية والقوات الأطلسية وإيساف".

وأكدت أنها حققت في 10 قضايا قتل فيها 140 مدنياً، بينهم أطفال ونساء حوامل، وتوصلت إلى أن القوات الدولية والأميركية المتمركزة في أفغانستان لا تنصف أثناء التحقيق في قضايا تتعلق بقتل المدنيين الأبرياء، موضحة أن الولايات المتحدة فشلت تماماً في مقاضاة جنودها المتورطين في قتل المواطنين الأفغان.

بدورها، قالت بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان، في بيان لها أصدرته قبل ثلاثة أيام، إن 8000 مدني قتلوا في أعمال عنف شهدتها الساحة الأفغانية منذ مطلع العام الجاري. بينما أوضحت مؤسسة حقوق الإنسان أن 600 مدني قتلوا في أعمال عنف شهدها إقليم هلمند وحده خلال العام الجاري.

وتعدّ قضية مقتل المدنيين على أيدي القوات الدولية من أبرز التحديات التي تواجه حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها محمد أشرف غني أحمد زاي، خاصة بعد توقيعها الاتفاقية الأمنية مع واشنطن والأطلسي.

وكان الرئيس الأفغاني السابق قد رفض التوقيع على الاتفاقية الامنية، ووضع شروطاً من أهمها: تجنب القوات الدولية من العمليات والمداهمة التي تؤدي في الغالب إلى مقتل المدنيين الأبرياء، والقضاء على كافة السجون السرية التي أقامتها القوات الأميركية والدولية داخل قواعدها في مختلف مناطق البلاد. فيما يبدو أن الحكومة الحالية تركت الحبل على غاربه للقوات الأجنبية بشنّ غاراتها، إذ تحدثت وسائل الإعلام الأفغانية عن سماح الحكومة للقوات الأميركية بشن عمليات ليلية، وهو ما كانت تعارضه الحكومة السابقة.

المساهمون