محجوب شريف.. رحيل صوت اليسار السوداني

محجوب شريف.. رحيل صوت اليسار السوداني

02 ابريل 2014
محجوب شريف (1948-2014)
+ الخط -

شيعت جماهير غفيرة من مختلف شرائح المجتمع السوداني، مساء اليوم الأربعاء، جثمان الشاعر السوداني محجوب شريف (1948-2014) إلى مقابر أحمد شرفي بمدينة أم درمان حيث وري الثرى وسط هتافات الآلاف الممجدة لتواضعه وبساطته. وردد المشيعون مقاطع من قصائده الشهيرة في طريقهم إلى المقابر.

وكانت أعلنت في الثانية من بعد ظهر اليوم وفاة الشاعر بمستشفى "تُقى" في مدينة أم درمان، لتكتب حلقة جديدة في أحزان اليسار الممتدة تباعاً خلال السنوات الماضية، وهي ربما أشدها وطأة، فمحجوب لم يكن شاعر اليسار فقط، بل شاعراً وأباً وأيقونة للكثيرين.

شريف المعروف بانحيازه والتزامه جانب الجماهير وقضاياها في قصائده العامية ذائعة الصيت وتعبيره عن البسطاء وهمومهم؛ ظلّ عرضة لعسف الأنظمة العسكرية التي مرت على السودان، فتعرض للاعتقال مراراً في مختلف السجون بسبب أشعاره ومواقفه والتزامه ببرامج الحزب الشيوعي السوداني، الذي انتمى إليه منذ وقت مبكر. وأدت تلك الاعتقالات إلى إصابته بعدد من الأمراض، لكنه تمسك بالبقاء في السودان، ولم يغادره حتى في أشد الفترات حلكة وقمعاً وعنفاً ضد النشطاء السياسيين والمثقفين السودانيين.

شريف المولود في العام 1948 بالتقريب، في إحدى قرى منطقة "المسلمية" بوسط السودان (160 كلم جنوب الخرطوم)؛ درس مرحلتيه الابتدائية والوسطى في مدينة "المدينة عرب" وأكمل تعليمه بمعهد المعلمين العالي في أم درمان ليعمل معلماً بالمدارس الابتدائية حتى فصله تعسفياً بعد شهر ونصف من وقوع الانقلاب العسكري بقيادة عمر البشير عام 1989. والشاعر متزوج من أميرة الجزولي، شقيقة الشاعر كمال الجزولي، وله ابنتان "مريم" و"مي".

من جهته، لخص الأمين العام لاتحاد الكتاب السودانيين عثمان شنقر القيمة الإنسانية للشاعر محجوب شريف في عبارة واحدة: "الموقف الثابت في الحياة والفكر"، وفصّل شنقر مقصده بقوله إن شريف "رمز لقيمة الثبات على المواقف في زمن تزعزعت فيه الكثير من الرموز إلا أن محجوباً لم يساوره شك في موقفه الصلب والتزامه بقضايا الإنسانية طوال عقود". 

كذلك نبّه شنقر إلى أن هناك أجيالاً من الشباب، فنانين وكتاباً وشعراء، يعتبرون محجوب شريف أيقونة، فيحاولون تمثُّل مواقفه والبناء عليها، مستندين على مواقفه كأساس نظري وفكري، ومتخذين منها نمط حياة. وأكد شنقر أن أثر محجوب شريف لن ينطفئ بموته بل "سيمتد إلى أجيال قادمة".

كثيرون عبروا عن أحزان شخصية مسترجعين مواقف تجمعهم بالشاعر الراحل محجوب شريف، إذ ما إن أعلن نبأ وفاته حتى تشارك الكثيرون من مختلف الأجيال، على مواقع التواصل الاجتماعي والرسائل الهاتفية، لحظاتهم الخاصة التي كان محجوب شريف طرفاً فيها.

وليس بعيداً عن هؤلاء الصادق الرضي، الشاعر السوداني المقيم في لندن، الذي عبّر عن موقف شخصي من هذا الرحيل: "رحيل الشاعر محجوب شريف على عظمة فقده للشعب السوداني، يمثل بالنسبة لي فقداً شخصياً، إذ نشأتُ بأم درمان؛ ذات المدينة التي عاش فيها عمره كله". قبل أن يستدرك بالقول: "في الحقيقة عاش فيها بعض عمره والبقية عاشها في زنازين دكتاتورية مايو ودكتاتورية البشير".

ويواصل الرضي: "نعم هو فقد شخصي بالنسبة إليّ، وهذا مدخل حزني وأنا ابنه، تولاني بالرعاية منذ السابعة عشرة من عمري، في الندوات الشعرية المختلفة ضمن اتحادات الشباب السوداني، ومؤتمرات الجبهة الديمقراطية. تلقيت منه المعرفة أصالةً وهو يوجهني بشكل يومي، بالطبع كان ذلك في فترة الديمقراطية الثالثة".

ويصمت الرضي بعض الوقت قبل أن يواصل حديثه: "أدين له بتشكيل وعيي الخاص وسلوكي الشخصي كمبدع سوداني، رغم اختلاف كتابتي مئة وثمانين درجة عن طريقته في الكتابة الشعرية. أنا حزين ومرتبك في هذه اللحظة بالذات، لا أعرف كيف أتعامل مع موت من أحب في الوطن، وأنا خارج البلاد".

هو رحيل آخر يزلزل نفوس الكثير من السودانيين وهم يرون من صنعوا فرحاً يتساوى فيه الجميع يتهاوون تحت ضربات الموت، فبعد رحيل الشاعر محمد الحسن حميد، وقبله المطرب محمد وردي الذي شكل ثنائياً مع الشاعر الراحل (والقائمة طويلة)؛ ها هو محجوب شريف الحائز لقب "شاعر الشعب" الذي لا ينازعه فيه أحد في السودانيْن الشمالي والجنوبي؛ ها هو يلتحق بمن مضوا مخلفاً وجعاً جديداً.

المساهمون