مباريات الجوع

26 نوفمبر 2014
الملصق الترويجي للفيلم
+ الخط -

"إذا احترقنا، فستحترق معنا" ليست عبارة رنانة في فيلم مباريات الجوع مُوجهّة للرئيس الديكتاتوري (سنو)، بقدر ما هي عبارة منزوعة من واقعنا الذي نعيش لحظاته الأكثر دموية في تاريخ جيلنا صانع الربيع العربي.

ربما ليس الفيلم خيالاً علمياً كما نعتقد، ربما ليس فيلماً في أساس الأمر، إنما هو ذات الأحداث المتلاحقة سالبة الأنفاس تُعرض أمام أعيننا في شاشات عرض هائلة يراها العالم الأجمع، بل ويشارك فيها أيضاً.

على مدار 4 سنوات تتمّ معاقبتنا بشكل يومي ممنهج على قيامنا بثورات الربيع العربي، كما تُعَاقَب مقاطعات دولة (بانيم) الـ 13 لقيامها بالثورة على نظام (الكابيتول) الفاشي الشمولي العسكري قبل 74 عاماً بمباريات الجوع في موسم حصاد الرؤوس، لكننا نخسر مئات الآلاف من المواطنين في هذه السنوات المعدودة. في المقابل خسر سكان المقاطعات الـ13 ما يقرب من 1776 شخصا خلال 74 عاماً، لذا فإن واقعنا البائس يُثبت بشكلٍ قاطع أنه الأكثر بؤساً مما يريد الفيلم إيصاله من رسائل محورية.

ولأن التمرّد والثورية طبع الشباب في كل عصر ومكان على وجه البسيطة، وفي الواقع كما في الخيال، فإن ثوريتهم وإن بَدَت بسيطة ضئيلة الحجم في وجه الأنظمة الديكتاتورية وقيام هذه الأنظمة بتقزيم الفعل، إلا أن ذلك لم يمنعهم يوماً من استكمالها والإبداع في استخدام الوسائل لإنجاحها.

وكما أن (مباريات الجوع) انقلبت إلى ثورة احتجاجية شملت قطاعات دولة (بانيم) الخيالية، فإن الوقفات الاحتجاجية والمظاهرات والمسيرات، الحاشدة منها والمحدودة، في دول الربيع العربي وغيرها من الدول، انقلبت ثورة حقيقية مشتعلة قبل 4 سنوات. إلا أن هذه المسيرات الاحتجاجية مع الوقت خمدت جذوتها قبل أن يكون للطلاب إبداعٌ جديد في إشعال حراكها مجدداً.

ما هو مثيرٌ للانتباه من ناحية، وللتقززّ من ناحية أخرى، استخدام الآلة الإعلامية الدعائية (البروباجاندا)، ففي (الكابيتول-رمز النظام الديكتاتوري العسكري) في الفيلم، تستخدم مصطلحات تخويفية تهديدية مرعبة للسكان؛ كالموت وعدم الأمان ونشوب حرب أهلية الذي سيؤدي إلى دمار كلي لدولة (بانيم). وعلى صعيد الثوار في المقاطعات الـ13 فإن إعلامهم يهتم بالمظاهر الشكلية لرموز ثورتهم، ويحاولون فرض سيناريو وحوار معدّ مسبقاً للشباب الثائر، ليخرج به على سكان المقاطعات وبالشكل الذي تراه نخب الكبار. وهذا في الواقع أكثر المشاهد صدقاً لما يمرّ به شبابنا في مختلف بلدان الربيع العربي.

استوقفني قبل أيام اعتقال طلاب تايلنديين نظموا تظاهرة احتجاجية ضد النظام العسكري الديكتاتوري الذي يحكم بلادهم منذ مايو/أيار الماضي، بعد مشاهدتهم الجزء الثالث من سلسلة أفلام (مباريات الجوع)، وترديدهم عبارات مأخوذة من الفيلم، ورفعهم شارة الثلاث أصابع التي يستخدمها أبطال الفيلم، كما أنهم ألغوا عرض الفيلم من جميع دور العرض هناك! الأمر الذي يجعلنا دائما نُبهر من هذا الواقع البئيس، لكن لهذا حديث آخر في المرة القادمة.

*مصر

المساهمون