مافيات إيطاليّة تستغلّ اللاجئين

22 يناير 2015
ينتظر مصيره في مركز إيواء (فرانس برس)
+ الخط -
تنقذ البحريّة الإيطاليّة من الموت غرقاً عشرات آلاف اليائسين الذين يصرّون على الإبحار في الأبيض المتوسط بحثاً عن الهجرة واللجوء، ليتوزّع هؤلاء بعد إنقاذهم على معسكرات ومراكز إيواء في مناطق مختلفة. لكن ثمّة وجهاً آخر للإنقاذ، إذ تُستغَلّ ظروف هؤلاء "المغامرين" الذين ينتظرون قرارات إيطاليا إما للبقاء على أراضيها أو لمواصلة السفر نحو بلدان أوروبيّة أخرى.

ومن وسائل الاستغلال التي تشترك فيه عصابات صقلية، إخراج هؤلاء "المغامرين" من الجزيرة إلى الشمال لتشغيلهم في حصاد مواسم زراعيّة وعمال في مصانع إنتاج الكونسروة، وبشكل خاص الطماطم المعلبة المصدّرة إلى بلدان أوروبيّة أخرى. فتعرض تلك المنتجات على رفوف المستهلكين بأسعار زهيدة.

لا يسري هذا الاستغلال على اللاجئين الوافدين من عرب فقط، بل يشمل أيضاً الأفارقة ومواطني أوروبا الشرقيّة أيضاً المقيمين في إيطاليا بطريقة غير قانونيّة.

ما يجده المستهلكون في شمال أوروبا على رفوف متاجرهم، من حمضيات بأنواعها وزيتون وبطيخ وأنواع مختلفة من الخضار، حصدتها أيد عاملة نقلت من الجنوب الإيطالي إلى مزارع الشمال حيث تعيش وسط ظروف دنيا لا تليق بالبشر. وكل مَن يحتجّ على الأجور أو المعاملة غير الإنسانيّة، يُهدّد بالإبلاغ عنه. فيرضخ اليائسون للأمر الواقع.

مزاحمة التلاميذ
كانت العادة تقضي بأن يسافر تلاميذ مدارس ثانويّة في بلدان أوروبيّة مختلفة، إلى جنوب القارة لجني محاصيل مختلفة كالعنب المستخدم في صناعة النبيذ في فرنسا والطماطم والحمضيات في إيطاليا وكذلك الفراولة. وكان هؤلاء التلاميذ يعتبرون تلك الرحلات مجالاً يعود عليهم بفوائد متعددة وأهمها السياحة شبه المجانيّة.

لكن استغلال اليد المهاجرة واللاجئين المجبرين على مغادرة بلدانهم على خلفيّة الأزمات والحروب، غيّر واقع الحال اليوم واستبدله بهيمنة عصابات مرتبطة بالمافيا الإيطالية التي باتت تتوسّع جغرافياً خارج الحدود الإيطاليّة لتغطي نطاقاً أوروبياً أوسع.

عبوديّة جديدة
ويشير هنا صحافي ومخرج إيطالي، فضّل عدم الكشف عن هويّته، لـ"العربي الجديد"، إلى إن هذه الظاهرة "آخذة في التوسّع بما يشبه عبوديّة جديدة منذ سنتَين وأكثر. فالمهاجرون غير الشرعيّين يُستغلّون من قبل عصابات وجدت في الهيمنة على سوق اليد العاملة، تجارة مربحة. وهي تحتمي بقوانين جائرة تحاسب المهاجر الإريتيري أو الموريتاني أو المصري قبل أن تحاسب مَن بلّغ عنه والذي يستعبد هؤلاء".

إلى ذلك، ووفق شهادة رؤوف (اسم مستعار)، الذي سلّم نفسه للشرطة الإيطاليّة غير آبه بالنتيجة، فإن "ذلك لن يكون أسوأ من أن أبقى مهدداً طيلة الوقت وأعيش وضعاً لا تقبله البهائم". ويوضح أن تلك العصابات ليست هي التي تملك المزارع والمعامل، بل "دورها يقتصر على تلقي نسبة من أجرة العمل اليومي قبل أن يعطونا بضعة دراهم بعدما يحسمون منها ثمن ما يسمونه منامة وحماية لنا".

ويوضح الصحافي الإيطالي، الذي يتابع قضايا المافيا الإيطاليّة وانتشارها، أن "القوانين الإيطاليّة تمنع بالتأكيد هذا النوع من الأعمال، لكنها تتبنّى موقفاً متشّدداً تجاه هؤلاء المساكين، فلا تمنحهم إقامات ليعملوا بما يليق بالبشر. ومن جهة أخرى، هي لا تتابع أوضاع هؤلاء نتيجة ضغوط أصحاب المزارع والمصانع الذين ينافسون مزاحمين في بلدان مجاورة على التصدير نحو الشمال الأوروبي".

بعض من تلك البلدان الأوروبيّة لحظ متأخراً هذا الشكل من أشكال العبوديّة الذي تبلغ منتجاته رفوف المتاجر الاستهلاكيّة. وتلك البلدان كانت في السابق تغضّ الطرف، وما زال بعضها يفعل، عن استغلال اليد العاملة وتشغيل الأطفال والفتيات في دول آسيوية كالهند وبنغلادش لإنتاج الألبسة وتسويقها في المتاجر الأوروبيّة بشروط عمل أقلّ ما يقال عنها إنها عبوديّة بشعة.

واليوم، ما يأمله المدافعون عن حقوق المهاجرين عبر إثارة موضوع استغلال اليد العاملة المهاجرة في إيطاليا، هو التأثير على المستهلك ليفكّر بما يتناوله عن الرفوف ومن الصناديق، وبالتالي الضغط على المستورد ليتّخذ موقفاً من مصدّرها.

وهذا الأسلوب كان قد نجح في السابق في ما يخصّ الاستيراد من دول أميركا الوسطى والجنوبيّة، إذ أصبح المستهلكون أكثر وعياً تجاه منتجات مزارعي الموز والقهوة. وراحوا يتّجهون إلى التعامل مع الذين يعتمدون المنتجات التي تصنّف في خانة "التجارة العادلة".