مارك الذي يضحك علينا

مارك الذي يضحك علينا

01 ابريل 2014
+ الخط -

أبحث عن جهاد في الثلث الأخير من الليل عندما ينام الجميع. جهاد الذي تركنا وعائلته إلى الأرض البعيدة. أعرف كيف أقبض عليه كلما احتجت لذلك. سألتقيه بعد قليل لنتبادل كلاماً عابراً. إذا كان متحمساً سنغرق في حديث اليوميات السريعة. وإذا لم يكن سأختصر قدر الإمكان بانتظار فرصة أخرى.

أودّعُ حسين الذي يغيب لعام. أكره الوداع وأهرب منه. يصيبني بألم المعدة في العادة. لكن الوداع لا يعرف ذلك ويظل يطاردني. لذلك أعاني من مغص دائم في معدتي.

أعانق حسين عناقاً خاطفاً قبل أن نفترق. نذكّر بعضنا أن هناك طرقاً للتواصل. نبتسم ونعدُ بأن نتابع أخبار بعضنا عبر هذه الطرق.

تلاحقني المغرية بـ"لايكاتها" وتعليقاتها الخجولة. لا تتفاعل بشكل دائم لكني أعرف أنها تتلصص على جداري طوال الوقت. أشعر بذلك أو أتوهمه إلى حد التصديق. ربما يفكّر المخبرون مثلما أفكّر بخبث الآن. أتخيّل عينيها تلاحقان جداري طوال الوقت. صرت أخاف من طريقة تفكيري.

طالما أن المغرية تنقر الفأرة فهذا يعني أنها موجودة. قالت لي في لقائنا الأول إنها تفكك كلام الـ"ستاتوس" المبطّن. هل تكون المغرية بعقل مخابراتي؟

لطيف عيد الأم على "فيسبوك". رقيق كل هذا الحب المتقاسم على الصفحات. الصور المشتركة للصبيان والبنات مع أمهاتهم. الصور الصفراء القديمة المهترئة. العناق الكثير. ذكريات الأبيض والأسود. الورود بالألوان. كل هذا جزء من اللعبة. لعبة التلصص على الماضي الذي يدغدغ القلب كلما احتجنا أن نفعل ذلك.

أكره "فيسبوك" يوم يحصل تفجير أو اغتيال في هذه البلاد. تبدأ الجدران بتقيؤ الألم والكراهية والحقد المتبادل. يخرج الدم من صفحات الأصدقاء ليقطر من زاوية الشاشة على مكتبي. أتفرّج عليه ثم أقوم لأحضر فوطة كي أمسح السائل الحار عن الخشب قبل أن أعود لأكتب "ستاتوس" كئيباً تأكيداً على مشاركتي في حفلة الندب الجماعي.

ماذا ظن مارك زوكربرغ في تلك اللحظة التي قرّر فيها جمع وجوهنا في صفحات كتابه الأزرق الذي صار منجمه للذهب ومساحتنا للأوهام؟ هل خطر بباله بأي روح سنتقاسم كل تلك الأشواق والأفراح والأحزان والخيبات؟ كيف ومتى صار "فيسبوك" هويتنا؟ كيف صار نافذتنا الأوسع التي نطل من خلالها على الآخرين؟ كيف صار وهمنا المشترك؟ ترى هل فكّر الفتى النيويوركي بكل ذلك في تلك اللحظة؟

صرنا كلنا جواسيس وأسرى خلف جدراننا الوهمية، اقتنعنا بذلك أو لم نقتنع. ومارك، المشاغب المتحكّم بأوهامنا وحرّيتنا، يديرنا كبيادق الشطرنج من غرفة سرّية في مكان ما.

وكلما زاد منسوب تطفّلنا واشتدّ قيد أسرنا وارتباطنا بالشاشة المستطيلة تراكمت ملايين الفتى الأشقر وعلت ضحكته الساخرة ملعلعة في أرجاء الكوكب.

دلالات