ماذا جرى للمصريين؟

14 يوليو 2014
تغير المزاج الشعبي المصري مرات عدة (GETTY)
+ الخط -


ظل سنوات عدة يشارك في مسيرات ووقفات احتجاجية داعمة للحق الفلسطيني ومنددة بالاحتلال الإسرائيلي، وفي كل اعتداء على غزة أو الضفة كان يعبر صارخاً عن غضبه، ويهاجم التقاعس العربي، الرسمي والشعبي.

عندما بدأ العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة المحتل، بات يردد أن "حماس" السبب، وأنها التي بدأت العدوان بالهجوم على المدنيين الإسرائيليين، وأنها تستحق العقاب كمنظمة إرهابية.

فجأة صار يعتبر المستوطنين الإسرائيليين الذين اغتصبوا الأراضي الفلسطينية، مواطنين مدنيين، وفجأة تحولت حركة المقاومة "حماس" إلى منظمة إرهابية.

الواقع أن إسرائيل لم تتحول إلى دولة طبيعية، ولا حماس إرهابية، لكنه، ومثله آلاف من المواطنين المصريين، تحولوا من النقيض إلى النقيض، وباتوا ينظرون إلى الأمور بمقياس مختلف، بعيداً عن الحق والعدل والمنطق.

بدأ تحول المصريين منذ نحو عامين تقريباً، بعد أن بدأ النظام القديم، في نهاية عهد المجلس العسكري، تنفيذ خطته للقضاء على الثورة، أو لنقل بدء الثورة المضادة. بدأت عندها عملية اللعب بعقول المصريين وتشكيكهم في كل ثوابتهم، وتحويل كل القضايا المصيرية لديهم إلى تفاهات، وشغلهم بقضايا فرعية.

نجح المخطط بلا شك في اللعب بعقول الملايين مستخدماً وسائل الإعلام التي تم تطويعها جميعاً لخدمة الثورة المضادة، وكذا الأسلحة غير التقليدية مثل البلطجية والمواطنين الشرفاء، وتنظيمات وهمية مدعومة أمنيّاً أو من النظام القديم، مثل "بلاك بلوك" أو "أنصار بيت المقدس".

نجاح المخطط تمثل بوضوح في تزايد كراهية الثورة ومن قاموا بها، وهي كراهية كانت قائمة بالأساس، وتحول المزاج الشعبي الرافض قمع قوات الشرطة المواطنين إلى النقيض ومطالبة الشرطة بالحزم والتشدد، وبعد أن هدرت الهتافات في الشارع المصري على مدار عامين تقريباً "يسقط حكم العسكر"، بات المزاج الشعبي ولسان حال المواطن العادي يكرر جملاً من عينة "مصر لا يصلح لحكمها إلا عسكري".

ومن دون أن نلقي التبعة على الثورة المضادة، ومن قاموا بها وحدهم، فلا شك أن الثوار أيضاً يتحملون جانباً من المسؤولية عن ضياع ثورتهم، أو لنقل الانقلاب عليها، فبينما كان النظام القديم يلملم شتاته بعد الثورة، تفرغ الثوار للتهجم على بعضهم بعضاً، وبينما كانت الأجهزة القديمة الفاسدة تستعيد قوتها، كانت كل مكتسبات الثورة تضيع بسبب تفرغ من قاموا بها لجمع الغنائم قبل تمهيد الأرض.

لا تعجب من شماتة المصريين في أهل غزة الذين تقصفهم إسرائيل، فهم أنفسهم شمتوا في أهل مصر الذين قتلهم الجيش المصري في ميداني رابعة العدوية ونهضة مصر وأمام مسجد الفتح في وسط القاهرة، وقبلها في ماسبيرو، وشارع محمد محمود وأمام مجلس الوزراء وغيرها.

تغير المصريون بالفعل، وظهر هذا جليّاً بعد الانقلاب العسكري، حتى بات المصري المتصالح مع نفسه ومع الآخرين يشكك في أن هذه مصر التي عرفها، ويسأل نفسه يومياً: ماذا جرى للمصريين؟ دونما جواب.

المساهمون