مؤتمر موسكو الأفغاني بلا نتائج: مواقف متباينة وأهداف متباعدة

12 نوفمبر 2018
تباينت مواقف الأطراف المشاركة في المؤتمر (Getty)
+ الخط -
لم يخرج مؤتمر موسكو الأفغاني، الذي عُقد يوم الجمعة الماضي بمشاركة وفدي الحكومة الأفغانية وحركة "طالبان" إضافة إلى ممثلي 12 دولة، بأي نتيجة مهمة، مع إصرار "طالبان" على عدم التفاوض مع الحكومة الأفغانية مباشرة، مقابل عدم اهتمام الحكومة بالمؤتمر. كذلك بدا أن روسيا سعت عبر المؤتمر للتركيز على الوجود الأميركي في أفغانستان، وإثبات حضورها في القضية الأفغانية ووضع نفسها كطرف أساسي لا يمكن مرور أي حل من دونه.

وبقدر ما كانت مشاركة "طالبان" في مؤتمر موسكو، لافتة ومهمة للأفغان بشرائحهم المختلفة، كان موقف طرفي الصراع، "طالبان" والحكومة الأفغانية، مهماً أيضاً. الحركة أصرت خلال المؤتمر على عدم التفاوض مع الحكومة بصورة مباشرة، بينما الأخيرة لم تكن مهتمة أصلاً بمؤتمر موسكو ولم تكن راضية بانعقاده، مشددة على أن أي تحرك لحلحلة القضية لا بد أن يكون تحت إدارتها وليس بإشراف أجنبي، وتحديداً روسيا المتهمة بدعم "طالبان". ولولا قبول موسكو بطلب كابول تأجيل المؤتمر من شهر سبتمبر/أيلول، لما كانت الحكومة الأفغانية لتشارك فيه، كما يقول مراقبون. وخير دليل على ذلك تردد الحكومة في المشاركة، قبل أن ترسل وفداً من أعضاء المجلس الأعلى للمصالحة، لم يكن لهم دور كبير سابقاً وغير معروفين. بينما كانت موسكو تتطلع لأن تشارك الحكومة على مستوى أعلى من خلال وزير الخارجية أو على الأقل رئيس المجلس الأعلى محمد كريم خليلي، ولكنها لم تفعل ذلك، ما يدل على أن الحكومة لم تكن مهتمة بالمؤتمر.

وكانت رسالة السلطات الأفغانية واضحة بأنها لن تقبل أي جهود موازية لحل الصراع غير التي تقودها هي، والتي دخلت على خطها الولايات المتحدة أخيراً، وأخذت منحى جديداً ومهماً بعد زيارة المبعوث الأميركي للمصالحة الأفغانية زلماي خليل زاد الأخيرة إلى أفغانستان ودول المنطقة، والتي تبعتها تطورات بارزة، أهمها إطلاق باكستان سراح القيادي المهم في "طالبان"، الذي كان نائب زعيم الحركة قبل اعتقاله من السلطات الباكستانية عام 2010، الملا عبد الغني برادر. كما تعتقد كابول أن مؤتمر موسكو محاولة لخطف الأضواء ومنح الشرعية لـ"طالبان"، وإثبات موسكو تأثيرها على الحركة، أكثر من كونه مسعى لسلام حقيقي.
وبرز لقاء زلماي خليل زاد بالرئيس الأفغاني أشرف غني، السبت، وأطلعه المبعوث الأميركي خلاله على نتائج زياراته الأخيرة لدول المنطقة بشأن المصالحة الأفغانية. وقالت الرئاسة الأفغانية، في بيان، إن الرئيس الأفغاني رحب بأي جهود تجري لأجل المصالحة الأفغانية وتكون بقيادة الأفغان وتحت إدارتهم.

أما موسكو، المتهمة بمساندة "طالبان"، والتي تعارض وجود القوات الأميركية في أفغانستان، فقد سعت من خلال المؤتمر لتثبت أن مفاتيح القضية الأفغانية ليست بيد أميركا وحكومة كابول وحدهما، بل لها أيضاً تأثير، لأنها استطاعت أن تحضر "طالبان" إلى المؤتمر وأن يتحدث مندوب الحركة مع وسائل الإعلام الروسية حول استراتيجيتها وبرامجها.

وقال الأكاديمي الأفغاني صفي الله كجوري، إن موسكو كانت تحاول أن تثبت أنها أحد أطراف الصراع الأفغاني، وأن أي حل من دون رضاها غير مجدٍ، معتبراً أن ذلك "زعم خاطئ، وهذه المؤتمرات لن توصل للصلح في أفغانستان أو تمهد له، بل إن الجهود الحقيقية هي التي تترأسها الحكومة الأفغانية". أما الإعلامي والناشط الأفغاني عبد المتين متين، فقال إن "التاريخ قد تكرر، فالمجاهدون كانوا يقاتلون الروس في ثمانينبات القرن الماضي وكانت أميركا تحضرهم إلى الطاولة، الآن طالبان تقاتل الأميركيين وروسيا تحضرهم، وهذا المؤتمر كان لإثبات ذلك وليس للوصول إلى أي حل".


في سياق آخر، فإن "طالبان" كانت تصر خلال المؤتمر وفي حوارات مندوبيها مع القنوات الروسية، على أن الوجود الأميركي هو العقبة في سبيل حلحلة القضية الأفغانية، وكانت عبر ذلك توجّه رسالة بأن موقفها يتلاقى مع روسيا. وبدا أن مؤتمر موسكو كان يركز على الوجود الأميركي في أفغانستان أكثر من البحث عن سبل المصالحة الأفغانية وكيفية جلب كل أطراف الصراع إلى طاولة الحوار. كما بدا أن تحدي الوجود الأميركي في أفغانستان كان هدف المؤتمر إلى جانب إثبات النفوذ الروسي. فعندما تحدث أحد مندوبي "طالبان" مع وسائل الإعلام الروسية، كانت معظم الأسئلة تتركز حول الوجود الأميركي، وكان المندوب يصر على أن المعضلة الأساسية والعقبة في سبيل المفاوضات هي الوجود الأميركي. كما أن رئيس الوفد الحكومي حاجي دين محمد، ولدى خروجه من قاعة المؤتمر، ووجه بأسئلة من وسائل الإعلام الروسية تركزت على ما إذا كان الأميركيون سيخرجون من أفغانستان أم لا.

أما "طالبان" فحاولت أن تستغل المؤتمر لإظهار موقفها، كما قال مندوبوها لوسائل الإعلام، رافضين أن يكون المؤتمر أساساً وشكلاً من أشكال الحوار مع الحكومة الأفغانية، بل فرصة لتبيان الموقف وشرح الاستراتيجية لا أكثر. وما كان مهماً للأفغان ومخيباً لآمالهم هو رفض الحركة الحوار مع الحكومة الأفغانية، مع تأكيد وجود مفاوضات مع الأميركيين، ومع بعض السياسيين الأفغان. في هذا الصدد، قال القيادي في الحركة، شير محمد عباس ستانكزاي، لوسائل إعلام روسية، "إننا نرفض تماماً أن يُصور مؤتمر موسكو على أنه جزء من الحوار، بل كان منبراً لأن نعلن موقفنا ونتحدث حول استراتيجيتنا في أفغانستان"، مشيراً إلى أن "هناك حواراً مع الأميركيين، وبعض الأحزاب السياسية"، ولكنه رفض تماماً أن تكون هناك محاولة أو استراتيجية للحوار مع الحكومة الأفغانية.

كما جاء في بيان "طالبان" في المؤتمر أنها "تقاوم الاحتلال وأن الحرب في أفغانستان ليست أهلية وداخلية، بل هي مقاومة ضد المحتل وبهدف إنهاء الاحتلال"، معلنة أنها تتفاوض مع الأميركيين، لكنها اشترطت قبل أي نوع من الحوار إخراج قيادييها من القائمة السوداء، ووقف الحملة الإعلامية ضدها والإفراج عن معتقليها، وبعد ذلك يمكن الحديث حول المصالحة وإنهاء الاحتلال.
هذا الموقف أثار حفيظة بعض الأفغان، لا سيما السياسيين. وقال عضو البرلمان زمرك باد خوابي، إن الشعب الأفغاني يتطلع إلى جهود حقيقية للمصالحة، مشدداً على أن مؤتمر موسكو ليس إلا ضياعاً للوقت، لأن أحد أهم أطراف الصراع الأفغاني وهو الحكومة تم تهميش دورها، ما يعني أن المؤتمر كانت له أهداف أخرى. فيما قال عضو البرلمان عن إقليم بكتيا، نادر كتوازي، "إننا نرحب بكل الجهود المبذولة لأجل المصالحة ولكن الجهود الحقيقية هي التي تديرها الحكومة الأفغانية"، داعياً دول الجوار وتحديداً روسيا لأن تعمل للحوار المباشر بين الحكومة الأفغانية و"طالبان" بدلاً من العمل لترويج أجندتها.

أما الخارجية الأفغانية فدعت إلى عدم استغلال المؤتمر من قبل "طالبان" كمنبر لها لترويج أجندتها، بل ليكون تمهيداً للحوار المباشر بين الطرفين. وأوضحت في بيان أن المؤتمر لم يكن ضمن سلسلة الاجتماعات التي عُقدت في طشقند وكابول والتي كانت تحت إدارة الحكومة الأفغانية، بل كان مؤتمراً مستقلاً، وأن روسيا وافقت مع أفغانستان أن يكون هدفه إتاحة الفرصة للحوار المباشر بين الحكومة الأفغانية و"طالبان"، محذرة "من أن تستخدم طالبان المؤتمر لأجل ترويج أجندتها". وفي بيان الخارجية إيحاءات تشير إلى قلقها حيال ما لاقاه مندوبو "طالبان" من استقبال وحفاوة في موسكو، لا سيما من قبل وسائل الإعلام الروسية.

تأثيرات المؤتمر أيضاً كانت حاضرة في الهند، إذ وُجهت انتقادات لاذعة للحكومة الهندية بسبب مشاركتها في المؤتمر وإعطاء ما وصفته بعض وسائل الإعلام بالأهمية والاعتراف بـ"طالبان". واضطرت الخارجية الهندية إلى إصدار بيان قالت فيه إن نيودلهي "لم تغيّر موقفها إزاء طالبان ولم تتحدث مع مندوبيها خلال مؤتمر موسكو، وأي نقاش إزاء القضية الأفغانية يتم من خلال الحكومة الأفغانية".