مؤتمر"استراتيجية المقاطعة ضد الاحتلال": إجماع على تفعيل الجانب القانوني

مؤتمر"استراتيجية المقاطعة ضد الاحتلال": إجماع على تفعيل الجانب القانوني

07 اغسطس 2016
المركز عقد مؤتمرات عدة اهتمت بالقضية الفلسطينية(العربي الجديد)
+ الخط -

حملت أشغال إحدى جلسات اليوم الختامي لمؤتمر "استراتيجية المقاطعة ضد الاحتلال الإسرائيلي ونظام الأبارتهايد الواقع الطموح"، أمس السبت، والذي نظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بالتعاون مع فرعه في تونس، جملة من الحقائق الهامة حول واقع المقاطعة في عدد من الدول خارج المنطقة العربية.

هذا الأمر يدفع إلى مقارنتها بوضع المقاطعة عندنا، خصوصا مع تراجع وهج المقاومة الشعبية، وانصراف الشعوب العربية إلى همومها، فضلاً عن الغياب الرسمي العربي، وعدم اعتماده سياسة مقاطعة أصلا.

وترأس أعمال هذه الجلسة البروفسور، ماكس بلومنثال، وشارك فيها كل من الباحث، محمد ناظري إسماعيل، من خلال دراسة حول التحديات الراهنة لحملة المقاطعة في ماليزيا، وكمال قمصيلة مرزوقة، عن "حملة المقاطعة في تشيلي، السيرة المختصرة والتحديات"، وبيتر سلزاك، متحدثاً عن "حملة المقاطعة في أستراليا: نماذج من الاحتجاج السياسي الشعبي".

كما تحدثت إميلي بلزرد عن "تموضع حركة المقاطعة العالمية كقوة لتحويل النزاعات في الإعلام الجماهيري: دروس مستفادة من أستراليا".

وفي هذا السياق، اعتبرت الباحثة في الشؤون الأوروبية وحقوق الإنسان، المديرة السابقة للمرصد الأوروبي المتوسطي، أماني السنوار، في حديث مع "العربي الجديد" أن "موضوع المقاطعة يتعرض لظلم في الإعلام العربي، من خلال الأطروحات الشعبوية التي تسلم بأن الغرب منحاز بالمطلق لإسرائيل، وإن كانت هناك بعض الصحة، ولكن ذلك كان يضعف من العمل في وسائل المقاومة الشعبية، ومن ضمنها المقاطعة".

ورأت أن "فائدة مثل هذا المؤتمر تكمن في أنه يأخذ تلك الأطروحات نحو نقاش جدي وأكاديمي، يكتسب أهمية كبيرة لناحية بحث وتقييم نجاعة مثل هذا الموضوع الحساس وبشكل علمي، بعيداً عن الشعارات الكبيرة".

هذا ما أكده أيضاً الدكتور، مهدي مبروك، مدير المركز في تونس، مشيراً إلى أن "المقاطعة العربية تبقى في مستوى الشعار والخطاب ولا توجد أية مبادرة فعلية تجسّد هذه الشعارات".

ولفت مبروك في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن الوعي بأهمية المقاطعة كممارسة شعبية نضالية مدنية سلمية، تتوسع في دوائر وعي النخب والناشطين الغربيين، "مما دفع العديد من الشركات المستثمرة في إسرائيل، إلى الانسحاب ومقاطعة بضائع المستوطنات".

كذلك، رأى أن المقاطعة تضررت كثيراً بسبب الاستقطاب الإقليمي الحاد، لافتاً إلى أن جملة من العوامل الرئيسية ساهمت في ذلك، وأهمها انعكاس بعض الأعمال المتطرفة، وصورة الاٍرهاب العربي المسلم وتدفق اللاجئين، الذين تسبب بعضهم، رغم قلتهم، في بعض المشاكل، وكانت كلها على حساب التعاطف مع الشعب الفلسطيني.

ويضيف مبروك أنّ حالة الانقسام الفلسطيني، وتصنيف بعض الدول العربية فصائل من المقاومة بأنها إرهابية، أضرّا بحالة التعاطف السلمي المدني.

من جهته، قال الدكتور محمد المصري، المدير التنفيذي للمركز، إن الجهود العربية الرسمية تراجعت بسبب معاهدات السلام، التي عقدتها بعض الدول العربية، وأصبحت المقاطعة العربية الرسمية تقريباً غير موجودة، ولا يعرف المواطنون العرب أنّ هناك حملة مقاطعة عالمية تتم في عدد من الدول.

وأضاف في حديث مع "العربي الجديد" أن المحيط العربي يركز نظره على المقاطعة في المنطقة الأوروبية فقط، ويتناسى أهمية المقاطعة في مجالات حيوية أخرى، كآسيا وأفريقيا وجنوب أميركا، وهي مجالات لا بد أن تحاصر.

وعرّج المصري على التجربة في جنوب أفريقيا في مقاومة النظام العنصري، لافتاً إلى أن الدول الأفريقية هي التي بدأت بذلك، وفرضت على العالم أن ينضم إليها، ولكن المقاطعة العربية، التي تبقى شعبية فقط، ظلت على مستوى الهبّات والاحتجاجات، وتنتظر أن يقتل العديد من الفلسطينيين لتنطلق دون فاعلية حقيقية.

وحول ما إذا كانت المقاطعة هي السلاح الوحيد المتبقي عربيا لمقاومة إسرائيل، شدّد المصري على أن هذا الأمر غير صحيح، لأن المقاطعة هي أحد أسلحة المقاومة، وتكمل بقية الأشكال التي ينبغي على المؤسسات الفلسطينية ان تعتمدها في نضالها ضد الكيان الصهيوني.

كما شدّد على أنه لا ينبغي أن تصل هذه الأوهام إلى المواطن الفلسطيني.

وقال إن "المركز الذي عقد العديد من المؤتمرات التي اهتمت بالقضية الفلسطينية، ليست لديه أوهام في هذا الشأن، ويعتبر أن سلاح المقاطعة هو مكمل لبقية الاستراتيجيات للمقاومة، يمكن أن تستخدم من أجل إحراج اسرائيل ونزع الشرعية عنها، ومن الخطأ الاقتناع بأن حركة المقاطعة ستحقق وحدها آمال الشعب الفلسطيني، لأن هذا يقود إلى الاعتقاد بأن كل الأسلحة الأخرى وأشكال المقاومة قد سقطت، وهذا أمر خطير".

ونبّه المصري إلى أن بعض حملات المقاطعة العربية تضم أحيانا نشطاء يدّعون الإيمان بعدالة القضية الفلسطينية وجوهرها الحقوقي، في حين أنهم ينتصرون للاستبداد في بعض الدول العربية، مما يضعف القضية الفلسطينية ويقلص من حجم التعاطف والتضامن الأجنبي مع القضية، لأن المسائل الحقوقية واحدة ولا تتجزأ.



بدوره أكد الباحث والكاتب البحريني، راشد الجاسم، أيضاً "أن "هناك صراعاً في المحاور الإقليمية وتشرذماً طائفياً وانقساماً فلسطينياً، فالطرح البحثي الأكاديمي من خلال النخب هو متميز، لأنه يصدر عن أناس غير منحازين وعلميين".

أما الباحث الفلسطيني ميشيل نوفل، فاعتبر أن "الموقف الأوروبي الشعبي كان جريئًا وأكثر انتصارًا للحقّ الفلسطيني من الموقف الأوروبي الرسمي"، مشيرا إلى "نجاح حركة المقاطعة في تعبئة قطاعات واسعة من الرأي العامّ الأوروبي ضد إسرائيل.

وأوضح أن "هذا الزخم أربك إسرائيل كثيرًا، ودفعها إلى إطلاق سياسات مضادة؛ للالتفاف على جهد المقاطعة الاقتصادية والأكاديمية والثقافية".

وتكفي بعض الأرقام للدلالة على تقدم مشروع المقاطعة غير العربية، رغم أنها مبادرات مشتتة وغير منسقة دوليا، فقد ألغت البرازيل عقدا ضخما مع شركة إسرائيلية للألعاب الأولمبية لعام 2016، بعد حملة قام بها متضامنون مع القضية الفلسطينية.

كما أكدت أرقام إسرائيلية استندت إلى بيانات رسمية حصلت عليها من مكتب الإحصاء، أنه في حال استمرار المقاطعة الأوروبية فإن حجم الخسائر الإسرائيلية يمكن أن يصل إلى قرابة 9.5 مليارات، تحاول السلطات الإسرائيلية تعويضها بزيادة الصادرات إلى الولايات المتحدة وأسواق أخرى غير الاتحاد الأوروبي، وبزيادة الاستثمارات الأميركية في إسرائيل.

وكانت شركة "كي.أل.بي" النرويجية للتأمينات قد سحبت استثمارات من شركتين ألمانيتين لمواد البناء بسبب عملهما في مستوطنات في الضفة الغربية.

كذلك، أشار تقرير عربي إلى أن شركة "أورانج" الفرنسية، أعلنت سحب علامتها التجارية من إسرائيل وذلك بعد قيام شركة "بارتنر الإسرائيلية" بالبناء على أراضٍ فلسطينية مصادرة.

كما أن متحف اللوفر الفرنسي رفض طلب زيارة طلاب إسرائيليين من جامعات إسرائيلية وذلك لتبادل الأفكار بينهما، ولكن مسؤولون في "أورانج" سارعوا إلى الاعتذار عن ذلك تحت ضغط اللوبيات الفرنسية.

وبحسب التقرير أيضاً، فإن المقاطعة الأوروبية على المنتجات الزراعية الإسرائيلية الخاصة بالمستوطنات كبدت إسرائيل ستة مليارات دولار عامي 2013 و 2014، وفق صحيفة هآرتس الإسرائيلية.

الباحث والكاتب الفلسطيني، الدكتور خليل جشهان، قال لـ"العربي الجديد" إن "المؤتمر مهم جداً من ناحية المحتوى والتوقيت، فعملية المقاطعة تدخل الآن في مرحلة جديدة بعد 11 سنة من العمل في الغرب".

وأضاف "نحن أمام تحديات، بسبب ملاحقة المقاطعة بكثافة في الغرب"، مشيرا الى أن الساحة الأميركية تختلف عن أوروبا كثيرا، فتفاصيل الحالة الأميركية واللعبة السياسية مهمة جداً للعالم العربي وللعاملين في حقل القضايا العربية في هذا التوقيت تحديدا".

وفي هذا السياق، شدّد مشاركون على أن دفع المقاطعة وتطوير أشكالها، تستوجب جهدا تنسيقياً، و تتطلب صبراً طويلا، إذ عرضت اشغال المؤتمر لتجربة مقاطعة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.

كما لفت هؤلاء الى أن "حالة المقاطعة التي انتشرت ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، قد أخذت سنوات قبل أن تصل أوجها في الثمانينيات، بتضافر جهود كبيرة. وهو أمر نأمل أيضا الاستفادة منه في قضية المقاطعة ضد كيان الاحتلال الإسرائيلي بتضافر كل الجهود".

وطرح المؤتمر أيضاً أوراقاً بحثية حول المقاطعة القانونية، وكيفية تعزيز المقاطعة في العالم العربي. كما طرح النموذج الجنوب أفريقي الذي يعتبر مهما جدا للاستفادة من التجربة.

وألقت تجارب المقاطعة في شيلي واستراليا وماليزيا، جملة من الاسئلة الحقيقية على وضع المقاطعة العربية، وتعرضت للصعوبات الكثيرة إزاء صورة العربي في هذه الأوساط وفاعلية اللوبيات المساندة لإسرائيل في هذه الدول، وتشابك المصالح بين الدول والكيان الصهيوني.